كتب ـ جعفر الديري:
يحكى أن رجلاً جرفته مياه البحر إلى جزيرة نائية ليس فيها رجل وتحكمها النساء، وكان الإعدام مصير كل غريب تطأ قدميه الجزيرة، وعندما اقتيد الرجل لينال القصاص، سألته حاكم الجزيرة عن آخر رغباته قال “رغبتي أن تنفذ حكم الإعدام أكبركن سناً، فلم تتقدم أي واحدة”.
الحكاية بالتأكيد أسطورة من نسج الخيال، لكنها تدلل على أمر واحد، وهو أن المرأة لا ترغب بالإفصاح عن سنها، وإن أفصحت كذبت على الغالب، فهل الأمر يخص المرأة وحدها؟! أم للرجل نصيبه؟!.
مرض اسمه التصابي
تؤمن فاطمة عبدعلي أن إخفاء العمر الحقيقي لا يخص المرأة وحدها “الرجل أيضاً لا يرغب بالحديث عن سنه”، وتجد الأمر غير مستحب ويدلل على ضيق أفق الرجل والمرأة على حد سواء.
وتقول فاطمة إن إخفاء السن دليل مرض اسمه التصابي وتسأل “أي عيب في أن يكشف المرء عن سنه؟! لكل مرحلة عمرية جمالها، حتى المرأة التي تخجل كثيراً تجد في نفسها أشياء جميلة جداً مع كل مرحلة عمرية، فكيف بالرجل المفترض أن يزداد رجولة وكمال شخصية كلما تقدم به العمر؟!”.
وتضيف “للأسف الشديد لم تعد لدى رجالنا تلك الروح التي كانت عند آبائنا وأجدادنا، وبدلاً من أن يثقل الرجل، نجده يتصابى حتى يتحول إلى مادة لسخرية الناس خاصة الشباب منهم”.
دبيب الكهولة
ويؤكد فاضل سلمان أن الشخص لن يجد حرجاً في الإفصاح عن سنه الحقيقي طالما أنه لم يجاوز مرحلة الشباب، لكنه متى أحس بدبيب الكهولة يمشي فلن يرغب بذلك.
ويعلل ذلك بالإحساس بالمرارة وليس الخجل كما يظن البعض “الرجل يختلف عن المرأة في هذه الناحية، فإذا كانت المرأة تخجل من أن يقال عنها إنها تقدمت بالسن، فإن الرجل ليس كذلك، بل يرى الدخول في طور الكهولة دليلاً على النضج، لكنه بالمقابل يتأسف على انقضاء مرحلة الشباب بقوتها وعنفوانها، وكلما سئل عن ذلك تهرب لأن الإجابة تشعره بتقدمه في السن”.
ليت الشباب يعود يوماً
بينما يعتقد مجيد عبدالله أن الناس يختلفون بشأن ذلك، لكنه يشير أيضاً إلى تأثير الناس الذين يخالطون الفرد “الكهل عندما يعمل مثلاً مع موظفين جميعهم شباب، لن يرغب بالكشف عن سنه الحقيقي، خاصة مع موظفات من الجنس اللطيف، كي لا يبدو وكأنه نشاز بينهم، اللهم إلا نفر قليل نادر لا يجدون بأساً في ذلك، وهؤلاء لديهم من قوة الشخصية ومن التعلق بالأمور الروحية ما لا يوجد لدى غيرهم”.
مجيد لا يرحب شخصياً بالكشف عن سنه الحقيقي “يشعرني هذا بتقدم السن، لا أخجل من سني طبعاً، لكن بالمقابل لا أرغب أن يقال.. إنه عجوز”.
مأثورات
في مسرحية “أجاممنون” لرائد المسرح اليوناني “أسخيليوس”، يثير شقيق أجاممنون غيرة زوجة أخيه بالحديث عن كاسندرا ابنة العشرين، التي يهيم بها حباً، فبعد انتظار دام سنوات طويلة يعود أجاممنون من حرب طروادة مصطحباً كاسندرا التي تتفوق على الجمال نفسه.
إحساس زوجة أجاممنون بتقدمها في السن وبجمالها الذي أوشك على الزوال، يضغط عليه شقيق أجاممنون بقوة، فتمتلئ غيظاً عندما تقارن بكاسندرا الشابة، وعندما تتأكد من ولع أجاممنون بكساندرا تساعد أخاه في قتله بطعنه في صدره، ينهار على إثرها أجاممنون كالجسر على الأرض.