البساطة ميزت تأسيس عش الزوجية قديماً واليوم دخلنا نفق البذخ والمباهاة
شباب البحرين سابقاً اعتادوا الزواج قبل العشرين والفتاة فوق الـ15 عانس
«الخطابة» محل ثقة وكلمتها لا ترد وتحظى بحلاوة «التوفيق بين راسين بالحلال»
رحلة الزواج تبدأ بـ«الخطابة» ثم العمة وأخيراً يضع الأبوان باقي التفاصيل

«الملجة» يعقدها الشيخ بحضور العريس ووالده وشاهدين ووكيل العروس
البحرينيون لم يألفوا المغالاة بالمهور بضع روبيات وتذهب العروس لبيت الزوجية
العادة أن يحمل والد العريس «الطروة» لمنزل العروس والنساء يذهبن بـ«الدزة»


كتب ـ عبدالرحمن صالح الدوسري:
للزواج في البحرين قديماً طقوس، تغيرت اليوم وطواها النسيان، ويبقى الحنين للعادات القديمة في الزواج حبيس النفوس والأفئدة، ولسان الحال يقول “أين زيجات اليوم من قاعدة.. هذي بنتكم خزوها بعبايتها..؟!”.
يقول المثل البحريني “يتزوج اثنان وينوون ألفين”، في إشارة إلى أن الزواج لعروس وعروسة، بينما المحتفلون والقائمون على العرس يعدون بالآلاف.
كانت البساطة تميز تأسيس عش الزوجية والاقتران بشريك العمر في سالف الأيام، قبل أن يدخل المجتمع نفق البذخ والمباهاة بحفلات الزواج وشهر العسل والحلي وما شابه.
رحلة الزواج في المجتمع البحريني سابقاً كانت تبدأ بـ”الخطابة” وهي امرأة طرية اللسان تجيد وصف محاسن الفتاة ومحل ثقة الجميع وكلمتها لا ترد وتحظى بالحلاوة كلما وفقت رأسين بالحلال.
الحنين للماضي الجميل
كانت طقوس الزواج عادة جميلة توارثها البحرينيون جيلاً بعد جيل، واليوم فقدت العادة كثيراً من تفاصيلها، والبحرين ليست وحدها من ابتكر عادات خاصة في حفلات الزواج، فلكل دولة عاداتها وتعتبر بالنسبة لنا أموراً غريبة لم تعتدها مجتمعاتنا الخليجية وحتى العربية.
المحرق واحدة من المناطق الساحلية حالها حال الكثير من مناطق البحرين مثل الحورة ورأس رمان والقضيبية وسترة وتوبلي وأم الحصم وكثر من مناطق المنامة التي كانت تجاور البحر لوقت ليس بالبعيد، على الجانب الآخر تجد نفس عادات الزواج في قرى البحرين أو كما يطلق عليها المجتمع الزراعي البعيد عن البحر، لكنه يحتفظ بنفس العادات، فاحتفالات الزواج عادة معروفة في البحرين والخليج بل العالم أجمع منذ القدم، لكننا نعرض العادات القديمة التي كانت سائدة في المجتمع البحريني لفترة ليست بالبعيدة، وفقدت الكثير من بساطتها وجماليتها بالوقت الحاضر، ودخلت نفق البذخ في تكاليف العرس والخطوبة وليالي الحنة، هذا إذا استثنينا شهر العسل وتقليد الآخرين ودخول الزوج في القروض في ليلة فرحه وتأثيث بيت الزوجية وغيرها من مصاريف وديون لا تنتهي إلا بنهاية العمر.
فوق الـ15 عانساً
اعتاد شباب البحرين قديماً على الزواج بسن مبكرة، وكان العمر الأنسب للشاب للاقتران وتطليق عهد العزوبية مابين 14 و20 عاماً، والفتاة من 9 إلى 15 سنة، وإذا تجاوزت الفتاة هذه السن اعتبرت عانساً.
وكانت العادة أن يختار الشاب شريكة حياته عن طريق “الخطابة”، وهي امرأة بمواصفات خاصة حاضرة البديهة طليقة اللسان تجيد وصف الشريك ومحاسن الطرف الآخر، تجوب كل بيوتات الفريج وتحظى بثقة نساء المنطقة وكلمتها لا ترد “مسمار في لوح”، وغالبية الخطابات كن بالأصل يبعن الزينة للنساء في الفريج كالحنة والديرم وبعض القماش الذي تستخدمه البنات والأمهات في تفصيل الثياب المكورة والدراريع والبخانق، فهي موجودة باستمرار في بيوتات الفريج تتعرف على العوائل التي تجهز بناتها للزواج وتحصل على حلاوة “التوفيق بين راسين بالحلال”.
ويكون الاتفاق على المهر ومصاريف الزواج بعد أن توفق الخطابة بين العائلتين، وكانت هذه الأمور تتم عادة عن طريق العمة أو الخالة حيث تذهب إلى بيت العروس للتعرف على رأي العائلة، وعند الموافقة يذهب والد الزوج والعائلة إلى والد الزوجة للحديث عن تفاصيل الزواج وتحديد يوم الزفاف.
«الملجة» يحددها الشيخ
تبدأ “الملجة” أو عقد القران، بتحديد موعد مع الشيخ أو الملا والشهود، وأخذ الوكالة من العروس، يذهب العريس ووالده وشاهدان مقربين له غالباً، وعن العروس يذهب والدها أو من توكله لإتمام عقد القران من إخوتها أو كبير العائلة في حالة وفاة الوالد، مع اشتراط ما يؤكد موافقة العروس على الزواج، ولا يحق للعروس مشاهدة عريسها أو الاختلاء به، وكثيراً من الزوجات لم يلتقين بأزواجهن إلا في ليلة الزفاف، خاصة إذا كان العريس من غير عيال الفريج ولم تجتمع العروس به في أية مناسبة.
ولإتمام مراسم الزواج كان من عادة الشيخ أن يسأل والد العروس عن قيمة المهر ويسمى قديماً “قص”، وكانت المهور بسيطة والناس تختار العريس وهو لديها أهم من نقوده وكثيراً ما تتردد عبارة “هذي بنتكم خذوها بعبايتها اللي عليها” والفلوس بالنسبة لهم “وسخ الدنيا”، وعادة ما يكون المهر بضع روبيات عند العوائل المتوسطة الحال التي تطلب تزويج بناتهن للستر وخوفاً من العنوسة، وكل ما تزوجت البنت وهي صغيرة أفرح ذلك أهلها “فمصير الفتاة بيت زوجها”.
في اليوم الثاني يذهب والد العريس إلى بيت العروس، ويحمل معه هدية تسمى “طروة” وهي عبارة عن سمك، وفي اليوم نفسه تذهب النساء من أهل الزوج والجيران إلى بيت العروس ومعهن بعض الملابس المزركشة والحلي ولوازم الزينة للعروس، وعادة ما تحمل هذه الأشياء وتسمى “الدزة” في “بقجة” كبيرة تحمل على رؤوس النساء، وتفضل المقربات من العريس حملها، وهي عبارة عن قطعة قماش كبيرة تلف بها زينة العروس شبيهة بـ”بقجة” الخطابة وتحتوي الديرم والبخور والملابس والدراريع والثياب المكورة وثياب النقدة، والأخيرة متعددة الأسماء مثل الطارة والشلالة والجفافة والنشل والدراريع بأشكالها، وتتنقل بين بيوتات الفريج وخلال حمل “الدزة” إلى بيت العروس تغني النسوة يطلقن الزغاريد تعبيراً عن الفرح وموافقة أهل العروس على الزواج.
لو ما دلالك ما غنينا لك
وصبي ونشمي وانتقينا لك
لو ما دلالك ما تعنينا
ولا خطبنا لك لا جينا
الليلة الموعودة
يحدد أهل العروسين يوم الزفاف، وهي غالباً ما تكون ليلة الجمعة لأنها أبرك الليالي ويتفاءل بها الجميع، ويتم التجهيز لليلة الفرح عن طريق عمل “الفرشة” وهي حجرة الزوجين يلتقيان فيها بعد حفلة الزفاف لقضاء أجمل ليلة بالعمر وتكون الحجرة في بيت الزوجة، والفرشة عادة يسهم فيها أهالي الفريج فبعضهم يأتي بالمساند وآخرون بالمناظر “أم طاووس” والبعض يأتي بالفرشة، وهي عادة دأب الجميع في مناطق البحرين على المشاركة فيها وقيل قديماً “يتزوج اثنان وينوون ألفين” تعبيراً عن المشاركة التي لا تقتصر على أهالي العروسين إنما تتعداها لأهل الفريج من غني وفقير والجميع يسعدهم المشاركة في إتمام مراسم الحفل.
مراسم الزفة
يزف أهل الفريج العريس إلى بيت عروسه وعادة ما تكون الزفة بعد صلاة المغرب وقد تطول إذا كان بيت العروس بعيداً، وأثناء الزفة يتوقف العريس وضيوفه عند أقرب مسجد لأداء صلاة العشاء، يواصلوا بعدها السير إلى بيت العروس وسط ترديد الجميع أغنية..
عليك سعيد ومبارك
لا إله إلا الله
يا نجمة الصبياني
عليه بالقبلاني
وعليك سعيد ومبارك
على الجانب الآخر كانت عائلة الزوجة تجهز العروس لعريسها في “ليلة الحنة” وعادة ما تستمر لثلاث ليال يتحنى فيها جميع النسوة والبنات القريبات من العروس عن طريق “الحناية” أو “الخضابة” التي تأتي لتخضيب العروس ونقش الحنة على يديها ورجليها إلى أن يتحول لونه من الأخضر إلى الأحمر وسط ترديد أغانٍ خاصة بهذه المناسبة..
حناك عجين يا بنية
حناك عجين
لين زفوك على المعرس
بالك تستحين
حناك ورق يا بنية حناك ورق
ولين زفوك على المعرس
طبك العرق
وفي القرى تنشد النسوة خلال الحنة..
أمينة في أمانيها
مليحة في معانيها
تجلت وانجلت حقاً
سألت الله يبقيها
ظفاير شعرها حلت
على أكتافها دلت
وأملاك السماء ابهت
ونظروا في معانيها
جبين كالبدر يضوي
وذكره شافي أمراضي
لها رب السماء قاضي
فو الله خاطري فيها
لها حاجب كما لأقياس
وتتمايل كغصن الياس
وما من مثلها في الناس
أبو المختار حظى فيها
لها خد كما التفاح
روايح عطرها قد فاح
«العجافة» وزينة العروس
الزينة كانت تتولاها سابقاً “العجافة” وهي ماشطة العروس وكانت تستخدم مشطاً من الخشب لأنه يسهل مهمة “العجافة” في تسريحها لشعر العروس، وهي أيضاً تغسل شعر العروس بالماء والطين، وتأخذها لإحدى العيون المنتشرة في الفرجان وتغسل شعرها وتدعكه بالحناء والسدر إلى أن ينظف، ثم تبدأ بتمشيطة وعمل الضفاير “العچفات”، كما تضع المشموم والرازقي والياسمين ويدهن فرق الرأس بالزعفران وماء الورد، أما بالنسبة لتجميلها فيستخدمون الكحل للعيون، و”الديرمة” للشفايف، وهو نوع من أعواد الشجر يستخدم في صبغ الشفاه.
وجاء اسم “العجافة” تماشياً مع ما تهتم به هذه المرأة بعجف شعر العروس وتعليق المشموم والرازجي والذهب أيضاً فيه، وكان للذهب والحلي دور بارز في تزيين العروس حتى إن العوائل الفقيرة غير القادرة على شراء الذهب تضطر لاستلافه من جيرانهم الأغنياء لليلة العرس، ومن ثم تتم إعادته.
ومن أنواع الحلي المتداولة “القرط”، وهو عبارة عن حلقة من ذهب، يدخل فيها أحياناً اللؤلؤ أو الماس أو أي نوع من الجواهر والأحجار الكريمة مثل الياقوت، تضعه العروس في أذنها.
“الخزامة” وهي حلقة من ذهب ترصع أحياناً بلؤلؤة تضعها العروس في أنفها، و”القلادة” وهي قطعة ذهبية كبيرة تزين نحر العروس، أو نوع آخر يسمى “المرتعشة”، وهناك “المزنط” وهي عبارة عن قلادة من الذهب أو اللؤلؤ يطوق بها عنق الفتاة، و”السبحة” وهي قلادة ذهبية على طريقة السبحة تتدلى على صدر العروسة، و”المعضد” سوار من الذهب يلبس في اليد، و”الشبكة الخنجرية” وهي تشبه المعضد ولكنها أعرض منه، ويكون لها نقشات متنوعة وجميلة، و”الحجول الذهبية” وهي حلقات ذهبية تلبس في الرجل فيها حلقات رنانة ترن بصوت جميل عند المشي، وأخيراً “الخاتم”.
كشخة العريس
اعتاد أهل البحرين والخليج عامة أن يتكون زي العريس من الثوب والبشت والغترة والعقال والنعال “زبيريه” ومسباح، وأن يتعطر بالعطور العربية ويتطيب بالعود والبخور ما يميزه عن بقية الحضور والمشاركين في حفل الزواج، وتشارك فيه عادة فرق متخصصة بزفة العريس إلى بيت عروسه سيراً على الأقدام، وسط أغاني و”يباب” النسوة، وكان الموكب يستقبل من البيوت التي يمر عليها برمي المشموم والملبس من الحلويات وبعض النقود، ما يجعل الصغار يتصدرون الزفة وعيونهم على البيوت التي ترمي الحلويات والنقود ليبدأ العراك في الحصول على النسبة الأكبر من الغنائم التي قد تعطل الموكب لفترات تطول وتقصر.
في الماضي كان العريس في صباحية العرس يهدي زوجته هدية نقدية، أو ذهباً، ثم يأتون لهما بالفطور، وبالطبع يكون في بيت عمه أبي زوجته، ولكن الفطور والغذاء والعشاء يأتون به من بيت والد العريس لمدة 7 أيام، ويستقبل المهنئين في بيت عمه أيضاً، ويقدم للمهنئين الحلوى والخنفروش والبلاليط والعقيلي والخبيص والعديد من أنواع الحلويات البحرينية التقليدية.
بين البحرين والعالم
في دول العالم هناك العديد من المواقف الطريفة المستخدمة لإتمام حفلات الزواج، وتتلون حسب عادات الشعوب وتصنف في مجتمعاتنا بالغرائب والطرائف.
في الصومال مثلاً يأتي الزوج المحارب ويضرب عروسه أثناء الاحتفال.. كي يجعلها تسلم له قيادها من أول ليلة، وتخضع له وتنفذ كل ما يطلب، وكي تعترف أنه “سي السيد المطاع” في المنزل ولا أحد سواه.
أما في جزيرة غرينلاند يكون احتفال العرس أشبه بأسلوب إنسان الكهف الأول، إذ إن العريس يذهب إلى بيت عروسه ويجرها من شعر رأسها إلى أن يوصلها لمكان العرس.
وفي جزر كوك تذهب العروسة إلى زوجها على بساط من الآدميين، فبحسب تقاليد تلك الجزر، فإن شباب هذه الجزيرة يستلقون على الأرض ووجوههم إلى أسفل، وتدوس العروس على ظهورهم أثناء سيرها حتى تصل إلى المكان الذي يجلس فيه عريسها.
وفي بورما.. تلقى العروسة أرضاً أثناء الاحتفال، ثم يأتي رجل عجوز ويثقب أذنيها، فتتألم وتتوجع وتطلق الصرخات المدوية، ولكن ليس هناك من يسمع، لأن الفرقة الموسيقية تبدأ بالعزف بأصوات صاخبة مع بدء العروسة في الصراخ، وذلك كي لا يسمع أحد صرخاتها.
وفي جزيرة جاوه.. تصبغ العروس أسنانها باللون الأسود، وتغسل أقدام زوجها أثناء حفل الزواج، وهذا يعتبر دليلاً على استعدادها لخدمة زوجها طيلة حياتهما معاً.
وفي قبيلة نيجريتو في المحيط الهادئ.. يذهب الخطيبان إلى عمدة القرية فيمسك العمدة برأسي الزوجين ويضربهما ببعضهما البعض، وبهذا يتم الزواج.
وفي قبيلة “تودا” جنوب الهند تزحف العروس على يديها وركبتيها حتى تصل لعريسها فيضع الأخير قدمه على رأسها كنوع من الدلالة على طاعة العروس لأوامر الزوج مهما كانت قاسية ودون نقاش.
أما في جزيرة “موباسا” بإحدى الدول الأفريقية فإن القانون ينص على أن يطلب كل فتاة للزواج رجلان ويفوز أحدهما بها، بعد أن يكون قد خاض من أجلها مع المنافس قتالاً مميتاً ليفوز بيدها من يستطيع أن يهزم الثاني.
وفي إحدى مناطق جنوب أفريقيا تقوم الفتاة بعمل امتحان قاسٍ وصعب لمن يريد الظفر بها، حيث تصحبه في رحلة إلى الغابة فتشعل النار ليكتوي ظهره بها، فإذا تأوه من الألم ترفضه وتفضحه بين الفتيات وإذا لم يتأوه تقبله للحب وترحب به زوجاً لها. وفي بعض مناطق إندونيسيا تمنع العروس من السير ليلة الزفاف إلى بيت الزوجية حيث يحملها والدها على كتفيه لإيصالها إلى هناك مهما بعدت المسافة، وكان الله في عون الوالد إن كانت العروس من الوزن الثقيل وهو من وزن الريشة، أو كان منزل العريس بعيداً.
وتبقى حفلات الزواج في الماضي من الأشياء الجميلة التي افتقدناها في مجتمعات اليوم، بعد أن تحول الزواج إلى مشكلة تعاني منها الكثير من المجتمعات، لما لها من طلبات وشروط قد تجعل الكثير من العوائل الفقيرة تحسب لزواج أبنائها ألف حساب.