قبل أربعة أعوام كان يشار إليه بالبنان، ويتسابق الناس للتعرف إليه والتقرب منه، إنه أحد التجار الإيرانيين الأثرياء، فثروته بحسب مقربين منه تقدر بمليار درهم إماراتي، لكن حزم العقوبات الدولية على إيران قلبت الأمور رأساً على عقب، وأعادت هذا الثري إلى نقطة الصفر ليصبح حديث المجالس بعشرة آلاف درهم لا غير في حسابه المصرفي.
قصة هذا التاجر الإيراني واحدة من بين عشرات القصص المتشابهة، لـ160 تاجراً إيرانياً أفلسوا تماماً خلال عام 2012، وغادر بعضهم الإمارات إلى وجهات غير معروفة، ومثلهم أو يزيد لقوا المصير ذاته في 2011 بحسب معلومات نشرتها صحيفة الشرق الأوسط، نقلاً عن مصادر مطلعة، والسبب في ذلك يعود إلى العقوبات الدولية على إيران بسبب ملفها النووي المثير للجدل.
ويقول المصدر إن 8 آلاف شركة إيرانية تعمل في الإمارات ستغلق أبوابها إذا استمر الوضع على ما هو عليه عامين إضافيين، ويمكنك القياس على ذلك مع كل عام يضاف إلى عمر الأزمة التي تعصف بإيران، بسبب ملفها النووي وما جلبه من عقوبات دولية، وعملتها الآخذة قيمتها في التلاشي أمام الدولار، وأزماتها السياسية الداخلية التي لا يعرف إلى أين ستفضي، وسط تضييق دولي غير مسبوق على الأموال الإيرانية المتحركة في النظام المالي العالمي، وإحجام مصرفي عن التعامل مع كل ما هو إيراني، وتشكيك من قبل شركات الصرافة في كل حوالة لها علاقة بمرسل أو مستقبل إيراني.
يقول تاجر إيراني يعمل في شحن المواد الغذائية إلى إيران عبر دبي: "نكاد نختنق، أصبحنا منبوذين، نحن ممنوعون من تحويل الأموال، محرومون من فتح الحسابات البنكية، أحد فروع المصارف الأجنبية أخطرني بأنه سيلغي حسابي المصرفي لديه، كما أنني أنتظر منذ أشهر عدة الموافقة على فتح حساب في بنك آخر ولا جديد في الموضوع".
وعن بنك ملي إيران وبنك صادرات إيران اللذين يملكان فروعاً في الإمارات يقول التاجر "إنهما تماما كمن يودع أمواله في حصالة، فلا يمكنك استخدامهما للتحويل أو أي شيء ضمن النظام المالي".
ويضيق الخناق شيئاً فشيئاً على التجار والمقيمين الإيرانيين في الإمارات مع توقف جميع شركات الصرافة تقريباً عن التعامل مع الريال الإيراني، سواء أكان هذا التعامل بيعاً أم شراء أم تحويلاً، لدرجة أن معظم هذه الشركات ألغت رمز العملة الإيرانية من على أنظمة الصرافة لديها، ليس هذا فحسب، فقد أكدت مصادر في شركات الصرافة أن الإيرانيين لا يستطيعون تحويل الأموال ليس إلى إيران فقط ولكن إلى كل أنحاء العالم.
وبحسب مجلس الأعمال الإيراني في دبي تعمل 8 آلاف شركة إيرانية في الإمارات بشكل رئيسي في قطاع المواد الغذائية والمواد الخام والحديد والفولاذ والإلكترونيات والإطارات والمعدات المنزلية، وغيرها من المواد، إضافة إلى نشاط الإيرانيين في تجارة إعادة التصدير عبر دبي والتي بدأت تخضع لرقابة شديدة.
وتشير الأرقام غير الرسمية إلى أن عدد الإيرانيين المقيمين في الإمارات وصل إلى 400 ألف إيراني بينهم نسبة كبيرة من التجار ورجال الأعمال، جميعهم لا يستطيعون تحويل الأموال إلا ضمن حدود ضيقة أو بطرق خارج النظام المصرفي الإماراتي وهذا جزء من العقوبات الدولية على بلادهم.
ويقول تاجر إيراني أثناء تواجده في إحدى شركات الصرافة توقف جانبا لأكثر من نصف ساعة بانتظار معاملات يجريها الموظف بهدف تحويل 300 ألف درهم إماراتي إلى أستراليا، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل، فيما اكتفى التاجر الإيراني بالقول: "تحويل مبلغ مالي رحلة معاناة بحد ذاتها، فجميع شركات الصرافة والبنوك العالمية والمحلية ترفض إتمام معاملاتي المالية عند معرفة جنسيتي".
وتعلل شركات الصرافة ذلك بأن العقوبات الدولية على إيران تجعل من غير القانوني إتمام أي عملية تحويل للإيرانيين إلا أن الإيرانيين ربما وجدوا بدائل من خلال عمليات ما بات يعرف بالتحويل بالباطن خارج النظام المصرفي المحلي أو الاعتماد على خدمة (ويسترن يونيون) للحوالات الصغيرة.
وقطعت الإمارات علاقاتها مع 17 بنكاً إيرانياً تماشياً مع العقوبات الدولية، على اعتبار أن هذه البنوك تصنف على أنها ضمن القائمة السوداء في الولايات المتحدة، منها بنك صادرات إيران وبنك ملي إيران اللذين يملكان فروعاً لهما في دولة الإمارات.
ويشتكي تاجر إيراني بقوله "أسير تجارتي من دبي منذ ثلاثين عاما، لكنني اليوم أحتاج إلى أشهر لمجرد فتح حساب مصرفي في أحد البنوك الإماراتية، ليس هذا فحسب، فالتأمين أيضا أصبح عقبة كبيرة، حيث إن كثيراً من شركات التأمين تعزف عن توفير تغطية تأمينية للبضائع المتجهة من الإمارات إلى إيران وكل ذلك خوفا من مفاجآت الريال".
ويضيف التاجر الذي يفضل عدم ذكر اسمه كغيره من التجار الإيرانيين ممن يقبلون أن يخوضوا في هذه القضية المصيرية بالنسبة لهم: "أستطيع أن أقول لك إني لم أفلس حتى الآن لكنني فقدت 70% من قيمة تجارتي، وشبح الإفلاس يحوم من حولي".