وردت الإشارة إلى فضل الأيام العشرة من شهر ذي الحجة في بعض آيات القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ). حيث أورد ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية قوله “عن ابن عباس رضي الله عنهما: الأيام المعلومات أيام العشر”. كما أقسم الله عز وجل في كتابه الكريم لشرفها وعظمها فقال تعالى (والفجر وليال عشر)، وقال ابن كثير في التفسير “المُراد بها عشر ذي الحجة”، وقال تعالى ايضا (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات)، قال ابن عباس “أيام العشر” وهى جملة الأربعين التي واعدها الله عز وجل لموسى عليه السلام “وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر”.
وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام “يعني العشر”، قالوا: “يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟” قال صلى الله عليه وسلم: “ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء”.
وذكر الحافظ بن حجر ان السبب في امتياز العشر من ذي الحجة انها أيام مباركات تُعد مناسبةً سنويةً مُتكررة تجتمع فيها أُمهات العبادات وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيرها. كما يشترك في خيرها وفضلها الحُجاج إلى بيت الله الحرام، والمُقيمون في أوطانهم لأن فضلها غير مرتبطٍ بمكانٍ مُعينٍ إلا للحاج.
كما ان فيها يوم عرفة الذي أقسم الله عز وجل به في كتابه فقال “والشفع والوتر” فهو الشفع وهو الشاهد لقوله صلى الله عليه وسلم “الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم الجمعة”، وهو أفضل الأيام ففي الحديث “أفضل الأيام يوم عرفة”، وهو يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها والعتق من النار والمُباهاة بأهل الموقف، ففي الحديث “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وأنه ليدنو ثم يباهى ملائكته فيقول ما أراد هؤلاء”.
ومن فضائل الايام العشرة من ذي الحجة ان فيها يوم التروية وهو اليوم الثامن من الشهر الكريم الذي تبدأ فيه أعمال الحج. اضافة الى يوم عرفة، وليلة المُزدلفة التي يبيت فيها الحُجاج ليلة العاشر من شهر ذي الحجة بعد تحركهم من عرفة. كما أن فيها فريضة الحج الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام .
وفيها يوم النحر وهو يوم العاشر من ذي الحجة ، الذي يُعد أعظم أيام الدُنيا.
كيف يستقبل المسلم الأيام المباركة؟
ينصح العلماء المسلمين باستقبال تلك الايام بالتوبة الصادقة النصوح وبالإقلاع عن الذنوب والمعاصي، فإن الذنوب هي التي تحرم الإنسان فضل ربه وتحجب قلبه عن مولاه، وكذلك تُستقبل مواسم الخيرات بالعزم الصادق الجادّ على اغتنامها بما يُرضي الله، فمن صدق الله صدقه الله، ونية المؤمن خير من عمله.
ومن اهم الاعمال التي يُستحب للمسلم أن يفعلها في هذه الأيام ليكون من الفائزين، الصلاة حيث يجب المحافظة عليها في جماعة، والتبكير إليها والإكثار من النوافل وقيام الليل، فإن ذلك من أفضل القربات، إضافة إلى الصيام لدخوله في الأعمال الصالحة، ففي المسند والسنن عن حفصة أم المؤمنين أن النبي (ص) “كان لا يدع صيام عاشوراء والعشر و3 أيام من كل شهر”. وفي سنن أبي داود عن بعض أزواج النبي (ص) “كان لا يدع صيام تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء و3 أيام من كل شهر”، وكان عبد الله بن عمر يصومها، وقال الإمام النووي عن صوم أيام العشر أنه مستحب استحباباً شديداً.
ومن الاعمال المستحبة ايضا قيام الليل، والتوبة، والاستغفار، والإكثار من الذكر بالتكبير والتهليل والتحميد، ففي مسند الإمام أحمد أن النبي (ص) قال “ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد”.
كما يوصي العلماء جموع المسلمين باستغلال يوم التاسع من ذي الحجة او يوم عرفة من اجل الفوز بالعتق من النار وغفران الذنوب، وذلك من خلال صيام ذلك اليوم، ففي الحديث “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله والتي بعده”، فضلاً عن حفظ الجوارح عن المحرمات مطلقاً في هذا اليوم ففي الحديث “يوم عرفة، هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غُفر له”.
ويوصي العلماء بالاكثار من شهادة التوحيد بصدق وإخلاص، ففي الحديث “كان أكثر دعاء النبي يوم عرفة (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير)”، وفي رواية الترمذي “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)”.
ولابد من الاكثار من الدعاء بالمغفرة والعتق من النار، فإنه يُرجى إجابة الدعاء فيه، وكان من دعاء الامام علي بن أبى طالب كرم الله وجهه (اللهم اعتق رقبتي من النار وأوسع لي من الرزق الحلال وأصرف عني فسقة الإنس والجان) وليحذر من الذنوب التي تمنع المغفرة والعتق من النار كالكبر والإصرار على المعاصي.
وفيما يتعلق باليوم العاشر من ذي الحجة او يوم النحر وهو اول ايام عيد الاضحى المبارك، فان كثيرا من
المسلمين يغفلون فضل هذا اليوم الذي عدّه بعض العلماء بأنه أفضل أيام السنة على الإطلاق حتى من يوم عرفة.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ذلك “خير الأيام عند الله يوم النحر وهو يوم الحج الأكبر” كما في سنن أبى داود “أن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر” ويوم القر هو اليوم الحادي عشر للاستقرار في منى.
ومن أهم عبادات هذا اليوم، الالتزام بالآداب الإسلامية والسنن الواردة في ذلك ومنها، الغسل والتطيب ولبس أجمل الثياب بدون إسراف ولا إسبال، وتأخير طعام الإفطار حتى الرجوع من المصلّى ليأكل من أضحيته أو غيرها، أن يذهب إلى صلاة العيد في المصلّى خارج المسجد ماشياً ومعه أهل بيته “حتى النساء الحُيّض” والأطفال، ويذهب من طريق ويرجع من طريق آخر ويستمع إلى الخطبة والذي رجحه المحققون من أهل العلم أن صلاة العيد واجبة لقوله تعالى “فصلّ لربك وانحر”. وينصح بالحرص على أعمال البر والخير من صلة الرحم وزيارة الأقارب والجيران والعطف على المساكين والفقراء والأيتام ومساعدتهم وإدخال السرور عليهم ويهنّئ إخوانه المسلمين بقوله (تقبل الله منا ومنك).
كما يفضل الإكثار من التكبير الذي يبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق وهو الثالث عشر من شهر ذي الحجة لقوله تعالى (واذكروا الله في أيام معدودات)، وصفته أن تقول (الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد) ويُسن جهر الرجال به في المساجد عقب الفريضة أو النافلة وفي البيوت والأسواق.
ويوصي بذبح الأضحية لأنها من العبادات المشروعة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى في يوم النحر أو خلال أيام التشريق، عندما يذبح القُربان من الغنم أو البقر أو الإبل، ثم يأكل من أُضحيته ويُهدي ويتصدق، وفي ذلك كثيرٌ من معاني البذل والتضحية والفداء، والاقتداء بهدي النبوة المُبارك.