نعيمة رجب

تقدّست المعرفة حين تلاقى نورها مع نور الأديان. فكانت فاتحة جبريل لمحمد ب(اقرأ)، وكان انتصار إبراهيم على النمرود بمقارعة فكرية، وكان تسلّم عرش بلقيس لسليمان بواسطة من عنده علمٌ من الكتاب. لنرى عبر ذلك وغيره أن الفكر والعلم والقراءة لطالما كانت عمودًا للأديان وخلاصاً لإنسانها التائه في جهله وظلمه. وهكذا أراد الله سبحانه أن يجعل من العلم والمعرفة طوق نجاة للبشر – كل البشر دون تمييز- على مدار الأزمان باختلاف الظروف والأحوال.
ومن هنا، وفي اليوم العالمي للفتيات، ننطلق من هذا المعين الثرّ (المعرفة والتعليم)، نطالب به حصانةً وازدهارًا لكل فتاة على وجه الأرض. فالتعليم هو الحق الذي إن حصلت عليه الفتيات ضمِن لها بصورة تلقائية كافة حقوقها الأخرى. فالتعليم الذي نادت به الأديان حصانةً لكل إنسان في تفكيره وحياته وكمالاً لوجوده وتطوره، لابد أن يكون هو الخلاص للفتيات من كل ما يحيط بهن من ظلم وإجحاف وعنف وامتهان... إلخ.
فالتعليم يعزز فرص الحياة بدون فقر وينحو بالفتيات بعيدًا عن الوقوع في براثن الزواج المبكر، مع ما يستتبع هذا من مضار ومساوئ في حياتهن وصحتهن ومستقبلهن. وكذلك وهو الأهم فهو يعتبر الحامي من أن تقع الفتيات ضحيةً للتعصب والتطرف الديني والذي يتقوّت بشكل أساسي على الجهل وانعدام الاتطلاع نقيضي العلم والمعرفة.
وهنا التعليم والمعرفة الذي نقصده ونطالب به كحق أصيل للفتيات هو أوسع وأكبر من هذا الذي تتلقاه الفتيات على مقاعد الدراسة. فهو إضافةً إلى فهمه المتعارف، فإنه كذلك عملية ذات أبعاد مختلفة تشمل جلّ حياة الفتيات، كعلمهن ومعرفتهن بحقوقهن التي كفلها جوهر الدين بقيمه وتعاليمه السمحاء التي تشكل حماية لهن من أن يكنّ تحت رحمة مفسريه وإن تطرفوا أو تعصبوا. وعلمهن بأنفسهن وقدراتهن والتي تجنبهن أن ينخدعن بصورة مزيفة عن ذواتهن تبخسها حقها، وكذلك علمهن بشكلٍ عام بحقوقهن الإنسانية من غير أن يمر ذلك العلم عبر مرشحات الأهواء والمغالطات. وأيضاً علمهن بما يدور حولهن من أحداث ومتغيرات محلية وعالمية ....الخ.
إن حق التعليم والمعرفة بهذه الأبعاد، هو التزام أخلاقي وفريضة مجتمعية تتقاسمها كل مكونات المجتمع ومؤسساته بقدر ما هو فريضة ومهمة فردية وأسرية. وذلك لكي لا يتلاعب بهذا الحق ويصبح قيد تكبيل بدل أن يكون جناحي للفتيات نحو مستقبل مزدهر وخالٍ من الإجحاف.
وأخيرًا نستذكر، وفي اليوم العالمي للفتيات الناشطة الباكستانية الصغيرة مالال يوسفزاي 14 عاماً، التي ترقد في المستشفى في حال حرجة بين الموت والحياة، بسبب إصابتها قبل عدة أيام ببضع رصاصات في الرأس والعنق من قبل جماعات متطرفة في الوقت الذي كان فيه العالم يحتفل بهذه المناسبة، وذلك بسبب قيادتها لحملة للمطالبة بحق التعليم للفتيات في وادي سوات، هذا الذي كانت تمنعه تلك الجماعات المتشددة. وقد عملت ونشطت مالال ضد ذلك، ووجدت دعوتها تلك صدى لدى الآلاف من الفتيات، مما ضرب التطرف والتعصب في مقتل لكون التعليم هو دوماً نقيض التشدد والتطرف.
التعليم والمعرفة هما مستقبل وازدهار كل فتاة على وجه الأرض، فلنعمل جميعاً من أجل الحصول على هذا الحق..