كتب - هشام الشيخ:
انطلق حجاج بيت الله الحرام من مشعر مزدلفة بدءاً من منتصف ليل أمس وحتى صباح يوم النحر متجهين إلى منى لرمي الجمرة الكبرى ومن ثم أداء طواف الإفاضة وهو أحد أركان فريضة الحج، بعد أن قضوا ليلة أمس في مزدلفة تأسياً بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال الأمين العام لبعثة مملكة البحرين للحج عبدالناصر عبدالله إن: «بعض الحجاج البحرينيين فضلوا الانطلاق من مزدلفة بعد انقضاء منتصف ليلة أمس، فيما غادر الباقون صباح اليوم، مؤكداً استمرار عمل الفرق الميدانية التابعة للبعثة لإرشاد الحجاج خلال تحركهم بين المشاعر».
وكان الحجاج البحرينيون، قد أتموا شعيرة الوقوف بعرفة مساء أمس وصلَّوا بها الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ثم تحركوا مع بدء النفرة من عرفة إلى مزدلفة مع حلول المغرب في حدود الساعة السادسة إلا ربع ليصلوا فيها المغرب والعشاء جمع تأخير، وفق جدول زمني أعدته بعثة مملكة البحرين للحج بحيث اكتمل وصول آخر أفواج الحجيج مع حلول الساعة العاشرة من مساء أمس مستقلين قطار المشاعر.
ووصف أجواء الحجيج في عرفة بأنها كانت إيمانية واستثنائية واتسمت بالهدوء، وانصرف الحجاج إلى الدعاء أو قراءة القرآن أو الصلاة والذكر، ولوحظ تراجع زيارة الحجاج بعضهم بعضاً في مخيماتهم خصوصاً في اللحظات الأخيرة من نهار عرفة بغية اغتنام الدقائق الأخيرة من ذلك اليوم الذي لا يتكرر في العام إلا مرة واحدة.
وأكد الأمين العام للبعثة أن «عملية التفويج من وإلى عرفة ومزدلفة، تمت بنجاح دون وجود تدافع أو مشاكل كبيرة، خصوصاً عند استخدام القطار، مضيفاً أن سلبيات العام الماضي في هذا الخصوص تم تلافيها، إضافة إلى ذلك تم أخذ الاحتياطات بإنشاء عيادة مصغرة بالقرب من محطة قطار مزدلفة لتقديم الخدمة للحجاج في حال الحاجة لها».
وأشار إلى أن «رئيس البعثة ومسؤوليها، أجروا جولات ميدانية، شملت جميع الحملات البحرينية، موضحاً أن أوضاع جميع الحملات مستقرة وليس لديها مشاكل أو شكاوى تتعلق بالمساحات أو بوجود حالات مرضية».
وأكد استمرار عمل لجان التقييم لرصد أية شكاوى أو ملاحظات على عمل الحملات والخدمات التي تقدمها لضيوف الرحمن، مضيفاً «نحرص على القيام بواجبنا في البعثة على أكمل وجه، وسنظل إلى جانب الحجاج يداً بيد إلى أن يتموا مناسك الحج والبعثة بكامل طاقتها في المقدمة وتبذل كل طاقتها لتذليل أية صعاب أو عقبات». وخلال الأيام الثلاثة المقبلة، يبيت الحجاج في منى لأداء شعيرة رمي الجمرات، ويمكن للحاج أن يتعجل في يومين ويغادر أو يتأخر يوماً إضافياً ليتم جميع أيام التشريق في الأراضي المقدسة، على أن تبدأ أولى حملات الحج مغادرة الأراضي المقدسة مساء بعد غد الأحد.
صعيد عرفات الطاهر
من جانب آخر استقرت جموع حجاج بيت الله الحرام على صعيد عرفات الطاهر بعد توجههم إليه أمس ليؤدوا الركن الأعظم من مناسك الحج ويشهدون الوقفة الكبرى في مشهد إيماني مفعم بالخشوع والسكينة ملبين متضرعين، داعين الله عز وجل أن يمنّ عليهم بالعفو والمغفرة والرحمة والعتق من النار.
وشهدت الحركة المرورية لانتقال ضيوف الرحمن من منى إلى عرفات انسيابية ومرونة، وتميزت عملية التصعيد من منى إلى عرفات باليُسر رغم الكثافة الكبيرة في أعداد السيارات والمشاة.
وأقيمت صلاة الظهر والعصر قصراً وجمع تقديم في صعيد عرفات، وقبلها استمعوا لخطبة يوم عرفة من مسجد نمرة التي ألقاها مفتي السعودية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ.
كسوة الكعبة بـ 20 مليون ريال
وتم صباح أمس تبديل كسوة الكعبة بكسوة جديدة على يد 30 عاملاً من مصنع كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة. ويعود هذا التقليد إلى عصر ما قبل الإسلام، حيث عُدت من مظاهر التبجيل والتشريف لبيت الله الحرام.
وتبلغ كلفة صناعة كسوة الكعبة المشرفة أكثر من 20 مليون ريال سنوياً، شاملة المواد المستهلكة وأجور العاملين، إذ تستهلك نحو 700 كيلوغرام من الحرير الخام الذي تتم صباغته داخل المصنع باللون الأسود و120 كيلوغراماً من أسلاك الفضة والذهب، ومبطنة من الداخل بقماش من القطن الأبيض المتين.
واستخدام سلم كهربائي يثبت على قطع الكسوة القديمة من على واجهاتها الأربع لاستبدال الكسوة، ثم تثبت القطع في 47 عروة معدنية موجودة في كل جانب، ومثبتة في السطح، ليتم على إثرها فك حبال الكسوة القديمة وتقع مكانها الكسوة الجديدة.
وتولى الفنيون في مصنع الكسوة وزن قطع الكسوة، إضافة إلى تثبيت قطع الحزام فوق الكسوة في أربع قطع ومجموعها 16 قطعة، بما يوازي نحو 47 متراً وست قطع تحت الحزام، وتثبيت أربع قطع صمدية كتب عليها (قل هو الله أحد الله الصمد) على الأركان، و12 قطعة على شكل قناديل مكتوب عليها آيات قرآنية توضع بين جهات الأربع، وقطعة أخرى يتم تركيبها في ستارة باب المشرفة، إضافة إلى أربع قطع أعلى ركن الحجر الأسود، فيما يبلغ وزن الثوب كاملاً ما يقارب الطن.
وكسوة الكعبة مطرزة من قماش الحرير الطبيعي الأسود السادة، وحروفها مغطاة بأسلاك الفضة والذهب، وتتكون من 16 قطعة في كل جهة من جهاتها الأربع 4 قطع، موصلة مع بعضها بعضاً، ويبلغ طول محيط الكعبة 47 متراً تقريباً وهو طول حزام الكعبة، وعلى قطع الحزام آيات قرآنية بالخط الثلث المركب الجميل، مطرزة حروفها بأسلاك الفضة المطلية بالذهب.
200 مليار ريال لتوسعة المسجد الحرام
إلى ذلك أنفقت السعودية ما يزيد على 200 مليار ريال على مشروعات توسعة المسجد الحرام وتيسير حركة المرور في العاصمة المقدسة مكة، والإنفاق على البنية الأساسية في مكة التي يحج إليها زهاء ثلاثة ملايين حاج سنوياً لا يتوقف.
وتهدف التوسعة الجديدة للمسجد الحرام إلى مضاعفة قدرته الاستيعابية للحجاج خلال موسم الحج.
189 جنسية
إلى ذلك أعلن الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية «نجاح واكتمال تصعيد ضيوف الرحمن ليوم التروية بمشعر منى وسط منظومة من الخدمات المقدمة من الجهات الحكومية المشاركة في أعمال الحج».
وقال خلال مؤتمر صحافي إن «عدد الحجاج القادمين من خارج المملكة بلغ مليون و752 ألفاً يمثلون 189 جنسية من مختلف دول العالم». واعتذر الفيصل عن تقديم إحصاءات عن حجاج الداخل قائلاً «لا أستطيع أن أخبركم عن عددهم لأنه وللأسف هناك الكثير ممن يدخلون المشاعر دون تصريح أو إذن».
وينتشر أكثر من مائة ألف من قوى الأمن والدفاع المدني لضمان أمن وسلامة الحجاج.
وتوقعت الرئاسة العامة للأرصاد أن «تكون السماء غائمة جزئياً على منطقة مكة المكرمة ولا يستبعد تكون السحب الركامية على الأجزاء الشرقية والمرتفعات.
إلى ذلك، أوضح خالد مرغلاني المتحدث باسم وزارة الصحة أن «الوزارة قدمت الخدمة الطبية منذ بداية الحج حتى الأربعاء لحوالي 153 ألف حاج من خلال الخدمات الإسعافية أو مراجعة العيادات». من جهة أخرى، قال فهد أبو طربوش مدير عام مشروع قطار المشاعر لفرانس برس إن «القطار يعمل هذا العام بطاقته الكاملة 17 قطاراً ذهاباً وإياباً». مبيناً أن «القطار بدا منذ التاسعة من مساء الأربعاء خطة تصعيد الحجاج إلى عرفات (...) دون توقف في مزدلفة ويستمر حتى العاشرة من صباح الخميس».
وأضاف «القطار سيتوقف في الثالثة والنصف بعد الظهر ليتم تهيئته لنفرة الحجيج من عرفات إلى مزدلفة التي تبدأ حوالي السادسة عصراً (...) سينقل الحجيج من محطات عرفات باتجاه مزدلفة وتستمر العملية حتى منتصف الليل ننقل خلالها 540 ألف حاج».
ولفت أبو طربوش إلى أن «قطار المشاعر سيخدم الساكنين بجوار محطاته هذا العام وهم حجاج الداخل مقيمين وسعوديين ودول الخليج وجزء من حجاج تركيا وعدد كبير من حجاج جنوب آسيا».
وتوقع أن «ينقل القطار أكثر من مليون ونصف حاج خلال أيام التشريق حيث سيكون مفتوحاً لجميع الحجاج لرمي الجمرات».
شبكة قطارات بـ 16 مليار دولار
من جهة أخرى تعتزم الحكومة السعودية طرح أكبر مشاريع النقل التطويرية في مكة المكرمة أمام الشركات المنافسة مطلع العام 2013 لإنشاء شبكة قطارات تحت الأرض وفوقها بكلفة 62 مليار ريال (16,5 مليار دولار). وقال أسامة البار أمين العاصمة المقدسة لوكالة فرانس برس إن «المشروع أقر في رمضان الفائت، والدراسات الفنية منتهية» مشيراً إلى أن «مترو مكة عبارة عن شبكة من أربعة خطوط مترو، جزء منها تحت الأرض وآخر فوق الأرض».
وأضاف أن «الشبكة المتوقعة ستكون قطارات أنفاق تحت الأرض في المنطقة المركزية، وقطارات أخرى معلقة خارج» هذه المنطقة.
وتابع أن «الطول الإجمالي للشبكة سيكون 182 كلم، المرحلة الأولى التي ستنفذ بحدود 122 كلم وسيستغرق المشروع عشر سنوات». وتوقع البار أن «يطرح المشروع أمام الشركات العالمية المتنافسة في يناير 2013».
ولفت إلى أن «الخطين (ب) و (ج) يشكلان المرحلة الأولى التي ستنفذ خلال ثلاث سنوات بكلفة 25 مليار ريال (6,6 مليار دولار) ثم تتوالى الخطوط الباقية» موضحاً أن «المشروع سيخدم مكة المكرمة طوال العام، خصوصاً الطلاب والساكنين، فضلاً عن المعتمرين والحجاج». وكانت الحكومة أقرت توسعة جديدة للمسجد الحرام بمساحة 400 ألف متر مربع بطاقة استيعابية أكثر من مليون ومائتي ألف مصل تقريباً وتقدر القيمة المالية للعقارات المنزوعة لصالح المشروع بأكثر من 40 مليار ريال (10,7 دولار مليار). وشدد البار على أن «تقييم العطاءات التي ستقدمها الشركات العالمية سيتم وفق معايير محددة من قبل استشاري إدارة المشروع والمكتب التنفيذي لمترو مكة». وتشهد مكة نمواً متسارعاً في عدد السكان، حيث يتوقع أن يتضاعف ليصل إلى نحو 3 ملايين نسمة خلال 20 عاماً. وتواجه عملية النمو العمراني عوائق طبيعية في المدينة، نظراً لصعوبة تضاريسها الجغرافية، إذ تحيط بها الجبال المرتفعة من كل جانب، ما يحصر الحركة المرورية في محاور رئيسة محدودة.
وهذا الأمر يجعل مشروع النقل العام بالقطارات، والحافلات المكملة لها، أحد الحلول الاستراتيجية لمواجهة تحديات النمو وسد العجز الذي يعتري منظومة النقل العام في المدينة التي يتطلع إليها المسلمون في العالم. وكشف البار أن «الخط (ب) الذي يصل قطار المشاعر بالمسجد الحرام شمالاً بدءاً من السليمانية، ثم يتجه غرباً إلى محطة قطار الحرمين التي ينتهي إليها طريق قطار الحرمين الواصل من المدينة المنورة، مروراً بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ، ثم مطار الملك عبد العزيز، ثم محطة جدة، وينتهي في مكة المكرمة، يقع عند مدخل المنطقة التي كانت تعرف بحي الزهارين».
أما الخط (ج) فإنه «يبدأ من جامعة أم القرى في العابدية، ويسير بموازاة قطار المشاعر على منطقة العوالي، ثم يمر بمنطقة العزيزية، بعدها ينحرف جنوباً إلى جنوب المسجد الحرام خلف وقف الملك عبدالعزيز». وتابع «ثم يتجه الخط شمالاً إلى مسجد السيدة عائشة في التنعيم، وهذا الخط من الخطوط المهمة لأنه يربط عدداً من المناطق ذات الكثافة والحركة البشرية».
وأكد أن «هذين الخطين سيؤديان إلى توزيع الكثافة القادمة إلى الحرم المكي جنوباً وشمالاً» مشيراً إلى أن «التوسعة الشمالية الجديدة في الحرم كانت من أجل استيعاب الحجاج القادمين من جهة الجمرات».
وكانت السعودية أنهت قبل عامين مترو المشاعر للربط بين مكة المكرمة ومنى وعرفة ومزدلفة، ويمتد على مسافة 20 كلم، ناقلاً 72 ألفاً في الساعة من حجاج الداخل والخليج وحوالي 300 ألف من دول جنوب آسيا.
يذكر أن السعودية وقعت منتصف يناير الماضي عقد المرحلة الثانية من قطار الحرمين البالغة كلفته حوالي 8,22 مليار دولار بعد أن رسا تنفيذه على ائتلاف الشعلة الذي يضم شركات إسبانية وسعودية. ويتضمن المشروع تشييد خط سريع للسكك الحديد بين جدة والمدينة ومكة ورابغ بطول 450 كلم.
ويساعد خط القطار السريع في نقل الحجاج بين المدن الثلاث في موسم الحج الذي تستقبل خلاله السعودية نحو مليوني مسلم من كافة أنحاء العالم.
كما وقعت ثلاثة عقود لتطوير شبكة السكة الحديد وخصوصاً بين الرياض في الوسط ومناطق الشمال والشرق بقيمة 625 مليون دولار. وتتنافس أربعة ائتلافات تضم 33 شركة من 15 دولة وخصوصاً فرنسا وإيطاليا وسويسرا وكندا وألمانيا والسعودية للفوز بمشروع قطار الرياض مع شبكة طولها 175 كلم وحافلات عدة مما سيخفف من الازدحام الخانق في العاصمة.
ولا يتجاوز طول خطوط السكك الحديد العاملة حالياً في المملكة 1378 كلم بينها 449 كلم مخصصة للركاب، و556 كلم للشحن. كما إن هناك 373 كلم تربط بين مواقع صناعية وزراعية وعسكرية ومرافئ تصدير.
لكن لدى هيئة السكك الحديد الكثير من المشاريع المستقبلية التي تمتد لآلاف الكيلومترات لتغطية المملكة من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.