أيام التشريق، هي الأيام الثلاثة بعد يوم النحر، وهي أيام الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من شهر ذي الحجة، وعيد الأضحى هو يوم العاشر من ذي الحجة وهو يوم النحر ثم تأتي هذه الأيام الثلاثة، وهي أيام أكل وشرب. وبغروب شمس اليوم الثالث عشر ينتهي عيد الأضحى والحج وذبح الأضحية. وسميت بأيام التشريق لأن الناس كانوا يشرّقون فيها اللحم.
يقول ابن منظور في لسان العرب: “التشريق مصدر شرَّق اللحم أي قددَّه. ومنهُ أيام التشريق وهي ثلاثة أيامٍ بعد يوم النحر لأن لحوم الأضاحِي تُشرَّق أي تُشرَّر في الشّمس. ويقال سُمِّيَت بذلك لقولهم أَشرِق يا ثبير “وهو جبلٌ” كيما نندفع في السير. وقال ابن الأعرابيّ “سُمِّيَت بذلك لأن الهَدْي لا يُذْبح حتى تشرق الشّمس”.
ومن ابرز العبادات والاعمال في ايام التشريق، المبيت في منى، ورمي الجمرات الثلاث بعد الزوال، ويجوز التعجل في اليوم الثاني عشر، فينفر الحجيج من منى إلى مكة قبل الغروب ثم يطوفون طواف الوداع.
فضل أيام التشريق
أيام التشريق أيام ذكر الله تعالى وشكره وإن كان الحق أن يذكر الله ويشكر في كل وقت وحين، لكن يتأكد في هذه الأيام المباركة. روى نبيشة الهذلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله”، وفي رواية أخرى “من كان صائماً فليفطر فإنها أيام أكل وشرب”. وهي الأيام المعدودات التي قال الله عز وجل فيها (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ)، وجاء في حديث عبد الله بن قرط أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر”. ولما كانت الأيام هي آخر أيام موسم فاضل، فالحجاج فيها يكملون حجهم، وغير الحجاج يختمونها بالتقرب إلى الله بالأضاحي بعد عمل صالح في أيام العشر، ويستحب أن يختم هذا الموسم بذكر الله للحجاج وغيرهم. وعقب الحج أمر بذلك فقال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرا).
ويتأكد في هذه الأيام المباركة التكبير المقيد بأدبار الصلوات المكتوبات، والتكبير المطلق في كل وقت إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر للحجاج وغيرهم. وقد كان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً. وكانت ميمونة رضي الله عنها تكبر يوم النحر وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عفان وعمر بن عبدالعزيز ليالي التشريق مع الرجال في المساجد بل بلغ من أهمية التكبير المقيد بأدبار الصلوات أن العلماء قالوا: يقضيه إذا نسيه، فإذا نسي أن يكبر عقب الصلاة فإنه يكبر إذا ذكر ولو أحدث أو خرج من المسجد ما لم يطل الفصل بين الصلاة والتكبير. وهكذا التكبير المطلق مشروع أيضاً في السوق وفي البيت وفي المسجد وفي الطريق تعظيماً لله تعالى وإجلالاً له، وإظهاراً لشعائره.
وقال الحافظ بن رجب: وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل” في إشارة إلى أن الأكل في أيام الأعياد والشرب إنما يستعان به على ذكر الله وطاعته، وذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات، وقد أمر الله في كتابه بالأكل من الطيبات والشكر له، فمن استعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله وبدلها كفراً وهو جدير أن يسلبها كما قيل:
إذا كنت في نعمة فارعها
فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليه بشكر الإله
فشكر الإله يزيل النقم
وخصوصاً نعمة الأكل من لحوم بهيمة الأنعام، كما في أيام التشريق، فإن هذه البهائم مطيعة لله لا تعصيه، وهي مسبحة لله قانتة كما قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ).