احتفل العالم نهاية الأسبوع الماضي بمناسبة دولية مهمة تمثلت في يوم الأمم المتحدة، وهي المناسبة الدولية التي توافقت عليها الدول الأعضاء في المنظمة الدولية للاحتفال بهذه المنظمة الأكبر على مستوى العالم، والتي تأسست في العام 1945.
تأسيس الأمم المتحدة جاء بعد تجربة لم تتكلل بالنجاح، وهي تجربة عصبة الأمم التي أنشئت بعد الحرب العالمية الأولى. ولكن الظروف الدولية التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939-1945) أثبتت عدم جدوى عصبة الأمم، الأمر الذي دفع دول العالم إلى التفكير جدياً في تجربة جديدة تختلف كلياً عن التجربة الأولى غير الناجحة، وهو ما أدى إلى توافق دول العالم المشاركة في مؤتمر سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية إلى إنشاء هيئة الأمم المتحدة لتكون المنظمة الرئيسة في العالم لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.
عندما تأسست الأمم المتحدة في العام 1945 كان الهاجس الأساسي للدول المشاركة في التأسيس -وعددها محدود مقارنة بعدد الدول الأعضاء اليوم- هو كيفية زيادة التعاون الدولي لمنع اندلاع حرب عالمية جديدة من خلال مجموعة من الآليات والأدوات الدولية التي تعزز الأمن والسلام الدولي.
ولكن بمرور الوقت أثبتت هيئة الأمم المتحدة قدرتها على منع اندلاع حرب عالمية جديدة، الأمر الذي فتح المجال أمام آفاق واسعة لتعزيز التعاون بين دول العالم في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. هذه الحقيقة دفعت الدول الأعضاء في المنظمة الدولية إلى تطوير هياكلها التنظيمية، وصلاحيتها واختصاصاتها الدولية من خلال مجموعة كبيرة من المنظمات الدولية لتنظيم التعاون الدولي في مجالات عديدة، مثل رعاية الطفولة، وحقوق الإنسان، والتعاون الاقتصادي، والتعاون العمالي، والثقافة، والتعليم، والتحكيم الدولي.. إلخ.
رغم تعدد مجالات التعاون التي ترعاها الأمم المتحدة، وتقدم لها الدعم بشتى صوره، إلا أن الاهتمام الرئيس للمنظمة الدولية تركز على كيفية التدخل لمنع نشوب الصراعات والنزاعات الدولية، ومن هنا برز دور مجلس الأمن الدولي الذي يضم مجموعة من الدول دائمة العضوية، وهي الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية، إضافةً إلى مجموعة من الدول الأخرى غير دائمة العضوية. ويمثل مجلس الأمن أعلى سلطة أمنية من بين هياكل الأمم المتحدة. أما الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهي السلطة الرئيسة في الأمم المتحدة وتتناوب دول العالم الأعضاء على رئاستها حسب أنظمة الأمم المتحدة، وتعقد دورتها السنوية في الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر من كل عام، حيث يتوافد ملوك ورؤساء وقادة دول العالم إلى المقر الرئيس للأمم المتحدة في نيويورك لإلقاء كلماتهم تباعاً يعبّرون فيها عن رؤاهم وتصوراتهم للأوضاع الدولية، والدور المطلوب من المنظمة الدولية.
رغم الجدل الكبير الذي تبديه دول العالم وكذلك الباحثون تجاه دور الأمم المتحدة حالياً منذ عقود طويلة تمتد إلى نحو 67 عاماً، إلا أن جهود هذه المنظمة لا يمكن تجاهلها بأي شكل من الأشكال، حيث حققت نجاحات ملموسة وأدواراً مهمة على صعيد تنظيم العلاقات الدولية في مختلف المجالات. ولذلك يتميّز دور الأمم المتحدة بالتطور المستمر نتيجة هياكلها وآلياتها المرنة التي تتيح للدول الأعضاء تطوير صلاحياتها، وجهودها المتعددة والواسعة.
الأمم المتحدة تقترب في احتفاليتها السنوية إلى نحو 7 عقود، وهي فترة مهمة لمعرفة ملامح علاقة مملكة البحرين بالمنظمة الدولية، وهي العلاقة التي بدأت منذ نهاية الستينات من القرن العشرين عندما أعلنت حكومة بريطانيا رغبتها في الانسحاب من السيطرة على منطقة شرق السويس، وهو ما يعني انتهاء اتفاقيات الحماية التي أبرمتها مع إمارات ودول المنطقة، ومن بينها البحرين. في تلك الفترة المهمة من التاريخ، ظهرت المطالبات الإيرانية بأرخبيل البحرين، وهو خلاف مهم لم تنجح الوساطات الإقليمية والدولية في معالجته، الأمر الذي دفع حكومة البحرين، وحكومة شاه إيران إلى اللجوء للأمين العام للأمم المتحدة لمعالجة الخلاف. وكان للمنظمة الدولية الدور الأبرز في حسم الخلاف حول عروبة واستقلال البحرين عندما أوفد الأمين العام بعثة تقصي الحقائق لتزور البلاد، وتتأكد من رغبة شعب البحرين، ويقدم تقريره للأمين العام، ويتم التصويت لصالح استقلال البحرين وعروبتها في العام 1971.
حكومة البحرين أدركت أهمية المنظمة الدولية، فانضمت لها فور استقلالها في العام نفسه، وانخرطت في نشاط واسع مع معظم المنظمات الفرعية التابعة للأمم المتحدة لتعزز تعاونها الدولي مع بلدان العالم، وهو ما أكسبها سمعة دولية كبيرة، دفعها لتحقيق إنجازات مهمة على صعيد النشاط الأممي، حيث نالت العضوية غير الدائمة لمجلس الأمن خلال الفترة من 1998-2000، وتولت رئاسة المجلس خلال فترة عضويتها. هذه التجربة الناجحة دفعها لإنجاز أكبر عندما رأست الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأسندت المهمة لشخصية نسائية بارزة في المجتمع البحريني وهي القانونية الشيخة هيا بنت راشد آل خليفة، وكانت التجربة مكسباً دولياً على المستوى السياسي والدبلوماسي والحقوقي للمملكة.
رئيس مجلس الوزراء الموقر صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة يدرك جيداً أهمية المنظمة الدولية، خصوصاً أنه تولى شخصياً مهمة إدارة العلاقة بين البحرين والأمم المتحدة خلال فترة ما قبل الاستقلال أيام النزاع مع إيران. ولذلك حرص سموه على الإدلاء بكلمة مهمة أشاد فيها بدور المنظمة الدولية على مستوى التعاون الدولي في مختلف المجالات، ودورها في تحقيق وحفظ السلم والأمن الدوليين.
علاقات البحرين مع الأمم المتحدة شاملة وعميقة في الوقت نفسه، فهي تستضيف حالياً بيت الأمم المتحدة، والمركز الإقليمي للمنظمة لشؤون الإعلام. وهو ما يعكس إيمانها الكبير بدور هذه المنظمة في تحقيق تطلعات وأهداف التنمية الشاملة المستدامة.
معهد التنمية السياسية
Infobipd.gov.bh