كتب - محي الدين أنور:
«تحركك داخل القرية أثناء الاحتجاجات يعرضك للعقاب والترحيل» هي جملة تحولت إلى إحدى أدبيات الإرهاب على الجدران في قرية النويدرات موجهة إلى العمالة الأجنبية، حيث تنتشر عبارات التحذير في جميع أنحاء القرية على شكل تنبيهات مكتوبة باللونين الأحمر والأبيض و باللغتين العربية والإنجليزية ونصها: «خروجك أو تحركك داخل القرية أثناء الاحتجاجات يجعلك محل اشتباه في التعاون مع قوات الشرطة مما يعرضك للمعاقبة ومن ثم للترحيل من القرية أو المنطقة بصفة نهائية إذ إن جميع تحركاتك مرصودة ومراقبة بصفة مستمرة وسيكون التعامل فورياً مع كل من يضبط متورطاً في المشاركة أو المساعدة وعليه تذكر جيداً بأنك معرض للترحيل ولذا، حافظ على نفسك ومالك! سكان النويدرات».
سفر أو تنقل المقيمين الأجانب مقيد ولا يسمح به إلا في أضيق الحدود، إذ يقول أحد أفراد الجاليات الأجنبية لـ»الوطن»: « لانجرؤ على الخروج من بيوتنا خاصة عندما يحل الليل»، فيما يقول آخر إن «استخدام الهواتف النقالة في الأماكن العامة بات مقيداً جدا لأنه يثير الشك في إمكانية قيام صاحبه بالحديث مع رجال الأمن».
ولعل أحدث ضحية كانت، حسب عمال أجانب في النويدرات، عامل من بنجلادش يشتغل في مجال غسيل الملابس، إذ «تمت مهاجمته وتعرض للاعتداء من قبل نحو عشرة بلطجية ملثمين ظهر يوم السبت الماضي حين كان منهمكاً في كي الملابس وغير مدرك لما يجري حوله من اندلاع مفاجئ للاحتجاجات وحرق للإطارات المطاطية في المنطقة وكان من عادات هذا العامل في كثير من الأحيان الاستماع إلى الموسيقى على هاتفه المحمول ولذلك تم استجوابه في إحدى المرات عن دوافع استخدامه المتواصل لهاتفه».
النويدرات قرية يسكنها عدد من العمالة الأجنبية المستخدمين في الأعمال التجارية الصغيرة، ولكن لم يتبق من الشركات والعمال المقيمين في المنطقة إلا عدد قليل جداً الآن.
ونقلت «الوطن» قبل بضعة أشهر شكاوى العديد من أصحاب المحلات من فقدان أعمالهم في المنطقة حيث أجبرت أعمال الشغب والاشتباكات المتكررة مع رجال الأمن الكثير منهم على إغلاق محلاتهم بصفة دائمة واضطر العديد من السكان المحليين والأجانب إلى النزوح إلى أماكن أخرى بعيدة عن بؤر التوتر.
في النويدرات كان عدد المطاعم يزداد بشكل مطرد حيث تقدم المطاعم خدماتها لزبائنها من سكان محليين إضافة إلى العمالة الوافدة التي تتكون أساساً من عمال أو موظفين مستخدمين بالبرادات الصغيرة.
وبحسب بعض المصادر كانت المنطقة تستقطب أكثر من 100 شركة ولكن لم يتبق منها الآن سوى عدد قليل أي ما يناهز نحو عشرة محلات تجارية.
ويقول مالك أحد المطاعم بالمنطقة: «كنا نحصل على أكثر من 600 دينار في الشهر والآن بالكاد نحصل على مائتي دينار شهرياً».
وعبر أصحاب المطاعم عن انزعاجهم من كساد تجارتهم وأعمالهم التي تقطعت بها السبل وأفادوا بأنهم في حالة بحث مستمر عن حل لهذه المعضلة.
وفي منتصف شهر مايو، ذكرت «الوطن» أن نحو أربعة عمال هنود أصيبوا بحروق شديدة عندما اشتعلت النيران بمكان إقامتهم جراء تعرضه لقذيفة مولوتوف أثناء اندلاع اشتباكات في المنطقة أدت إلى وفاة «فالو بدفاث»، وهو عامل هندي يبلغ 30 عاماً من العمر، ووافته المنية بعد أسبوعين من الحادث متأثراً بجراحه.
وبعد الحادثة بيومين، تعالت أصوات العديد من العمال الأجانب معلنين تعرضهم للضرب وسلب الممتلكات الشخصية على يد عدد من البلطجية المسلحين.
وفي شهر يونيو تحدثت صحيفة «الوطن» عن الإغلاق القسري لمطعم وصالون حلاقة ومحل خياط ومتجر لبيع الساندويتش واضطرار بعض أصحاب المحلات التجارية إلى غلق بعض المتاجر بأنفسهم لكساد أعمالهم التي كانت في انخفاض متواصل.
وكان المطعم الذي أغلق يعمل منذ نحو 11 عاماً، وصالون الحلاقة منذ 15 عاماً، ومتجر الساندويتشات والعصائر منذ 13 عاماً ومحل الخياطة منذ 6 سنوات.
العديد من العمال يخافون الكلام ويلتزمون الصمت عن واقع المشاكل في المنطقة خشية استهدافهم من قبل أهل القرية وأما الآخرون الذين بقوا بالمنطقة وطلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، فهم يسعون جاهدين إلى البحث عن بدائل لمعاناتهم اليومية.