منذ عودة عيسى قاسم من إيران مطلع الألفية الجديدة بعد سنوات غياب طويلة، تزامنت أنشطة الإرهاب والعنف السياسي مع عودته للخطابة في جامع الإمام الصادق بالدراز، حيث يحرص كل جمعة على تقديم جرعة من التحريض من خلال خطبته الثانية السياسية.
فور عودة قاسم احترف التحريض على الدولة والحكومة ومؤسساتها المختلفة وكذلك سياساتها، وبعد أن استطاع تحقيق هذا الهدف، وصارت له قاعدة جماهيرية يحركها حسب قناعاته، انتقل للتحريض ضد رجال الأمن من خلال فتواه الشهيرة (اسحقوهم) مطلع الصيف الماضي، وهو ما أسفر عن أكثر من ألف شهيد وجريح من رجال الأمن.
لاحقاً امتدت نتائج تحريض عيسى قاسم إلى العمالة الأجنبية والمقيمين الأجانب، حيث توالت الاعتداءات الإرهابية عليهم، وراح ضحيتها عدد من الأبرياء، فضلاً عن استهداف بعضهم في المناطق التي يقيمون بها. وكان آخر نتائج هذه الحملة التحريضية التي قادها قاسم الاعتداء الإرهابي الذي وقع أمس وراح ضحيته آسيويون، فيما يعاني المصاب الثالث من إصابات بالغة نقل على إثرها المستشفى.
تركيز عيىسى قاسم على استهداف الأجانب والتحريض على كراهيتهم، لا يظهر بشكل مباشر من خلال خطابه الإعلامي ـ السياسي، وإنما يعتمد على إثارة قضايا غير مباشرة تؤدي في النهاية إلى كراهية الأجانب سواءً صاروا مواطنين بنيلهم شرف الجنسية البحرينية أو ظلوا مقيمين أجانب يعملون في البحرين.
لذلك نالت قضية التجنيس لدى عيسى قاسم اهتماماً خاصاً، ولا تكاد تخلو معظم خطبه قبل أزمة 2011 من الإشارة إليها. واللافت أن القضية تعد من المعايير المزدوجة لدى قاسم، فهو ليس بحرينياً بالأساس ونال شرف الجنسية البحرينية في ستينات القرن العشرين، ورغم ذلك احترف نشر الكراهية تجاه العرب والأجانب الذين يكتسبون الجنسية في موقف غريب وصارخ يناقض مبادئ حقوق الإنسان التي يحاول تسويقها بين وقت وآخر.
الجمعيات السياسية لا تتجاوز قاسم
وفي ذات السياق يلاحظ أن جميع الجمعيات السياسية التي يتمتع قاسم بنفوذ سياسي للتأثير عليها، ليس لديها الجرأة على إيقاف تحريض قاسم، بل تعتبر ما يطرحه مجرد «آراء لعالم دين يجب احترامها». ولذلك فإنها لا تجرؤ وليس لديها القدرة على انتقاد تحريض قاسم، سواءً كانت فتوى (اسحقوهم)، أو تحريضه على كراهية الأجانب من خلال إثارة التجنيس.
بل اللافت أنها تعتبر آراؤه وأفكاره بمثابة توجيهات ينبغي الالتزام بها دائماً، فعندما عارض قاسم الشق الجعفري من مشروع قانون الأحكام الأسرية، التزمت الوفاق بقراره وموقفه لأسباب دينية وسياسية، وكذلك الجمعيات الأخرى التي تمثل خطاً ليبرالياً يسارياً، وإن كانت تؤمن تماماً بمشروعية وضرورة إقرار مثل هذا القانون الهام.
الجمعيات السياسية التي تمثل خط الجماعات الراديكالية لم تبدِ استنكاراً صريحاً مع انفجارات القضيبية والعدلية، بل أصدرت تصريحات وبيانات «خجولة» تدين ما أسمته بـ «العنف»، وحاولت سريعاً التشكيك في التفجيرات الإرهابية لتثير قضية أخرى وكأنها الأهم بالنسبة لها، وهي «عدم وجود جهات تحقيق وإعلام مستقل في الدولة» لإظهار الحقيقة. وهو ما بيّن اهتمام الجمعيات السياسية بقضية أخرى أكثر من اهتمامها بإزهاق الأرواح في عمل إرهابي غادر.
مواطنون اعتبروا بيان الوفاق وتصريح فعالياتها تأكيداً على تورط الوفاق نفسه في العمل الإرهابي، فعدم الإدانة الصريحة تعني الاشتراك في الإرهاب نفسه، هذا هو منطق المواطنين الذي أبدوا امتعاضهم ونفاد صبرهم تجاه ممارسات عيسى قاسم وخيروه بين الاعتذار لشعب البحرين على ما ساهم به من إرهاب وتخريب، وبين الملاحقة القضائية التي بدأت فعلاً من خلال الدعوى التي قدمتها أسر ضحايا فتوى اسحقوهم من رجال الأمن للنيابة العامة مؤخراً.
السفير الأمريكي يدخل على الخط
على الصعيد نفسه، ترددت أنباء عن توجيه السفير الأمريكي في المنامة توماس جراكيسكي الجمعيات السياسية التي تمثل الخط الراديكالي إلى إصدار بيانات خجولة وتتضمن عموميات بهدف استغلالها للاستهلاك الإعلامي، ولضمان عدم انتقاد الرأي العام المحلي والخارجي لهذه الجمعيات التي تربطها علاقات واسعة مع السفير الأمريكي شخصياً. وحاولت (الوطن) الاتصال بالسفارة الأمريكية للحصول على تعليق حول هذه الأنباء إلا أن السفارة لم تدلِ بأي بيان حتى كتابة هذا التقرير.