دعا عهد المنامة للثقافة الشعبية 2012، الذي أصدرته ندوة «الثقافة الشعبية وتحديات العولمة» في ختام أعمالها أمس، إلى بعث مشروع المرصد العربي للثقافة الشعبية، وضرورة إنشاء قاعدة بيانات علمية موحدة لتسجيل عناصر الثقافة العربية وتجلياتها الفنية والمعرفية على الصعيدين المحلي والعربي وذلك ببدء إنشاء قواعد البيانات الوطنية «الأرشيف» في كل بلد عربي، بالتعاون بين المؤسسات الرسمية والجمعيات الأهلية المعنية، وإصدار القوانين الوطنية والعربية المشتركة لحماية عناصر هذه الثقافة وتجلياتها، في إطار القوانين الدولية لحماية الملكية الفكرية، وإيجاد آلية مستمرة لرعاية المبدعين الشعبيين وحاملي الثقافة الشعبية.
واختتمت صباح أمس «ندوة الثقافة الشعبية وتحديات العولمة» أعمالها بإعلان «عهد المنامة للثقافة الشعبية 2012» الذي يتضمن حاضر ومستقبل الثقافة الشعبية في العالم بمشاركة أكثر من ستين باحثاً من مختلف دول العالم بعد ختام الجلسات العلمية التي اعتبرت محاورها مدخلاً إلى صياغة القضايا وطرح الإشكاليات عبر مختلف مجالات الثقافة الشعبية وذلك بقاعات المحاضرات في مركز عيسى الثقافي بالجفير.
وأكد عهد المنامة ضرورة تعميق التوجه العلمي على الصعيد العربي عامةً والوطني خاصةً إلى العناية بهذه الثقافة وتجلياتها، وإنشاء المواقع الإلكترونية الخاصة بالثقافة الشعبية، وتضمين الثقافة الشعبية وتجلياتها الفنية والمعرفية في المناهج التعليمية في مراحل التعليم المختلفة.
العهد اتفاق لتعزيز البحث بالثقافة الشعبية
وتحدث فتحي زغندة من الجمهورية التونسية في الجلسة العلمية الثامنة عن ورقة عمل بعنوان «الموسيقى الشعبية التونسية وتحديات العولمة»، حيث تطرق لتعريف العولمة ومظاهرها باعتماده على أركانها الأساسية، حيث ناقش زغندة ورقة عمله مع رئيس الجلسة الأستاذ الدكتور محمد النويري كل ما طرحه من أفكار حول الموسيقى الشعبية ومدى تأثرها على الثقافة الشعبية في الجمهورية التونسية والتحديات التي يواجهها علماء الثقافة الشعبية في مواجهة العولمة وجميع مظاهرها .
وخلال الجلسة العلمية التاسعة ناقش ناجي التباب من الجمهورية التونسية ورقة عمله مع رئيس الجلسة د.محمد الخزاعي من مملكة البحرين، حيث تناولت ورقته عنوان «لغة البحارة في الوسط الشرقي التونسي بين المحلية والعالمية» التي رصدت مظاهر العلاقة بين الثّقافة الشّعبية البحريّة في مستوى اللّغة المستعملة والآخر المختلف وذلك بالجوس في بعض شعاب اللّغة العاميّة الّتي يستعملها البحّارة في الوسط الشّرقي التّونسي لمعرفة ما هو أصيل فيها وما هو دخيل في مستوى العبارة والمصطلحات وما تحيل عليه من خلفيات حضارية وثقافية متنوّعة.
وناقشت رئيسة الجلسة العاشرة د.نور الهدى باديس من الجمهورية التونسية ورقة عمل د.علي بزي التي تحمل عنوان «الثقافة الشعبية مدخلاً لتقارب الشعوب» حيث أشار إلى عدة ملاحظات أهمها اختزال التراث الشعبي أو المأثور الشعبي بالمعنى الضيق بحيث لا يتعدى جانباً محدداً من الفنون كالموسيقى والغناء والرقص، واعتبار ذلك نوعاً من أشكال التعبير العادي، إلا أن التراث الشعبي أغنى وأوسع وأكثر تنوعاً من ذلك بحيث يطال مختلف أشكال الثقافة وتنوعاتها. وأقامت اللجنة التنظيمية حفلاً ختامياً للندوة دشنت فيها «عهد المنامة للثقافة الشعبية 2012» وكرمت المشاركين والحضور حيث تقدم علي عبدالله خليفة بالشكر لجميع الوفود والذي قال بهذه المناسبة بأن هذا العهد هو اتفاق بين الباحثين لتعزيز البحث العلمي في مجال الثقافة الشعبية وإعطاء صورة مشرفة وغنية في هذا المجال.
عهد المنامة للثقافة الشعبية
شهد النصف الثاني من القرن الماضي اهتماماً متزايداً، وعلى درجات متفاوتة، وتحت مسميات متعددة، في وطننا العربي، بالثقافة الشعبية وتجلياتها الفنية والمعرفية فيما عرف بالفنون الشعبية، والتراث الشعبي، والمأثورات الشعبية وما يعرف بالتراث الثقافي غير المادي في الأدبيات المتداولة عالمياً الآن. ولقد كان لهذا الاهتمام مظاهر متعددة عبرت عنها أكثر من تجربة وطنية وإقليمية على الصعيد العربي كان من ثمارها أن تنعقد هذه الندوة عن «الثقافة الشعبية وتحديات العولمة» استجابة لحاجة البحث والتأمل في الثقافة الشعبية العربية وتجلياتها. وكان من المنطقي أن تتبنى مثل هذه الندوة الدولية مجلة الثقافة الشعبية التي تمثل أحد المنجزات المهمة في مسار العناية بهذه الثقافة في وطننا العربي، بما نشرته وتنشره من دراسات وصفية، وتحليلية غطت وتغطي كافة مظاهر الثقافة الشعبية العربية وعناصرها، في كل أنحاء هذا الوطن، وبما أتاحته للعلماء المتخصصين، والدارسين والباحثين الشباب من نشر أعمالهم، وتبادل الخبرات في ما بينهم، محققة روح الثقافة الشعبية ومضمونها في نقل الخبرة والمعرفة من الجيل الأكبر إلى الأجيال الأصغر، ومن تأكيد التكامل والتواصل بينهم وبين ثقافتهم.
لقد أصبحت مجلة الثقافة الشعبية «الفتية» -خلال سنوات قليلة- منارة بحرينية عربية، يسطع ضوؤها متجاوزاً حدودها المحلية إلى آفاق العالمية الرحبة. والمشاركون في هذه الندوة التي انعقدت في المنامة عاصمة البحرين، بدعوة كريمة من القائمين على أمر هذه المجلة / المؤسسة وضمت باحثين من أنحاء مختلفة من العالم، يمثلون خبرات وتجارب ثرية يسجلون في هذه الوثيقة أو العهد أن هناك مجموعة من الأمور تقتضي أن يتعاهدوا عليها وأن يوجهوا الأنظار إليها، على الصعيدين الرسمي والشعبي، واضعين أيديهم في أيدي بعضهم البعض من أجل تحقيقها في ضوء ما يتجه إليه العالم الآن من اهتمام بصون التراث الثقافي للإنسانية، وتعزيز تنوعه، باعتبار ذلك إثراءً للثقافة الإنسانية عامة والوطنية خاصة، وهو ما أكدته الاتفاقات الدولية التي تبنتها اليونسكو (اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي 2003 واتفاقية تعزيز التنوع الثقافي 2005) وصادقت عليها معظم دول العالم، وعلى ذلك فإنهم انطلاقاً:
- من الأهمية المتزايدة محلياً وعالمياً بالثقافات الشعبية وتجلياتها وأنها بما تمثل من هوية ثقافية على الصعيد الوطني والعالمي تشكل مدخلاً أساسياً للتقارب بين الشعوب والجماعات.
- ومن تأمل واقع الثقافة الشعبية العربية وحاجتها إلى الصون والتوثيق والدرس والاستلهام، حفاظاً عليها من الاندثار أو الضياع والتشويه وسوء الاستخدام وضماناً لاستمرارها ملكاً لأصحابها ونقلها إلى الأجيال المتعاقبة.