كتب - حسن الستري:
تباينت وجهات النظر حول خطة البحرين لاستئجار أراضٍ زراعية في الخارج، تؤمن احتياجها من مختلف المنتجات الزراعية والغذائية مستقبلاً، إذ رأت وزارة البلديات في الفكرة خطوة لتحقيق الأمن الغذائي، وكشفت عن وجود مفاوضات مع دول لتنفيذها مثل السودان، فيما عارضت جمعية المهندسين الزراعيين المقترح ونبهت إلى أن الاستثمار في الداخل أجدى على المدى الطويل ويحمي المملكة من المضاربات.
واتفقت الجهتان على ضرورة تشجيع الزراعة دون تربة وتنظيم أسواق شعبية للمنتجات الزراعية، مشيدتين بالمبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي المدشنة من قبل صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك المفدى.
وقال الوكيل المساعد للزراعة د.سلمان الخزاعي، إن فكرة استئجار أراضٍ زراعية في الخارج لتحقيق الأمن الغذائي طُرحت قبل عامين ومازالت قائمة، وكشف عن مفاوضات تجري حالياً مع عدة دول يمكن تنفيذ مشاريع زراعية فيها.
وبشأن تكوين شركات زراعية بشراكة حكومية، أضاف الخزاعي أن تكوين شركات زراعية مشتركة بين الدولة والقطاع الخاص يعتمد على قناعة المستثمر، مبيناً «هناك عدد من المستثمرين الراغبين بالمشاركة لأنها تضمن لهم الكثير من التسهيلات، ويجري حالياً التفاوض مع هؤلاء لتنفيذ المشاريع».
ولفت إلى أن إجمالي المساحات القابلة للزراعة في البحرين تُقارب 64 ألف دونم، والمستغل منها نحو 38 ألف دونم فقط، مرجعاً السبب في قلة استثمار المساحات القابلة للزراعة إلى ملكية الأراضي العائدة للقطاع الخاص، مضيفاً «المالك يلجأ أحياناً إلى إشادة مساكن على الأراضي العائدة لملكيته، أو أن يبني عليها مرافق ترفيهية خاصة، أو حظائر للإنتاج الحيواني أو الداجني، وكذلك ما خلفه الزحف العمراني من تآكل مساحات من الأراضي، وتستقطع هذه المساحات من المساحات الكلية القابلة للزراعة».
ونبه إلى أن استغلال كامل هذه المساحات يتطلب مزيداً من المياه الصالحة للري، علماً بأنها غير موصلة بشبكة مياه الصرف الصحي المعالجة، ما يصعب توفيره في ظل ظروف البحرين المائية وتراجعها المستمر وزيادة نسب التملح في التربة.
وفي ما يتعلق بخطة الوزارة لتشجيع ونشر أسلوب الزراعة دون تربة قال الخزاعي «من المعلوم أن التربة الزراعية لها فائدتان لا ثالث لهما وهما تثبيت النبات وإمداده بالمواد الغذائية، فإذا استطعنا توفير هاتين الميزتين للنبات فإنه لا حاجة بنا إلى التربة، وظهر مؤخراً أسلوب الزراعة دون تربة وهو أحد الأساليب الزراعية الحديثة، ونستطيع بتنفيذها الاستغناء عن التربة الزراعية، خاصة أن التربة بالبحرين لها العديد من المشاكل منها زيادة نسبة الملوحة، وعدم قدرتها على الاحتفاظ بماء الري فترة طويلة، نظراً لأن عنصر الرمل يغلب على تكوينها، وتفقد بذلك نسبة عالية من مياه السقاية بالتسرب».
وأضاف أن «نشر أسلوب الزراعة دون تربة وتعميمه يعتبر أحد الأهداف المستقبلية للوزارة، حيث تعطي زيادة في الإنتاج نتيجة الاستفادة من الزراعة في مدرجات، وتحسين نوعية المنتج لعدم ملامسته التربة»، لافتاً إلى أن الوزارة بدأت بإرشاد المواطنين إلى أهمية الأخذ بهذا النظام إما عن طريق زيارات مباشرة ينظمها أخصائيون إلى المزارع، أو عقد دورات تدريبية توضح أهمية أسلوب الزراعة دون تربة وطرائق تنفيذه، وتعمل الوزارة بالتعاون مع العديد من الهيئات الداعمة للمزارعين مثل «تمكين» وبنك البحرين للتنمية وبنك الإبداع، على دعم المشاريع الفردية والمشتركة، وإقامة مشاريع صغيرة ومتوسطة قادرة على توفير إنتاج يسهم في زيادة الدخل وتحقيق الخطة الوطنية للأمن الغذائي النسبي، وإمداد المزارعين الراغبين في تنفيذ المشاريع بجزء كبير من تكاليفها، مع فترات سداد طويلة، لتشجيعهم على البدء في تنفيذ مشاريع تنموية مهمة».
وأشاد الخزاعي بالمبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي المدشنة من قبل صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المفدى، وذكر أنها تهدف إلى المشاركة الفعالة بين وزارة البلديات ممثلة في شؤون الزراعة، لإحداث تنمية مستدامة في القطاع، لتحقيق جزء من الاحتياجات الاستهلاكية للمنتجات الزراعية، والمساهمة بصورة أكبر في دعم عجلة الاقتصاد، وتحقيق التنمية بأبعادها المختلفة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية.
وقال إن الاستغلال الأمثل للموارد، وتوفير فرص عمل للمواطنين في المجال الزراعي، وتشجيع القطاع الخاص على خوض غمار الاستثمار الزراعي، وحماية المحاصيل الزراعية من الإصابة بالآفات المختلفة عن طريق تطوير أعمال المحجر الزراعي واستخدام أساليب المكافحة المتكاملة وغيرها، والحفاظ على الموارد الطبيعية، والتوظيف الأمثل للأبحاث العلمية المحلية والعالمية لزيادة الإنتاج، مع حماية الموارد الأرضية والمائية من التدهور أو الاستغلال غير المرشد من خلال تطوير التشريعات والأنظمة واللوائح ذات العلاقة، مع دعم صغار المزارعين بتقديم مختلف الخدمات التي يحتاجونها كالرعاية الصحية ومكافحة الأمراض النباتية، والمشاركة مع بعض الجهات الداعمة مادياً لتوفير السيولة النقدية للمنتجين لتطوير مشاريعهم أو البدء بمشاريع جديدة، مع وضع البرامج التنفيذية لتحقيق تلك الأهداف.
وأوضح أن المساحات الخضراء في المشاريع الإسكانية يتم استغلالها كمتنفس لتلك الوحدات السكنية كحدائق عامة تشمل ألعاب ترفيهية ونباتات زينة وأزهار ومسطحات خضراء، لأنه يصعب استغلالها في الإنتاج الزراعي.
ولفت إلى أن إقامة سوق شعبي للمنتجات الزراعية، من الأفكار الموضوعة تحت الدراسة حالياً لتجميع المنتجات الزراعية في مكان واحد، داعياً المزارعين والمنتجين إلى تفعيل عمل الجمعية الزراعية، لتؤدي مهام شراء المنتجات من المزارعين وبيعها، ما يدفع المزارعين إلى تحسين أساليب معاملات ما بعد حصاد محاصيلهم.
ونبه إلى أن شؤون الزراعة نظمت العديد من ورش العمل للمزارعين لتوضيح كيفية التعامل الصحيح مع المنتجات بعد حصادها، ووزعت عليهم دون مقابل العديد من نماذج العبوات الجيدة ذات السعات المختلفة لتكون في النهاية جاذبة للمستهلك، ومنافسة مثيلاتها المستوردة ليظهر المنتج المحلي النهائي بصورة مرضية.
وانتقد الخزاعي الوضع البيئي في البحرين، وذكر أنه يعتبر أحد المعوقات لانطلاق التنمية الزراعية، وقال «معظم أشهر العام تتميز بارتفاع شديد في درجات الحرارة ونسبة الرطوبة، إن التربة الزراعية ليست جيدة بالدرجة المناسبة للزراعة، وتحتاج إلى معالجات عديدة لكي تصل إلى صلاحيتها للزراعة».
وأضاف «نعاني -مثل باقي دول الإقليم- من انخفاض مناسيب المياه الجوفية وزيادة تملحها، وهذا أحد أخطر التحديات التي تواجهها المملكة، حيث تصنف بأنها من أكثر مناطق العالم تأثراً بدائرة الخطر المائي، ونلجأ إلى بعض البدائل لتفادي المشاكل مثل التوسع في الزراعات المحمية، ومحاولة نشر وتعميم استخدام أساليب الزراعة دون تربة، وإدخال أساليب الري الحديث مثل الري بالتنقيط أو الرش وتعمل على ترشيد استهلاك مياه الري، والتوسع في إمداد المزارع بمياه الصرف الصحي المعالجة ثلاثياً والتي تتميز بالأمان ومطابقتها للمواصفات الدولية لمثل هذه النوعية من المياه، وتعد أحد البدائل المهمة لتوفير مصدر مائي دائم للري باعتبارها مصدراً متجدداً.
وحول إمكانية تحقيق الأمن الغذائي قال الخزاعي «تحقيق الأمن الغذائي الكامل يصعب الحديث عنه في ظل ظروفنا المحلية، ولكن ما نستهدف الوصول إليه تحقيق أقصى قدر ممكن من الاكتفاء الذاتي النسبي في بعض المحاصيل الزراعية، لتقليل الفجوة الكبيرة بين الإنتاج والاستهلاك، والوصول إلى أقصى معدلات الإنتاج التي يمكن تحقيقها في ظل ظروف مناخية صعبة وتربة تزداد ملوحتها عاماً بعد عام، وشح مائي واضح، وزيادة مستمرة في عدد السكان، باستخدام أساليب علمية حديثة تزيد الإنتاج».
تباين وجهات النظر
من جهته قال رئيس جمعية المهندسين الزراعيين البحرينية فؤاد حبيب، إن المساحات الزراعية في البحرين تبلغ 37 كم2، والمستغل منها 4.9 كم2، لأن المساحات استغلت في المباني والعمران وأتت على الحيازات الزراعية، وتراجعت بذلك نسبة الأراضي الزراعية إلى 15% خلال 10 سنوات.
وعارض حبيب بشدة استئجار أراضٍ زراعية بالخارج، لافتاً إلى أن هذه الأموال والمبالغ المستثمرة في الخارج لو استهلكت في البحرين تحقق نقلة نوعية مستقبلاً، لأن الزراعة في الخارج لا تحقق أمناً غذائياً.
وحول كيفية الزراعة في البحرين مع شح الأراضي، أجاب حبيب «هناك بديل، وهو الزراعة دون تربة والزراعة دون طوابق أي الزراعة العمودية، وإذا أمكن ذلك فإننا نحقق نقلة نوعية في الأمن الغذائي النسبي، لأن الأمن الغذائي الكلي يصعب تحقيقه لأن البحرين لا تنتج المحاصيل المعتمدة مثل الرز والقمح، ولكننا بالإمكان تحقيق الاكتفاء الذاتي في الخضروات، وتحقيق أمن نسبي في الأعلاف والحبوب ضمن خطة عشرية».
وأضاف «لابد من مراقبة الموضوع من جميع جوانبه، وهناك شركات زراعية قادرة على الاستثمار وعلى الحكومة تشجيعها، ويجب أن تكون نسبة المشاركة الحكومية تفوق 50% كي يبقى كل شيء بيد الحكومة، ولكي لا تستغلنا الشركات ولا تساومنا على مسألة الإنتاج».
وبشأن المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعة، أوضح حبيب أنها «تسعى لتشجيع المزارعين على الإنتاج وإدارة مشاريع صغيرة وتنمية الأيدي العاملة البحرينية وإنتاج محاصيل زراعية ضرورية، وصارت حيازات زراعية وقطعت شوطاً كبيراً، إذ وقعت المبادرة اتفاقية لإنشاء معهد زراعي مع جامعة البوليتكنك لإيجاد تخصص الدبلوم الزراعي، أما جمعية المهندسين الزراعيين فدورها تنظيم دورات زراعية للتدريب الزراعي المستمر تستقطب جميع المهتمين بالزراعة من هواة وفنيين ومتدربين لتأهيلهم، للوصول إلى الدبلوم والمساعدة على نشر الوعي الزراعي وإدارة مشاريع زراعية وتخريج كفاءات وطنية».
وأردف «شاركت الجمعية بدعم من المبادرة في مشروع الزراعة الرأسية والزراعة دون تربة والحديقة المنزلية وأصدرنا كتيبات توعوية».
ودعا لإنشاء المحميات والزراعة دون تربة في المشاريع الإسكانية، واتباع الطرق الحديثة في الري والتسميد واتباع محاصيل موسمية، مطالباً بدعم المزارعين عبر إنشاء سوق شعبي للمنتجات الزراعية لبيع المخللات والأجبان والمربى التي يمكن تصنيعها محلياً.
وأوضح أن هذه المنتجات الشعبية مرغوبة في البحرين، ويمكن أن تحقق عائداً مادياً على المزارعين، مؤكداً أن البيئة والزراعة مترابطان مع بعضهما، كلما بُنيت الخطط على أسس بيئية كلما خدمت الزراعة.
من جانبها أكدت وزارة الإسكان سعيها في خضم تصميمها للمشاريع الإسكانية إلى مراعاة عدة جوانب مهمة، في مقدمتها الجودة العالية للوحدات السكنية، فضلاً عن الطابع المعماري للمشروع الإسكاني، وتوفير مساحات خضراء والاهتمام بالشكل الجمالي للمشروع، وبالتالي فإن وزارة الإسكان تُعد التصاميم التفصيلية للمشاريع على أسس علمية وتخطيطية حديثة، بحيث يتم توفير المناطق المفتوحة والخضراء لاستخدام المواطنين المستفيدين من المشاريع الإسكانية، والحفاظ على تلك المساحات كمناطق مفتوحة، وتجنّب استغلالها لأية أسباب أخرى.
وأوضحت الوزارة أنها تعكف حالياً على إعداد دراسات بشأن تجميل وتشجير عدد من المشاريع الإسكانية، خاصة مناطق العمارات السكنية كمشروع سلماباد.