غزة - مازن النسور:
المكان غزة المدينة، والتاريخ نهاية أكتوبر.. صباح يوم طبيعي، الناس تتحرك كأن شيئاً لم يحدث، طلبة ذاهبون إلى مدارسهم، وكذلك الأمر بالنسبة للموظفين والعمال، ربات بيوت في الأسواق “يتلقطن” ما جادت به الأرض من خيرات لإعداد وجبة غداء لعائلة كبيرة سيعود أفرادها ظهراً من أشغالهم.
الصورة حقيقية، فالشوارع هادئة نسبياً إلا من أبواق بعض السيارات وصوت فتح المحلات التجارية التي تؤذن ببداية يوم جديد في القطاع الذي يعاني حصاراً وحرماناً من كل شيء تقريباً، إلا أن الحياة تسير، رغم قساوتها وضنك عيشها.
بلهجة فلسطينية قروية قال “هينا عايشين.. وين بدنا نروح، هاي بلادنا غصب عن اليهود”. ويواصل أبو عدنان الذي كان يجلس على مدخل إحدى الدكاكين في غزة “نحن يا أبني شعب قادر على الحياة، لن يثنينا عن ذلك شيء (...) تهجّرنا عدة مرات، العدو الإسرائيلي يضيق علينا الخناق، لكننا ماضون ومستمرون على قناعتنا وحقنا.. سنعود بإذن الله”.
أبو عدنان الذي جاوز عمره السبعين بقليل لاجئ في غزة منذ العام 1967، كان يتحدث كأنه عائد لقريته التي تركها قبل 45 عاماً غداً أو بعد غد على أبعد تقدير.
لكن ثقة أبو عدنان، غير مستغربة، فهي سمة عامة تعتلي وجوه الغزاويين، أو الفلسطينيين الذين يعيشون بغزة.
علي شبيب شاب في مقتبل العمر يثني على كلام أبو عدنان “نعم سنعود، لن يحرمنا أحد من حقنا في العودة، (...) فلسطين لنا”.
وعن شكل الحياة الطبيعي في غزة رغم الحصار وقلة الحيلة ونقص كل شيء، والغارات الإسرائيلية شبه اليومية التي تحرق الأخضر واليابس وتقتل البشر، يقول شبيب “الوضع صعب، فلا مياه نقيه ولا كهرباء ولا وقود ولا غذاء مثل البشر، لكننا صامدون، سنواصل الحياة إلى حين الفرج من عند الله”.
وتابع “الغارات الإسرائيلية أقل ما يخيفنا،(...) أنت تشاهد بأم عينيك: هل الحياة متوقفة أم أنها طبيعية؟؟ نحن شعب يعرف كيف يعيش بأقل الإمكانات، فالتجارب كثيرة والحاجة أم الاختراع”. مثلاً “نحن نقوم بتدوير بقايا المنازل المهدمة لصناعة البحص (الكنكريت) لإعادة البناء من جديد في ظل الحصار ومنع دخول مواد البناء إلا الشحيح منها، وهذا ينطبق على كل شيء تقريباً”.
ويعيش في قطاع غزة نحو 1.7 مليون نسمة 80% منهم لاجئون، في ظل ظروف معيشية صعبة جداً بسبب الكثافة السكانية والحصار الإسرائيلي وتردي البنية التحتية في جميع القطاعات.
ويهدد القطاع كارثة صحية بسبب غياب شبكة الصرف الصحي وتلوث البحر، فضلاً عن عدم توافر المياه النقية. وتنقطع الكهرباء في غزة بمعدل 8 ساعات يومياً، يضطر فيها الأهالي إلى تشغيل المولدات التي تعتمد على السولار والذي لا يتوفر بسهولة. ويباع لتر السولار القادم من الاحتلال الإسرائيلي بدولارين وكذلك الأمر بالنسبة للبنزين، فيما يصل سعر لتر السولار المصري المهرب 60 سنتاً والبنزين 80 سنتاً.
ويعتمد الغزاويون في حياتهم على النزر اليسير الذي يأتي من فلسطين المحتلة (إسرائيل) وعلى المواد التي تدخل مهربة عبر الأنفاق من مصر.
وتقول لبنى مياسة التي كانت تشتري الخضار إن “الأسعار مرتفعة ونادراً ما تجد جميع مواد القائمة التي تخطط لشرائها في السوق، فنحن نعتمد على المتوافر”.
وأكدت أنها “ترعى عائلة مكونة من 6 أطفال وسط فقر ونقص، (...) الحمد لله قد نكون أفضل من غيرنا”.
وقالت القائم بأعمال مدير الإعلام بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى “الإونروا” ميلينا شاهين إن غزة تحتاج وبشكل عاجل لمشروعات الإسكان وتطوير البنية التحتية في المخيمات، ومحطات لتحلية المياه وتطوير الصرف الصحي.
وأكدت أن المصادر في القطاع محدودة ما يعني أن هناك مشاكل في كل القطاعات، (...) في 2016 لن يكون لدينا مياه صالحة للشرب إلا إذا تم إنشاء مشروعات تحلية وكذلك الأمر بالنسبة للمجاري التي تهدد بكارثة صحية فضلاً عن تلوث البحر الأمر الذي يؤثر على الثروة السمكية.
مع كل هذه المشاكل والمعوقات، الحياة تسير في غزة، والشوارع تعج بالناس والمحلات تفتح أبوابها وتستقبل الزبائن، لكنها حياة بطعم الألم الذي لا يشفيه إلا الصمود. هنيئاً لكم صمودكم.