دعا علماء وشيوخ دين «المسلمين من كافة الطوائف والمذاهب إلى الوحدة في ذكرى عاشوراء»، مشيرين إلى أن «تلك المناسبة فرصة للتلاحم والتقارب»، بينما شددوا على «ضرورة البعد عن التسييس والتحريض ونبذ الفرقة والعصبية لأن الأصل في ذكرى عاشوراء بعدها عن الاستغلال السياسي، فهي مناسبة دينية تخص جميع المسلمين». وأضافوا أن «خير وسيلة لإحياء ذكرى الحسين بن علي رضي الله عنهما هي التشبه بسلوكه في الدنيا كمرحلة انتقالية للآخرة»، موضحين أن «الإمام الحسين أطلق ثورته الإيمانية دفاعاً عن الإسلام بعدما مزقت الخلافات الأمة الإسلامية». وقالوا إن «ثورة الحسين ليست دعوة للثأر والقتل واليأس والألم وتعذيب النفس والجسد». ولفتوا إلى أن «دعوة الإمام الحسين كانت لجميع المسلمين ومن يعمل على حصر فكره بمذهب أو فئة يحجمه ويبطل دعوته التوحيدية»، بينما دعوا «خطباء المنبر العاشورائي إلى الاعتماد على الرواية الصحيحة لأحداث عاشوراء»، وطالبوا «بعرض السيرة الحسينية بصدق تام دون إضافات خاطئة أو بدع».
وذكروا أن «البعض ممن يؤمن بفكر «ولاية الفقيه» يستغل عاشوراء سياسياً بالتحريض المذهبي لفصل الشيعة عن السنة».
لا للتسييس والتحريض
من جانبه، دعا الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان سماحة العلامة السيد محمد علي الحسيني «المسلمين من كافة الطوائف والمذاهب إلى إحياء ذكرى عاشوراء بعيداً عن التسييس والتحريض».
وشدد على «تحريم سب الصحابة وأمهات المؤمنين تحريماً مطلقاً»، مؤكداً أن «الأصل في ذكرى عاشوراء هو بعدها عن الاستغلال السياسي، فهي مناسبة دينية تخص جميع المسلمين لأنها حركة أطلقها الإمام الحسين دفاعاً عن الإسلام دين التوحيد، نابذاً التفرقة، ورافضاً الانقسامات السياسية التي أصابت الأمة في زمنه».
وأضاف أن «دعوة الإمام الحسين رضي الله عنه موجهة لكل المسلمين وكل من يعمل على حصره بمذهب أو فئة يحجمه ويبطل دعوته التوحيدية».
وأشار العلامة الحسيني إلى أنه «يمكن الاستفادة سياسياً من هذه المناسبة ولكن ليس بالاتجاه الذي يسلكه البعض، أي أن الذكرى يجب أن تخدم الهدف السياسي الأسمى للمسلمين، بتوحيد موقفهم من التحديات التي تواجه الأمة، وبإعلان موقف إسلامي وحدوي، يشجب الإرهاب الذي يلبسه أصحابه لباس الإسلام، والدين منه براء، وبإعلان موقف آخر يرفض تحركات بعض المجموعات الضالة في مجتمعاتنا العربية، بإيعاز من دول غير عربية، لتهديد الاستقرار فيها، وخلق حالة من الغوغاء التخريبية».
رسالة الإسلام على المحك
وتحدث السيد الحسيني عن الأبعاد الحقيقية لثورة الإمام الحسين رضي الله عنه دفاعاً عن الإسلام، مشيراً إلى أن «أهمها البعد الإيماني حينما أطلق ثورته دفاعاً عن الإسلام، دين التوحيد، بعدما مزقت الخلاقات السياسية الأمة الإسلامية. وقد خرج مطالباً بحقه من أجل إعادة الاعتبار إلى خلافة جده رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من أجل مصلحة شخصية. وقد ضحى بنفسه وبأفراد عائلته دفاعاً عن معتقده الإسلامي، وهذا بذاته امتداد لثورة الرسول الأعظم وخاتم الأنبياء»، مضيفاً أن «رسالة الإسلام على المحك، فخرج الإمام الحسين حاملاً رسالة جده رسول الله وعاملاً للوحدة لذلك فدعوته كانت لجميع المسلمين، وهو لا يخص مذهباً دون آخر، ولا يمكن اعتباره شيعياً أو سنياً أو خلاف ذلك، بل هو إمام للمسلمين جميعاً».
الذكرى للسنة والشيعة
وفي رد على سؤال يتعلق بمبدأ الاحتفال بعاشوراء للسنة والشيعة معاً وليس للشيعة فقط، أفاد العلامة الحسيني بقوله «كان الشيعة العرب يحيون الذكرى جنباً إلى جنب مع سائر المسلمين الذين يعيشون معهم في نسيج اجتماعي وقومي واحد داخل كل دولة من الدول العربية. إذ إن الشيعة فصلوا منذ قرون مسألة الانتماء إلى مذهب ديني، عن مسألة الانتماء القومي، والولاء للنظام السياسي الذي يعيشون في ظله، ولم تكن هناك مشكلة في أن يكون المرء شيعياً ويحمل أية جنسية، فلا تناقض بين الانتماءين، الأول انتماء مذهبي ديني وعاطفي وأخلاقي، والثاني انتماء سياسي وطني وقومي، لكن قيام نظام ولاية الفقيه أوجد مقولة جديدة وغريبة عن تراثنا الشيعي، ومن هنا كان تصدينا من موقعنا المرجعي الإسلامي للشيعة العرب، واستطعنا بحمد الله أن نوضح الصورة الحقيقية لثورة الإمام الحسين، كثورة إسلامية توحيدية، ينبغي إحياؤها من قبل جميع المسلمين».
خطباء المنبر العاشورائي
وفيما يتعلق بمطالبة بعض خطباء المنبر العاشورائي بالاعتماد على المصادر الصحيحة والرواية الصادقة لأحداث عاشوراء وعرض السيرة الحسينية بصدق تام دون إضافات خاطئة أو مبتدعة، ذكر العلامة الحسيني أن «المجلس الإسلامي العربي يحاول التصدي للتحريف والبدع وحتى الغلو، والواقع أننا كنا نحن أول من دعا للاعتماد على المصادر الصحيحة، وقد نجحنا لأننا نصحنا أبناء طائفتنا ووجهناهم للرجوع للرواية الصادقة لأحداث عاشوراء. وقد قمنا من أجل ذلك بنشر هذه المصادر بعد شرحها وتنقيحها. وتطلب الأمر جهوداً فكرية ومالية كبيرة، كما أقمنا المحاضرات والندوات العديدة، وشاركنا في مؤتمرات لا تعد ولا تحصى، وانتشر إخواننا في المجلس الإسلامي العربي في كل مكان لتعزيز ثقافة الاعتماد على المصادر التاريخية الصحيحة التي لم تطلها يد التحريف».
عادات إحياء عاشوراء
وتطرق العلامة الحسيني للحديث عن العادات التي يمارسها البعض خلال إحياء ذكرى عاشوراء، والتي «اعتبرها بعض الفقهاء إساءة إلى الإسلام وإلى ذكرى عاشوراء وثورة الإمام الحسين وطالبوا بتجنبها، كما إنها تعطي انطباعاً سيئاً عن تلك الذكرى وربما يخاف البعض من إحياء تلك الذكرى بسبب تلك العادات»، مؤكداً أن «المجلس الإسلامي العربي كان سباقاً في تحريم كل البدع التي تم إدخالها إلى ليالي إحياء عاشوراء».
وتابع «قلنا إنه لا يجوز أن تكون مناسبة ذكرى شهادة الإمام الحسين مدعاة للبعض لإدخال البدع في الدين أو الغلو والتطرف، فالإمام الحسين براء من كل ضلالة وبدعة وشرك وهو القائل بأنه يسير بسيرة جده رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نبهنا من استيراد أي مفاهيم أو عادات أو تقاليد خارجة عن الشريعة الإسلامية».
وأشار العلامة الحسيني إلى أن «الذين يمارسون التطبير والضرب بالسيف في ذكرى عاشوراء لم يفهموا معنى ثورة الحسين»، موضحاً أن «خير وسيلة لإحياء ذكرى الحسين هي في التشبه بسلوكه، وهو سلوك إسلامي يعمل للحياة الدنيا، كمرحلة انتقالية للحياة الأخرى. أي السعي إلى إقامة حكم الإسلام على الأرض والعيش في ظلاله، أي إنها دعوة للحياة وليس للنزف والموت عبثاً».
صدق وإخلاص الحسين
من جانبه، قال الشيخ خالد السعدون إن «عقيدة أهل السنة والجماعة في استشهاد الحسين تتبين في قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حينما قال في مجموع الفتاوى «وأما من قتل الحسين وأعان على قتله أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً». وأشار إلى أن «العِبرةُ في هذه الذكرى، هي أنَّ الذي رفع الحُسينَ في دُنياهُ وأُخراهُ هو صِدقُهُ وإخلاصُهُ، وجهادُهُ في سبيل الله، بل وقد سألَ الجهادَ في سبيل الله آخِرَ حياتِهِ».
وتابع الشيخ السعدون «لكي نُثبِتُ حُبَّنا للحُسين رضي الله عنه، فهذا لا يكون بالكلام، وإنما بالسير على أثره، وآثار آبائه وأجداده، والاقتداءِ به، ذلكم بأنَّ الحُسين ما صار حُسيناً، وكذا من قبلُ الحسنُ ما صار حسناً، بل قُل وعليٌّ وفاطمةُ، ومعهم سيد البشر، ما صاروا كما صاروا إلا بالعمل، وصَدَقَ اللهُ حين أرشدَ نبيَّهُ مُعلِّماً، بعد إذ ذكر أنبياءهُ ورُسُلَهُ، فقال: ?أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ)».
دعوة للفضيلة
من جانبه، قال الشيخ الدكتور عبدالله بن أحمد المقابي إن «عاشوراء وثورة الإمام الحسين رضي الله عنه، هي النهضة العظيمة ضد الفساد الأخلاقي والرذيلة، ضد التجييش الباغي ودعوة للفضيلة، فقد خرج أبو عبدالله الحسين ليمثل الحق كل الحق من أجل الدين الإسلامي، لا من أجل السلطة، ولا الجاه، ولا المناصب، بل ليوضح أن الإسلام يقول: لا للفرقة والتقسيم والبعد عن جادة الصواب، ولا للفتنة والتناحر والخراب، بل لأجل إحياء القيم الفاضلة والمعاني الرائدة في تحقيق قيمة الإنسان».
وأوضح أن «عاشوراء موسم فيه تجتمع الناس ليتذكروا فيه مصاباً جللاً عظيماً على كافة المسلمين، في سنة 60هـ، خرج بثورته الكبرى، ثورة الفكر الإصلاحي، وقال قولته المشهورة «لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، ولكن خرجت للإصلاح في أمة جدي»، لقد انطلق ليؤسس معالم الإصلاح في البلاد، ويحقق العدل الاجتماعي بين الناس، ويقضي على أسباب النكسة الأليمة التي مني بها المسلمون».
ولفت د.المقابي إلى أن «المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي اعتادوا على إحياء الذكرى العاشورائية، هذه المناسبة المتجددة، وفي البحرين تحيي آلاف العائلات تلك الذكرى، بل ويزور البحرين في هذه الذكرى أكثر من ربع مليون شخص من أقطار الخليج العربي وبقية دول العالم، ليروا الخط الحسيني الذي سار عليه الحسين عليه السلام، ومن هذا المنطلق فالواجب أن يحرص المسلمون على إحياء الذكرى كما هي دون تسييس، ولا يجب أن تأخذ أبعاداً مخالفة لما جاء به الحسين رضوان الله عليه، حيث يتوجه بعض الخطباء فيقومون بالتحشيد والتحريض بما لا يقبله الحسين، ويقوم بعض المندسين في هذه المناسبات بصناعة الأزمات، وتحويل الفكر السلمي إلى فكر عدواني عنفي، وتقرير مصير الناس بمخالفة الفتاوى الشرعية، فالحسين عليه رضوان الله، لم يخرج على ولي الأمر أبداً، ولم يخرج لفساد الحاكم، بل خرج للإصلاح، ولم يخرج طلباً للدولة والحكم، وهكذا نجد بعض الناس تحاول أن تقول إن الحسين عليه السلام خرج على ولاة الأمر، أو خرج على الحاكم، بل خرج مجبراً على الخروج، لحفظ دماء المسلمين، ولحفظ دمه أن لا يسفك في الكعبة وتهتك حرمتها، وهكذا جرى القضاء عليه بالشهادة في سبيل الله منتصراً بسلميته وعلمه وفهمه ومعرفته، إماماً للمسلمين جميعاً، وسبطاً وسيداً لشباب أهل الجنة».
وتابع د.المقابي «في البحرين تولي قيادة البحرين تلك المناسبة العظيمة برعاية خاصة، لإظهار هذه المناسبة في أحسن حلة، بل وأفضل صورة تمثلها الطائفة الشيعية فيها، من الحرية التي تمتلكها الطائفة في كيفية إحياء المناسبة وطقوسها وأشكالها، وحرية التعبير والتصرف، وجلب الخطباء من خارج البحرين، والسماح بإقامة المناسبة في كافة مناطق المملكة من شرقها إلى غربها، إضافة إلى محافظة وزارة الداخلية على تسيير المواكب وحفظ خط السير لها، وقد تعودنا في مملكة البحرين على إحياء هذه الذكرى منذ سنوات طويلة، ولم تمنع أي شعيرة حتى ما اختلف الفقهاء عليه فيما بينهم كالتطبير».
وقال إنه «كي تبقى هذه المناسبة حية في قلوب المسلمين، ولها رونقها المتجدد، ينبغي على المعزين والمحيين لهذه المناسبة الاقتداء بما جاء به سيد الشهداء، من خلق رفيع، وعلم غزير، بالعمل الصادق في بناء الدين والعقيدة، والتوحد مع كافة الأطياف الاجتماعية، لنهوض الوطن، ونهضة هذه الشعيرة الدينية، ومن هذا المنطلق ندعو المؤمنين في هذا الوطن، أن لا يكون هناك تسييس للأجواء العاشورائية، وأن نحافظ على الهوية الحسينية من التشويه، لتعزز هذه الذكرى بصورتها الأصيلة، محافظين بذلك على مجدنا الحسيني ومسيرتنا الإصلاحية، مع الإصلاح والعمل المستمر في نهضة الأمة الإسلامية».