يبدو التلفزيون السوري وكأنه أدمن الفضائح المجانية، أو أنه بدأ مسلسلاً من الأكاذيب بات من الصعب معه أن يتذكر الفيديوهات التي يتم تسريبها من قبل شبيحة أو جنود النظام مع ما يبثه التلفزيون كالناطق الرسمي للإعلام السوري، ليبرهن على أن نظامه هو مرتكب الجرائم، وبشكل موثّق وبالصوت والصورة والفيديو والكلام الرنان وغير الرنان.
قبل أربعة أشهر في أكتوبر 2012 تم تسريب فيلم يظهر جنوداً من الجيش النظامي مستمتعين باللعب في روضة أطفال في مدينة داريا بريف دمشق، وجاء الفيلم المسرب من موبايل "أحد الشبيحة" بعد مجزرة داريا التي ضج بها العالم أجمع.
وبالفيلم المسرب تبدأ الحكاية، إذ إن الروضة تعود للظهور من جديد في تقرير على التلفزيون السوري، يحمل ما يحمل من العبارات الطنانة والرنانة عن بطولات الجيش السوري، ويصور آثار القصف والتخريب في مدينة داريا ولتأتي الروضة كمثال على ذلك التخريب، واصفاً المخربين والعصابات المسلحة بأقسى الصفات ومتوعداً إياهم بأن الجيش "الباسل" بحسب وصف التلفزيون ومعدة التقرير سوف يدخل إلى أوكارهم وينظف سوريا منهم ومن إجرامهم.
فريق عمل سوريا
وربما غاب عن التلفزيون الرسمي أن الشباب السوري يقوم بتوثيق كل مجريات الثورة السورية، ومن قام بلفت النظر إلى خطأ التلفزيون هو فريق عمل سوريا للجميع للرصد والترجمة، وهم شباب أنشأوا صفحة خاصة بـ"فضائح إعلام النظام السوري وكذبه وأبواقه ومهرجيه على التلفزيون" بالإضافة إلى ترجمة فيديوهات الثورة إلى اللغات العالمية ونشرها.
مشهدان يمكننا أن نضعهما جنباً إلى جنب، وبرؤيتهما معاً يحتار المراقب إن كان يريد أن يضحك من برهان يقدمه الإعلام الرسمي على جرائم نظامه، أم أن البكاء سيكون أقرب للقلب والعين من استسهال هؤلاء لرؤية القتل والدم.
المشهد الأول: جنود بلباس الجيش يلعبون بألعاب أطفال، يسخرون من رسوماتهم، يأكلون ويرمون ببقايا الطعام على نفس الأرض التي كان أطفال داريا يلعبون عليها قبل أن يُقتلوا في المجزرة التي ارتكبها الجيش نفسه وبمساعدة الشبيحة.
المشهد الثاني: عبارات معروفة ومتداولة ومحفوظة تنتمي للإعلام السوري الرسمي، تتصف بالخشبية واللغة التنظيرية، تُظهر روضة الأطفال وقد عاث بها "الإرهاب" فساداً وتخريباً.
فمن الذي صوّر نفسه في الروضة، ومن ثم صور التخريب في ذات الروضة.
هي أخطاء، ومن الأخطاء ما قتل وما كشف فضائح تصنف وبأحسن حالاتها بالسذاجة المهنية، وبفقدان الشعور الإنساني كتوصيف طبيعي وبالحد الأدنى.
بعد المجسمات الخليجية التي روج لها التلفزيون السوري والتي تمت على خلفية مزحة من صفحة فيسبوكية حمصية سخرت من النظام، وبعد اتهامه لقنوات عربية بأنها تستخدم مباريات لفرق عالمية بلعبة كرة القدم لتعطي تعليمات "للإرهابيين"، إلى تقديم دلائل وبراهين على نفسه.. وما علينا نحن كمشاهدين أو كمراقبين، أو ربما كبشر طبيعيين إلا أن ننتظر حلقة جديدة في مسلسل فضائح الإعلام السوري.