قال شيوخ وعلماء دين إن «التوبة من أهم وسائل إصلاح القلوب وعلاج أمراضها»، موضحين أنه «عندما نتحدث عن التوبة فلابد أن نبدأ بالحديث عن ذنوبنا التي تثقل كواهلنا وتشقينا في الحياة، فنشاهد اليوم الجميع يعاني من المشاكل والمتاعب الجسدية والنفسية ونلاحظ انتشار الفساد والفتن والأمراض، ولو بحثنا عن السبب لوجدناه كثرة ذنوبنا ومعاصينا وتقصيرنا بحق الله».
وذكروا أن «التوبة في اللغة هي الرجوع، فأصل كلمة تاب معناها عاد إلى الله ورجع. ومعنى تاب الله عليه: أي عاد عليه بالمغفرة. ومعنى كلمة التواب «إذا نسبت إلى الله» كثرة قبوله التوبة عن عباده، أما بالنسبة للعبد: فهو العبد كثير التوبة».
ويعرف الإمام علي كرم الله وجهه التوبة بقوله: (هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل).
وأشار العلماء إلى أن «التوبة وظيفة العمر التي لا يستغني عنها المسلم أبداً، فهو يحتاج إليها كل يوم، كيف لا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم 100 مرة، كما قصص الله علينا ذلك في كتابه الكريم في مواضع متفرقة من كتابه. وقد دعا الله عباده إلى التوبة فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وما من نبي من الأنبياء إلا ودعا قومه إليها.
فكم من غافل أسرف على نفسه، وسوف توبته حتى وافته منيته، وهو على إصراره ومعصيته، فعظمت حسرته ومحنته، فإلى متى تؤخر التوبة؟ وما أنت في ذلك بمعذور، إلى متى وانت في الغفلة والغرور؟
وفي هذا الصدد يتساءل العلماء: كيف ومتى تتحرك إرادة التوبة في قلب المؤمن؟ وكم يحتاج الإنسان إلى توبة من غفلة عن الله؟ ولعل الإنسان يحتاج إلى توبة من صغائر، وكبائر، وغفلات، عن نعم أنعم الله بها عليه ولم يشكر الله عليها، فالإنسان يحتاج إلى توبة عن ذنوب مضت فعلها ولم يتب عنها ولكنه نسيها بمجرد إقلاعه عنها، فالذنب لم يمح ولم يغفر أيضاً.
شروط التوبة الصحيحة
ذكر العلماء أن للتوبة الصحيحة شروطاً ينبغي أن تتوفر وهي:
أولاً: الإقلاع عن الذنب: فيترك التائب الذنب الذي أراد التوبة منه باختياره.
ثانياً: الندم على الذنب: بمعنى أن يندم التائب على فعلته ويشعر بالحزن والأسف كلما ذكرها.
ثالثاً: العزم على عدم العودة إلى الذنب: وهو شرط مرتبط بنية التائب، وهو بمثابة عهد يقطعه على نفسه بعدم الرجوع إلى الذنب.
رابعاً: التحلل من حقوق الناس: وهذا إذا كان الذنب متعلقاً بحقوق الناس، فلابد أن يعيد الحق لأصحابه، أو يطلب منهم أن يسامحوه.
التوبة النصوح
يقول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحًا»، لقد وضع الله لنا رحمته بين أيدينا لنلتمسها ونتوب حتى تستقيم حياتنا وأسماها «التوبة النصوح» ومعناها التوبة الشاملة، وهي مشتقة من النصح، والنصيحة فمن قوتها وصدقها فهي تنصحك وتردك عن الذنب كلما أردت العودة إليه.
وفي هذا يقول العلماء إن الله يفتح أبواب رحمته أمامنا: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا)، ويحفزنا عليها بقوله (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) دون تسويف وتأخير، فكثيراً ما نجد الإنسان يشعر بذنبه ويعتصره الندم لكنه يؤخر التوبة ولا يسارع لها ويعلقها إلى حين وقوع أمر ما أو يتركها للمستقبل، ولا يعلم أن الموت قد يختطفه قبل أن يتوب، وأكثر أهل النار من المسوفين بل إن كلمة سوف من جنود إبليس، ويؤكد العلماء أن الغافل أسوأ من العاصي، لأن الغافل يبقى في غفلته بسبب التسويف أما العاصي فربما يمل من تكراره لمعصيته فيتوب عنها. ويقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار ويبسط يده في النهار ليتوب مسيئ الليل)، وأجمل يوم في حياتك هو يوم يتوب الله عليك، فقد استقبل الرسول عليه الصلاة والسلام كعب بن مالك قائلاً: «أبشر يا كعب بخير يوم طلع عليك، تاب الله عليك».
ولعل قصة الغامدية تعتبر من القصص المعروفة عن التوبة والتي توضح كيف تكون الإرادة القوية والرغبة في التطهر والعزم عليها، فالغامدية أسلمت على يد الرسول عليه الصلاة والسلام وعاشت في المدينة المنورة وتزوجت من صحابي جليل، ثم اقترفت خطيئة الزنا، وذهبت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام تقول (يا رسول الله إني زنيت وإني حبلى فطهرني يا رسول الله)، وكررتها ثلاثاً والرسول عليه الصلاة والسلام يشيح بوجهه عنها إلى أن قال لها في الثالثة: (اذهبي حتى تلدي ثم ائتني)، ثم عادت بعد ولادتها تقول (يا رسول الله أقم علي الحد)، ويجيبها عليه الصلاة والسلام (اذهبي حتى تفطميه) وبعد سنتين عادت للرسول وهي تمسك في هذه المرة بيد طفلها وبثبات تطلب أن تنال عقوبتها فيرفق عليه الصلاة والسلام بابنها ويحمله ويرفعه بين الصحابة قائلاً: (من يكفل هذا ويكون رفيقي في الجنة؟) ويتسابق الصحابة على كفالته لنيل هذا الشرف العظيم وترجم الغامدية حتى الموت، فما يكون بالرسول عليه الصلاة والسلام إلا أن يقول: (اصطفوا خلفي فإني مصلٍ عليها)، وبادره عمر بن الخطاب رضي الله عنه مستغرباً يقول: (يا رسول الله أتصلي عليها وهي زانية؟!) ويجيب الرسول: (ويحك يا عمر.. لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم).
فنرى في هذا المثال الثبات على التوبة والندم الذي يلازم المذنب ويعيش معه حتى يتطهر مهما طال به الزمن، ونرى رحمة الله الواسعة وتقبله لتوبة عبده النادم.