كتب - د. مصطفى سالم:
«أمدّ يدي
لبكاءِ الإشارة «
هكذا يبدأ الشاعر البحريني د.أحمد الدوسري ديوانه «على مشارف السرور» في نصوص تعيد رسم شخصية الشاعر، وتلك مهمة غامضة للنص، ولكنها عفوية أيضاً.
فما الذي يكتب هنا غير الروح التي تطلق ثورتها بالنص في نفس الوقت الذي يصمت به الجسد.
مهمة الشاعر ثورية من حيث كونه مبدعاً، وهذا ما نحصده من ديوان الدوسري، ولكنها أيضاً مهمة تتصارع بين أن تزرع العالم في النص، أو تزرع النص في العالم.
لا ينتج عن هذا إشكال في فهم القصيدة ، فبدون أن ترسم قصائد الديوان ونصوصه شخصية الشاعر يكون الإبداع عمل مصطنع .
غير أن مشارف الدوسري تمنحنا إكمال لوحة للشاعر، لكنها حزينة. فالمكان الذي ترسمه ليس أوسع من أوراقه، والأحلام ليست أكثر شجاعة من خياله.
«أرى في المرايا «شبيهي المديد»
وإزاء ذلك نحن ، لا نرى الشاعر سوى في نصوصه.أن تعيش كشاعر يعني عليك صناعة عالمك في لغة تحمل أسئلتك وفي الغالب لا تجد الإجابة ولا تطلبها. وهكذا تقول لنا قصائد مشارف السرور إنها صوفية بدون اعتزال وإنها سخية لتفسح الطريق لنزج أنفسنا في حلمها.
وغالباً ما نجد الإبداع يحمل تمرده ويبلغ أقصى غاياته حين يكون تمرد التمرد، وهنا نحن أمام حالتين تعبر عن قوة اللغة وسطوة الأشياء، والفصل بينهما مجازفة في المعنى الفلسفي.
إن كان السحر قد انتهى وفق بعض التفاسير منذ النبي موسى، فإن قوة الشيء ورسائل اللغة لا تنتهي.. ومشارف السرور في النص هي مشارف أسئلة الحزن للشاعر.
تحت الإقامةِ الشعرية «وضعوني»
في مثل هذه العبارة نكتشف أن عالم الاعتقال في الشعر، مهمة الشاعر تجاه نفسه. وبالرغم من الخيبة من المكان والضجر من العالم فإن الإبداع يصنع للشاعر عالمه الخاص الذي فيه حريته، وليس مصادفة أن تكون هذه الحرية في نفس الوقت الإقامة الجبرية له.
والعالم الافتراضي الذي يظن البعض أنه بدأ مع ظهور شبكة الإنترنت تم صناعته في الشعر منذ أن واجه الإنسان الطبيعة والاستبداد من خلال الشعر.
«يا أختنا التي تنازلَ البحر لها
وداعا»
«ِإني الخطوط الأماميةُ للنعي» في عبارات كهذه لا يمكن تصور أن الحزن كائن قابل للاستبدال، فما لا يعوض لا يضحى به، ولكن التعايش معه عند المبدع صرخة من الألم بلغة غالباً ما كانت تتصف بالهدوء.
إن واقعية الحزن في اللغة لا تحتاج للصوت، ولا للمبالغة وهو ما تحرر منه الدوسري لكن إلى أين؟
الاستمتاع في الإجابة، تلك مهمة لا يقترب منها الشاعر لأنها تهدد علاقته بالمكان وتمثل حرباً على عالمه الشعري.
وفي عالم الدوسري، سنجد جزءاً من عالمنا، فتفاصيلنا معه فيها الكثير المشترك، سواء بهمومنا القومية، أو بسعينا من أجل الحرية والمساواة.
ويبقى حب المكان على نفس درجة الحزن منه حينما نغوص في قوة اللغة في هذا الديوان الذي نجد أنفسنا نشكل معه تحالفاً من أجل عالم شعري يقبل بهذا العالم لتصحيح مساره.
«على مشارف السرور» ذلك العمل الرائع والذي يتطابق من ثورية في عالم شعري ستكون محط دراسة ضمن نماذج نسعى لتأكيد وتطوير رؤية خاصة عن قوة اللغة باعتبارها الطلاسم المؤثرة في هذا العالم للدفاع عنه، والوقت للتمتع به.
فهل نقرأ قصائد الدوسري من أجل ردع الشر العالمي والتحرر من طقوس المكان وقيوده؟ نعم يجب أن نفعل ذلك وهو ما قلنا إنه تمرد التمرد.