جاكرتا - نورة عثمان:
مع اقتراب إجازة الربيع، يخطط كثيرون للسفر خارج البحرين، ووجهات السفر متعددة وكثيرة، لكن في هذه الفترة، نلحظ أن غالبية الخليجين يبتعدون عن السفر لأوروبا وأمريكا التي اعتادوا قضاء فترة الصيف بالسفر إليها، لأن جوها شتاء بارد جداً بل ومثلج.
وكبديل عن أوروبا وأمريكا، يمكن للخليجين أن يتجهوا شرقاً، إلى البلدان التي تتميز بشتاء ماطر تتراوح حرارته بين 20 و30 درجة مئوية، ومن هذه البلدان إندونيسيا التي زارها وفد ضم ستة من ممثلي صحف بحرينية بينها «الوطن»، إلى جانب ثلاثة من وكلاء السفريات.
إندونيسيا بلد يستمتع السائح فيه بالسماع للأساطير التي تحكى قبل النوم للأطفال، ويحظى بتجربة مخالطة شعب ودود لطيف لديه من الغرائب الكثير من بينها مهن الفقراء الغريبة، كما يمكنه تجربة المائدة التي يبتكر فيها الإندونيسيون أنواعاً عديدة من الأطباق مستخدمين المكونات ذاتها، وغيرها الكثير مما تزخر به هذه البلاد.
قارب مصنوع من جبل
«إن لم تشرب من النيل فكأنك لم تذهب لمصر»، عبارة اعتدنا سماعها لمن يود الذهاب لمصر، لكنك في إندونيسيا تسمع عبارة تقول: إن لم تزر «جنونج تانجوبان تراهون» فكأنك لم تزر إندونيسيا.
«جنونج تانجوبان تراهون» الذي يعني اسمه بالعربية جبل السفينة، جبل يخالف بقية الجبال في إندونيسيا، لأن الأشجار الباسقة الخضراء هي ما تنسج حلة غالب الجبال، إلا أن هذا الجبل يكتسي بحلة من أشجار سوداء، صبغها الجبل من طبيعته البركانية التي تشمل الصخور الملونة بالبرتقالي والأصفر من معدن الكبريت، ودخانه المتصاعد من وسط الحمم المتصلبة التي جففت الأشجار وجعلتها أغصاناً متفحمة واقفة.
ومن وسط جبل أسود، ليس بمستغرب أن تظهر الأساطير والقصص، وأسطورة هذا الجبل التي يحكيها الإندونيسيون قبل النوم لأطفالهم، تقول إن «سانكوريان» وهو اسم إله الجبل، طلبت إليه والدته حينما كان صغيراً أن يأكل قلب غزال يصطاده بنفسه، فذهب «سنكوريان» إلى الغابة لصيد الغزال واصطحب معه كلبه، إلا أن «سانكوريان» لم يجد غزالاً ليصطاده، فما كان منه إلا أن قتل كلبه وأحضر القلب لأمه وأخبرها أنه قلب غزال.
شكت أم «سانكوريان» بالأمر لأن الكلب لم يعد من ابنها من رحلة الصيد، فسألته عنه، فأخبرها أن الكلب مات أثناء معكرته مع الغزال حينما حاول اصطياده، وأنه دفنه في الغابة، لكن الأم لم تصدق رواية ابنها وعاقبته بطرده من المنزل.
وتضيف الأسطورة أن «سانكوريان» عاش بعدها طوال عمره بعيداً عن منزله حتى نسي أمه، وحينما شبّ وأصبح ذا قدرات هائلة، وقع في حب فتاة وأراد أن يتزوجها، واشترطت عليه الفتاة للموافقة على الزواج أن يصنع لها قارباً في ليلة واحدة.
وافق سانكوريان على الشرط لأنه كان واثقاً من قدراته، وبالفعل صنع القارب في ليلة واحدة، وذهب بعدها إلى فتاته يخبرها بإنجازه، حينها فاجأته الفتاة بأمر صعقه وأغضبه!
أخبرته الفتاة أنها لا يمكن أن تتزوجه لأنه ابنها، وأنها أمه التي طردته قبل سنين لأنه لم يكن واثقاً بقدرته على إنجاز ما يطلب منه، وأن شرط الزواج كان اختباراً جديداً له.
ونتيجة وقع المفاجأة الصادمة على نفسه، غضب «سانكوريان» جداً، فقلب القارب الذي صنعه رأساً على عقب.
هذا القارب هو جبل «جنونج تانجوبان تراهون» في حد ذاته، لأن من ينظر إليه من مشهد علوي، يرى أنه يشبه القارب إلى حد كبير.
مهن تقضي على الفقر
جميع دول العالم بلا استثناء يعاني جزء من شعبها من الفقر، لكن فقراء الدول يتعاطون مع فقرهم بطرق مختلفة، فمنهم من ينتهج التسول، ومنهم من ينتهج الاستسلام للفقر والركون لحياة المشردين، وآخرون يرفضون الفقر ويبتكرون الأعمال التي تدر المال وإن كانت بسيطة، لتحصيل لقمة العيش.
زي فاقع اللون وشارع فرعي
في إندونيسيا مثلاً، تصعب حركة السير نتيجة الازدحام المروري الخانق، ومن الصعوبة على السائق الذي يود الانتقال من شارع فرعي إلى آخر رئيسي، أن يجد فرصة لمرور سيارته، لذلك تجد كثيراً من الشباب ممن يرتدون زياً فاقع اللون ويقفون على رأس الشارع الفرعي، متخذين دور رجل المرور «غير الرسمي» ويشيرون للسيارات في الشارع الرئيسي بأعلامهم لتتوقف، متيحين المجال لمن في الشارع الفرعي للمرور، على أن يعطيهم ما تجود به نفسه من مبلغ زهيد مقابل هذه الخدمة قبل أن ينطلق في طريقه.
الفتى الملون
مهنة المخلوق الفضائي
مهنة غريبة أخرى من مهن تكسب الفقراء، هي مهنة «الفتى الملون» إن صح تسميتها بهذا الاسم. ففي هذه المهنة، يطلي المراهقون الفقراء أنفسهم من قمة الرأس إلى أخمص القدمين بطلاء من لون واحد، ويتمركزون في مقر عملهم عند الإشارات المرورية التي تقع عند تقاطع عدد كبير من الشوارع، مثل أربعة أو ستة شوارع ليضمنوا أن جمهورهم من سواق السيارات سيتوقفون مدة لا تقل عن الدقيقة يقدمون خلالها عملهم.
عملهم بسيط يرتكز على عروض فنية وشقلبات بهلوانية وبعض الحركات المضحكة، وإن لم يلتفت السائق لبعض الحركات التي يعتبرها معتادة، إلا أنه بالتأكيد سيلتفت للإنسان ذي اللون الغريب، الذي يبدو للوهلة الأولى وكأنه مخلوق فضائي. «مخلوق فضائي» ينتقل سريعاً بين السيارات ما إن تعلن الإشارة أنه بقي 15 ثانية في عدها التنازلي للانتقال إلى اللون الأخضر، وخلال هذه الـ15 ثانية، يجمع المراهقون الملونون حصيلة لا بأس بها من عملات معدنية يجود بها السوّاق.
قرد بساقي غزال
وكما إن تقاطعات الشوارع هي مركز عمل «الفتى الملون» هي مركز عمل صاحب «القرد بساقي الغزال». فمن يصعب عليه تنفيذ الحركات البهلوانية لكبر سنه، لا تصعب الحركات على قرده الذي يملكه، ويملكه كثيرون غيره، فالقرود هناك في كل مكان، كما القطط في شوارعنا، لكن الذكي من يستغل هذه القرود ويدربها لعمل الحركات المضحكة، مثل السير على عصاتين طويلتين، ليصبح القرد وكأنما يمشي بساقي زرافة، أو يدربها لتطلب الطعام من السواق الذين يستظرفونها فيطعمونها ويضعون في جيب ملابسها النقود لصحابها.
سيدا المائدة الإندونيسية
تتنوع المائدة الإندونيسية بكثير من الأطعمة المختلفة يتسيدها الرز وجوز الهند، وما يميز هذه المائدة أنها مناسبة جداً لمن يحب تجربة أكلات غريبة عليه غير المتوافرة في بلده.
سمك أحمر حلو
بالنسبة للخليجيين والبحرينيين خصوصاً، تعتبر المائدة الإندونيسية غريبة جداً عنهم، فحتى الأسماك التي تشتهر بها المائدة البحرينية تجدها بأنواع مختلفة هناك، فهي تقدم بلونها الأحمر مشوية مع صلصة حلوة أو حامضة أو مرة أو مالحة أو حارة.
وتتنوع طبيعة الأكلات في إندونيسيا بتنوع المناطق، إذ تشتهر منطقة جاوا بالأكلات الحلوة، فيما تشتهر جاكرتا بالأكلات الحارة اللاذعة، إلا أن كلا المنطقتين تعتمدان بشكل رئيس على الأرز في الوجبات الرئيسة الثلاث اليومية، الذي يقدم بأشكال مختلفة، إذ يحتوي الفطور على مكعبات الأرز المصنوعة من خلال سلق الأرز ومن ثم تغليفه بورق أشجار الموز، ورصه ليكون كتلة متماسكة، ومن بعدها تقطيعه إلى مكعبات، فيما يوضع الأرز المسلوق –الشيلاني باللهجة البحرينية- إلى جانب أنواع الحساء والإضافات المختلفة، ليضيف عليها المرء ما يرغب من تشكيلة تحول الوجبة الواحدة إلى وجبات عدة بنكهات مختلفة، وفي العشاء يطبخ الأرز مع قليل من البهارات والخضروات، ويقدم مالحاً أو حلواً بلون ذهبي محمر.
نحافة رغم الأرز الكثير
يتساءل كثيرون عما يسببه هذا القدر من الرز من سمنة لدى الشعب الإندونيسي؟! الإجابة تكون بمقارنة بسيطة بين الشعب الإندونيسي والشعب الخليجي، ففي الخليج يعاني كثير من الأفراد من السمنة، وهم من يعتمدون على الأرز في الغداء وأحياناً في العشاء، أي بمعدل أقل من الإندونيسيين، ما يجعل الأمر منطقياً أن يكون الإندونيسيون أكثر سمنة لأنهم يتناولون الأرز بقدر أكبر. إلا أن الأمر بخلاف ذلك، إذ نادراً ما ترى من الإندونيسيين من يعاني من السمنة، ذلك أنهم شعب نشط في كل أمور حياته، ويعتمد غالبهم على السير في الانتقال بين المناطق القريبة، كما يعمل غالبهم في الزراعة والفلاحة، وما تتطلبه هذه المهنة من جهد يحرق السعرات الحرارية العالية الموجودة في الرز اليومي.
وما يساعد الإندونيسيين على تجنب السمنة أيضاً، طريقتهم في الأكل التي تعتمد على اختيار نوعين فقط من أصناف الطعام الموجودة في المائدة، وبكميات قليلة، وحين الانتهاء من هذين النوعين، يختار الشخص نوعين آخرين، ويكرر الأمر إلى أن يشبع، وفي غالب الأحيان يكرر الإندونيسيون عملية اختيار الأصناف مرتين على أقصى تقدير.
جوز الهند في «الصالونة»
أما عن الأكلات التي يدخل في تكوينها جوز الهند، فهي كثيرة أبرزها «صالونة» جوز الهند أي حساء جوز الهند، والسمبوسة المغطاة بجوز الهند المبشور، وعصير جوز الهند الطازج، وحساء الجيلي مع قطع جوز الهند، وعجين جوز الهند المحشو بالمكسرات، وغيرها الكثير مما يجعل المتذوق لهذه الأصناف يرغب بمزيد من جوز الهند، بدل أن يمل منه! ذلك أن الإندونيسيين شعب مبتكر فيما يتعلق بالطعام، ولا تكاد تجد أكلتين متشابهتين في الطعم برغم تشابه المكونات.
فاكهة طعمها من الجنة
ومن الأطعمة الغريبة في إنودنيسيا مجموعة فواكه منها الموز الحامض، وهو بطول الذراع تقريباً، البطيخ الأصفر -ليس الشمام- بل هو مثل البطيخ الأحمر، إلا أن لونه أصفر وأكثر منه حلاوة، وفاكهة النجمة التي سميت بذلك لاسمها، وطعمها مشابه للبرتقال لكنه أقل حموضة وبه قليل من المرارة، وأغرب أنواع الفاكهة على الإطلاق فاكهة «دوريان» التي يقول عنها الإندونيسيون إن «طعمها من الجنة ورائحتها من النار»، ذلك أنها فاكهة حلوة، إلا أن رائحتها كريهة.