القاهرة - (وكالات): عبر قضاة مصر عن غضبهم من الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المصري محمد مرسي والذي اعتبره مجلس القضاء الأعلى “اعتداء غير مسبوق” على استقلال القضاء، فيما اتخذ القضاة أولى الخطوات التصعيدية بتعليق عملهم في كافة أنحاء البلاد، في تصاعد لمواجهة جديدة بين مرسي والقضاء للمرة الثالثة.
في الوقت ذاته، أعلنت القوى الوطنية والديمقراطية متمثلة في عمرو موسى وحمدين صباحي ومحمد البرادعي تشكيل جبهة للإنقاذ الوطني ككيان جامع لكل القوى الرافضة للإعلان الدستوري، وإنشاء قيادة وطنية جماعية لها، تتفرع عنها لجنة تنسيقية لإدارة العمل اليومي من رموز مصر، على أن تكون مهمة تلك القيادة، إدارة المرحلة سياسياً وشعبياً وجماهيرياً، رافضة الحوار مع مرسي.
في غضون ذلك، واصل المعارضون للإعلان اعتصامهم في ميدان التحرير، بينما اندلعت اشتباكات في محيط دار القضاء العالي، كما تواصلت الاشتباكات في شارع محمد محمود لليوم السادس على التوالي. في المقابل، دعت جماعة الإخوان المسلمين إلى مظاهرة حاشدة بعد غد تأييداً للإعلان الدستوري.
ودخل الرئيس المصري في مواجهتين سابقتين مع القضاة انتهت بتراجعه عن قراراته تحت ضغطهم. وتعارض القوى المدنية الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي وهو ما يوفر للقضاة دعماً في الشارع بشكل أو بآخر.
وأصدر مرسي إعلاناً دستورياً حصن به الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات التي أصدرها وجعلها غير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أية جهة. ونص أيضاً على أنه لا يجوز لأية جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور، وهو ما أنهى جميع الدعاوى المتعلقة بقرارات مرسي ومصير الجمعية ومجلس الشورى المنظورة أمام القضاء.
كما تضمن الإعلان إقالة النائب العام المستشار عبد المجيد محمود وتعيين المستشار طلعت عبد الله بدلاً منه.
وفي بيان أصدره مجلس القضاء الأعلى، وهو أعلى سلطة قضائية في مصر، عقب اجتماع طارئ عقده صباح أمس أن “المجلس هو المعني بكافة شؤون القضاء والقضاة” مبدياً “أسفه” لصدور هذا الإعلان.
وطالب المجلس مرسي بـ “البعد بهذا الإعلان عن كل ما يمس السلطة القضائية واختصاصتها أو التدخل في شؤون أعضائها أو ينال من جلال أحكامها”.
من جانبه أعلن نادي قضاة الإسكندرية تعليق العمل بجميع المحاكم والنيابات في ثاني أكبر المدن المصرية احتجاجاً على إعلان مرسي الدستوري.
والتأمت الجمعية العامة لنادي قضاة مصر لبحث الرد المناسب للإعلان الدستوري في حضور النائب العام المقال ونقيب المحامين ومئات القضاة.
من جهته، حمَّل النائب العام المُقال، الرئيس المصري مسؤولية أي خطر تتعرض له حياته. وقال محمود، في كلمة ألقاها خلال اجتماع طارئ للجمعية العمومية لنادي القضاة، إلى أن “مصيره سيكون خلف قضبان السجن”، مشيراً إلى أنه “خبير في التعامل مع التيارات الدينية سواء كانت سلفية أو إخوان مسلمين أو جماعة التكفير والهجرة وغيرها، لأنهم يعتبرون نماذج لا تعرف الله ولا تعرف الحق”. واتهم محمود، رئاسة الجمهورية والحكومات المصرية المتعاقبة منذ ثورة 25 يناير 2011 بالصمت عن قضايا قتل ونهب المال العام والفساد تُحقق فيها النيابة العامة، وأنها لم تتعاون مع النيابة من أجل استكمال تلك التحقيقات، منتقداً بشدة ما يتردَّد عن أن النائب العام وضع قضايا قتل متظاهري الثورة وقضايا الفساد في الثلاجة. وكانت المرة الأولى التي دخل فيها مرسي في صدام مع قضاة مصر في يوليو الماضي حين ألغت المحكمة الدستورية العليا قراره بإعادة مجلس الشعب المنحل، والثانية منتصف أكتوبر الماضي حين أقال النائب العام عبد المجيد محمود وعينه سفيراً في الفاتيكان قبل أن يتراجع عن ذلك بعد أن ساند القضاة النائب العام.
وأصدر 20 من قيادات تيار “استقلال القضاء” بياناً اعتبر الإعلان الدستوري وقرارات مرسي “ردة لا مبرر لها وأنها جاءت على حساب الحريات والحقوق وأنها تقوض سلطة استقلال القضاء”.
وشملت قرارات مرسي أيضاً إعادة التحقيقات والمحاكمات في جرائم قتل المتظاهرين التي ارتكبت ضد الثوار.
وقرر النائب العام الجديد المستشار طلعت عبدالله إعادة محاكمة الرئيس المصري السابق حسنى مبارك وأبنائه ووزير داخليته حبيب العادلي وعدد من قيادات الشرطة ورموز النظام السابق أبرزهم صفوت الشريف وفتحي سرور الذين حصلوا على براءات من تهمة قتل المتظاهرين رغم عدم ظهور أي أدلة جديدة تثبت تورطهم في تلك الأحداث.
وقد دعت جماعة الإخوان المسلمين إلى مظاهرة حاشدة بعد غد الثلاثاء تأييداً للإعلان الدستوري. وقال بيان لجماعة الإخوان نشر بموقع الجماعة على الإنترنت إن المظاهرة التي ستؤيد مرسي ستنظم في ميدان عابدين الذي يبعد مئات الأمتار عن ميدان التحرير. ودعت الجماعة أيضاً إلى وقفات اليوم في ميادين مصر بعد صلاة المغرب للتعبير عن تأييد الإعلان. في غضون ذلك، واصل المعارضون للإعلان اعتصامهم في ميدان التحرير لليوم الثاني على التوالي، فيما اندلعت اشتباكات في محيط دار القضاء العالي، كما تواصلت الاشتباكات في شارع محمد محمود لليوم السادس على التوالي. وحاول مجهولون، اقتحام دار القضاء العالي لكن الشرطة ومعارضين للرئيس تصدت لهم ومنعتهم من اقتحام المبنى الذي كان يجتمع فيه نحو 3 آلاف قاض. وشهدت المنطقة عمليات كر وفر بين الشرطة والمهاجمين.
وصباح أمس، استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع بشكل كثيف في محاولة لفض اعتصام ميدان التحرير.
وسقطت قنابل الغاز في قلب الميدان ما أدى إلى انسحاب عشرات المتظاهرين منه.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية الدكتور محمد عمرو إن 227 شخصاً أصيبوا في الاشتباكات في أنحاء البلاد منهم 56 في ميدان التحرير.
وأعلنت وزارة الداخلية ضبط 259 من “مثيري الشغب” في أحداث القصر العيني ومحمد محمود من بينهم “13 محكوماً عليه هارب و16 من ذوي السوابق الإجرامية”. وأصيب عشرات المعتصمين بالاختناق جراء الغازات التي غطت سحابة كبيرة منها معظم أرجاء المنطقة المحيطة بالتحرير. وأغلق المتظاهرون الميدان والشوارع الجانبية له أمام حركة سير السيارات لليوم الثاني على التوالي.
وفشل موظفون حكوميون في الوصول لمقر عملهم في مجمع المصالح في الميدان بسبب رائحة الغاز النفاذة.
وكانت القوة السياسية المعارضة للرئيس المصرية أعلنت دخولها في اعتصام في ميدان التحرير اعتراضاً على قرارات مرسي الأخيرة. ودعت القوى السياسية لتجمع حاشد في التحرير بعد غد الثلاثاء.
وأعلنت القوي الوطنية والديمقراطية تشكيل جبهة للإنقاذ الوطني ككيان جامع لكل القوى الرافضة للإعلان الدستوري. كما قررت القوى، في اجتماعها بحضور الدكتور محمد البرادعي وعمرو موسى وحمدين صباحي والسيد البدوي وممثل عن حزب مصر القوية بقيادة عبد المنعم أبو الفتوح، رفضها الحوار مع رئيس الجمهورية قبل إسقاط الإعلان الدستوري ودعم الحشد الثوري في ميادين مصر ودعم الاعتصام السلمي الذي تقوم به جماهير الشعب وشباب الثورة ودعم القضاة ورجال القانون في موقفهم الحاسم بالدفاع عن السلطة القضائية التي ألغاها الإعلان الدستوري غير الشرعي. من جهته، قال البرادعي إنه لن يكون هناك أي حوار مع مرسي حتى يتراجع عن الإعلان الدستوري”.
وأضاف بعد محادثات مع معارضين “لا مجال للحوار عندما يقوم ديكتاتور بفرض أشد الإجراءات قمعاً وبغضاً ثم يقول دعونا نسوي الخلافات”. وأضاف قائلاً “إنني أنتظر لأرى بيانات إدانة قوية للغاية من الولايات المتحدة ومن أوروبا ومن أي شخص يهتم حقاً بكرامة الإنسان وأتمنى أن يكون ذلك سريعاً”.