يودع المسلمون عاماً هجرياً مليئاً بالأحداث الحلوة والمرة على الصعيدين العام والشخصي وتستمر الحياة، ليستقبل الناس عاماً جديداً ملؤه التفاؤل مع إشراقة شمس تجلي ظلمة الليل وتكشف عن ذلك الصبح البديع مع زقزقة العصافير، وتبرز به نظرة الأمل لمستقبل جميل يتكاتف فيه الأخ مع أخيه وتسود فيه كل معاني الحب العفوي الصادق، وينعم كل مسلم بالسعادة بعيداً عن العداوات التي لا طائل منها ولا تأتي إلا بدمار الأرض وسواد القلوب.
بالأمس كان الجميع بيننا بعضهم قد فارقت روحه هذه الدنيا وبعضهم فضلوا الابتعاد ربما من غير سبب ودون خط رجعة، لكن تظل ذكراهم وهم أمام أعيننا وفي البال يزالون لم يرحلوا، نعم فالحياة لا تستدعي أن نتخاصم لأنها ليست سوى طريق عبور، نغرس فيها بذور الخير لنجني منها صنوفاً من ثمار الجنة اليانعة، كما إن الرفق إذا ما كان في شيء إلا زانه وما نزع منه إلا شانه.
على المسلم أن يبدأ كل أموره بتحية الإسلام ليعم السلام وترتاح النفوس، وهنا نتذكر الذين جمعتنا بهم الأيام من الأصدقاء والأحبة، فقد عشنا معهم لحظات أكلنا فيها وشربنا وتقاسمنا معهم الرغيف على نفس المائدة، وجلنا معهم في رحلات بربوع الوطن ووطأنا بعض أرجاء العالم، اكتشفنا فيها المعادن الحقيقية والعون في وقت الشدة والأزمات، لم نكن نألو جهداً إذا اشتكى أحدنا في مراجعته والسؤال عنه، كما لم يكن بقاموسنا ترجمة لكلمة «لا» فقد كنا نتبادل العطاء بكل سخاء، لم ينتظر أحد منا أن يرد على الآخر حتى الشكر والثناء، لأن واجب الصداقة يحتم عليك أن لا تتوقع منهم أي شيء، تلك هي المشاعر الحقيقية التي لا تتستر بقناع الزيف ولا تخالطها المصالح، فأنت معه في الأصل روح واحدة ولو انقسمت بأجساد متعددة ولكن تجمعكم قواسم مشتركة، فكما تحب أنت أن يعاملك الناس احرص على أن تعامل الناس بأضعاف ما تحب أن يعاملوك.
بادر منذ هذه اللحظة إلى أن تفتح صفحة جديدة مع بداية هذا العام مع الكل حتى مع من يحمل عليك، لأنك ستعلم حينها بأن الأمر لم يكن ليستدعي هذه الفرقة الطويلة، واعلم بأن سبب الجفاء قــــد يعـــود لأمور خارجة عن السيطرة لكن حلها ليس مستحيلاً، ما دامت هناك النية الصافية والثقة في من حولك لأنه لن يتعلق بك أحد إلا لأنه يحبك بصدق، فلا توجد هناك أدنى مصلحة في أن يكذب عليك أو يمثل عليك أمراً ليس فيه، فكل شخص يستطيع أن يملك قراره بيده دون أنانية تقضي على أحلام قد رسمها الآخر، وبذلك تكون قد جربت فعلاً لذة الحياة.
عبدالله الشاووش