كتب - المحرر الثقافي:
«بظهور الخط العربي ربحت الحضارة الإنسانية والتراث العالمي نوعاً جديداً وفريداً من الفنون التشكيلية وفي تصوري أن الفنان العربي في إبداعاته المتنوعة واستخداماته المتعددة للخط العربي استطاع أن يسبق منذ زمن بعيد حركة الفن التشكيلي المعاصر في نزوعه إلى التجريد»، هكذا تحدث الفنان الإسلامي محمد عبدالشافي البنا مع «الوطن» عن عبقرية الحرف العربي وجماله وبهائه، ثم تحدث عن المحاور الخمس التي يجب توافرها في اللوحة الفنية بصفة عامة واللوحة الخطية بصفة خاصة والتي ستكون محور حديثنا معه من حيث الكتلة والفراغ والخط واللون ثم التكوين والإيقاع والضوء والظل وأخيراً الحركة والسكون.
الكتلة والفراغ
ويتحدث الفنان عبدالشافي عن الكتلة والفراغ في العمل الفني قائلاً إننا نستطيع القول بأن الفنان العربي أنجز أعظم لوحات تجريدية منذ وقت مبكر باستخدامه وحدات الحرف العربي مستغلاً في ذلك قدرة الخط العربي الهائلة على التشكيل وقابلية حروفه للمد والبسط والصعود والهبوط واللين والحدة حتى عند تعامله مع الكائنات الحية والأوراق والغصون النباتية التي زين بها خطوطه السابقة لم يحاك الطبيعة وهو يوظفها لملء الفراغات بل ابتكر حلوله الخاصة في تلخيصها وتحويرها واختزالها وتجريدها وفي محاولته للحروب من المحاكة نجح الخطاط العربي في التوصل لحلول جديدة هي أقرب إلى التجريد بمفهومه المعاصر وإبداع لوحات تنتمي عن جدارة للفن البصري الحديث. وتتجلى الملامح العامة لفلسفة فن الخط العربي بشكل خاص والفنون الإسلامية بشكل عام في الابتعاد عن محاكاة الطبيعة واللجوء إلى أبسط الحلول لكتابة الخطوط البسيطة ذات البعد الواحد وسيادة الروح الصوفية التي تتجلى في لوحات الخط العربي والبناء المحكم المتوازن وملء الفراغ.
الخط واللون
ويواصل الفنان عبدالشافي حديثه عن مضمون الخط واللون في اللوحة الفنية قائلاً إن فنان الخط العربي لم يفكر يوماً ما في أن ينتقي موضوعات لوحاته من العالم الخارجي المحيط به مثلما يفعل أي فنان تشكيلي ولكنه يحرص دائماً على أن يستلهم من داخل روحه تكويناته ولوحاته ويندمج بذاته كلياً في موضوعه الذي يبدعه وربما يكون ذلك هو الجزء الصوفي لدى فنان الخط العربي أثناء ممارسة عمله الخلاق في لحظة الإبداع ولذا فإن الفنان الإسلامي كان دائماً يعبر عن لوحاته بذاته أما مهمة الفنان التشكيلي فكانت دائماً التعبير عن مشهد خارجي ينتقيه مما يحيط به من موجودات في الطبيعة. فإذا أمعن النظر في لوحات الخط العربي سنجد أن الحرف العربي ينفرد بذاته بين خطوط وكتابات كل لغات العالم باستخداماته الزخرفية والفنية فقد طور الخطاط العربي كتاباته من أداة لنقل المعرفة ووسيط للتدوين والكتابة إلى فن جميل له أصوله وفروعه ومشتقاته وله مقوماته وقواعده وجمالياته الخاصة حتى صار ركناً أساسياً من مكونات الهوية الفنية والثقافية للفنون العربية والإسلامية.
التكوين والإيقاع
بينما يتحدث الفنان عبدالشافي عن وحدة التكوين والإيقاع قائلاً إن الحروف العربية ليست أشكالاً مجازية محملة بمعان محددة كأداة لنقل المعرفة ولكنها في حقيقة الأمر أشكال مجردة ليست تقليداً لشيء ما في الطبيعة فالحرف العربي يتكون من خطوط مجردة مستقيمة ولينة تصنع في اتصالها وانفصالها وتضاغطها وتخلخلها أنواعاً من العلاقات الهندسية والحرة تحقق قدراً عالياً من التوازن وتوحي بالتجريد من خلال تراكيب هدفها جمالي وبصري فضلاً عما تحمله هذه الخطوط من معاني جليلة وما تتضمنه من أقوال أو آيات قرآنية مقدسة. ومن خلال هذه الملامح العامة لجماليات وخصوصية فن الحرف العربي كان من البديهي أن ينجذب إليه كل فنان تشكيلي سواء كان أوروبياً أو عربياً ويقترب من هذا العالم الصوفي لفن الخط العربي ويدرك ببصيرته الفنية أسرار جماليات الخط العربي ومن هنا بدأ التأثر وتجلت روح الخط العربي في أعمال كثير من الفنانين العالميين الذين جاؤوا إلى الشرق مدفوعين بشغف العاشقين للفنون الإسلامية بشكل عام ولفن الخط العربي بشكل خاص حتى أن فن الخط العربي تحول عند بعض الفنانين المشهورين إلى مصدر إلهام لهم وأصبحت لوحاتهم الفنية المعاصرة تحمل دائماً بصمة لا تخطئها العين تحمل ملامح تأثرهم بمفردات وتكوينات وإيقاعات الخط العربي.
الضوء والظل
بينما تحدث الفنان عبدالشافي عن ظاهرة الضوء والظل في العمل الفني قائلاً لقد امتدا في التأثير الطاغي للحرف العربي في أعمال العديد من الفنانين التشكيليين العرب المعاصرين مؤكدين انتماءهم العميق لتراثهم الإسلامي العربي واستلهامهم للحروف العربية والخط العربي في إبداع لوحاتهم مؤكدين حميمة الصلة بين الخطوط العربية والفن التشكيلي المعاصر ويأتي على رأس هؤلاء الفنانين: صلاح طاهر، حامد ندا، سامي برهان، ضياء العزاوي، طه حسين، رمزي مصطفى، عمر النجدي، عادل العبيري، عبدالله الوليدي، سليمان الحلوة، تركي محمود، فائز الحارث ، نجا مهداوي وغيرهم كثيرون من كبار مبدعينا العرب. وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً من الشك بأن الخط العربي هو فن تشكيلي وفن بصري رائع قادر على منافسة لوحات كبار الفنانين العالميين والعرب بل إنه أكثر تماسكاً وتكاملاً لأن لوحات الخط العربي فضلاً عن كونها فن قائم بذاته إلا أنها تقدم مضموناً وتحمل رسالة إسلامية سامية إلى العالم.
الحركة والسكون
وفي نهاية اللقاء تحدث الفنان عبدالشافي عن فكرة الحركة والسكون في اللوحة الفنية قائلاً قد لا نتفق كثيراً مع القائلين بأن الخط العربي تأثر بالبناء الفني للوحة الفن التشكيلي ولكن نود هنا أن نؤكد بأن الخط العربي هو أحد فروع الفن التشكيلي الهامة والمؤثرة وأنه حالة متقدمة ومبتكرة من حالات الفن التشكيلي تمت معالجتها برؤى فنية ذات خصوصية تفرد بها الجمال الآخذ لتركيبات وبناء وتشريح الحرف العربي وأن فن الخط العربي ولد عملاقاً في أحضان النص القرآني وتطور على أيدي كوكبة من المبدعين الأوائل الذين صاغوا جمالياته ووضعوا قواعده وأصوله وهو حالة من حالات الإبداع الروحي والصوفي تجلت فيه منذ بداية ظهوره كل مقومات وعناصر اللوحة الفنية التجريدية في أبها صورها وأتم بنائها بل إننا نزعم بأن الفن التشكيلي عموماً وليس المعاصر فقط قد تأثر بجماليات الحرف العربي بل الفنان التشكيلي الذي استخدم الحرف العربي في معالجة لوحاته والحرفيون يمثلون رافداً من روافد فنون الخط العربي المتعددة والمتنوعة ولذا فإن الخط العربي أثرى ساحات الفن التشكيلي على مر العصور وعلى مر اتساع رقعة الإبداع العالمي.