أعلنت المنامة أمس عن نفسها عاصمة للسياحة العربية خلال مؤتمر صحافي من قلب العاصمة الروسية موسكو ، بالتزامن مع انتقال معرض “تايلوس” من متحف الأرميتاج إلى متحف “موسكو”، بحضور سفراء الدول العربية في روسيا ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغادانوف إضافة لعدد من خبراء الآثار والسياحة، ومشاركة إعلاميين ومهتمين بالشأن الثقافي والحضاري. وأعربت وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة عن سعادتها بالمنجز الثقافي المشترك والتبادل الحضاري ما بين مملكة البحرين وجمهورية روسيا الاتحادية، مشيرةً إلى أن هذا التعاطي الفريد والصياغة الحقيقية للهوية الشعبية وتمريرها ما بين جغرافيتين مختلفتين يقلص المسافات المادية وينتقل إلى مرحلة أخرى من التمرير والتجاوب الثقافي وتشكيل مشاهد مغايرة ومكثفة.وقالت مي بنت محمد: “حملت مملكة البحرين بداخلها في عاصمة الثقافة تجربة فريدة مع روسيا، لقد تمكنا من إيجاد التحام عميق ما بين شعبين غزيرين بإرثهما وحضاراتهما المتلاحقة، ولأننا في الثقافة نمتلك لغة فريدة، فإننا اليوم نمتلك استحقاقًا آخر يتمثل في عاصمة السياحة العربية، حيث نخرج إلى أبعد من جغرافياتنا الضيقة إلى حميمية هذا العالم”، مشيرة إلى أن “كل المشاهد التي استعدناها في التجربة الماضية تحتاج اليوم إلى تشكيل آخر، فإيقاع الحياة يتطلب منا تحقيق منجزات ومتجاورات عديدة تلائم الوتيرة المتسارعة لهذا العالم”. وحول تجربة المعرض البحريني “تايلوس: رحلة ما بعد الحياة” أشادت وزيرة الثقافة بهذا المنجز الفريد، مبينة أن هذا الحدث تحديدًا يمثل ذات الرؤية التي تطمح البحرين تفعيلها خلال المرحلة المقبلة.وقالت: “أرى أننا تمكنّا من تحقيق السياحة بخطواتها المرجوة حينما جئنا إلى روسيا بواحد من أهم المعارض البحرينية (تايلوس) وحين اتخذنا من المعتقدات القديمة ذريعة لنجول بها العالم بدءاً من روسيا التي استضافت منذ يوليو الماضي معرضنا الجميل، وهي اليوم تنقله إلى عاصمتها، وهذه المجالات البصرية تخرجنا من حالات التنميط السماعية أو الاعتيادية إلى ملامسات قريبة وحقيقية تضعنا أمام المكونات التاريخية بجذرها الإنساني وفكرة الوجود”.وحول فكرة عاصمة السياحة وسعيها لتشكيل بنية تحتية عربية مشتركة، أشارت وزيرة الثقافة إلى أن البرنامج يعتمد خلال عام متواصل على أربعة فصول مختلفة، تتناوب في عرض مواضيع محددة، يتسم كل موسم فيها بثيمة مغايرة، تبدأ في الأول منها من خلال السياحة الثقافية والتي تمتد منذ يناير وحتى مارس المقبل، تتبعها في الأشهر الثلاثة اللاحقة فكرة السياحة الرياضية. أما الموسم الثالث فيقع ما بين شهري يوليو وسبتمبر ويركز على السياحة الترفيهية بفروعها الاقتصادية والعائلية وغيرها. كما يختص الشهر الأخير بالسياحة الخضراء التي تركز على التركيبة البيئية والمفاهيم الطبيعية وأهميتها في جاذبية الأمكنة والجغرافية. واستعدادًا لهذه الفصول، فقد جهّزت وزارة الثقافة العديد من الموارد الثقافية والسياحية متمثلة في الأنشطة والفعاليات المستمرة على مدى العام 2013.وافتتحت مي بنت محمد بعد المؤتمر، معرض “تايلوس: رحلة ما بعد الحياة” بمتحف الفنون الشرقية في العاصمة الروسية موسكو بمشاركة العديد من الشخصيات العالمية والوفود المعنية بالتراث والمتاحف، وذلك بعد تحقيقه نجاحًا مذهلاً في الفترة الماضية خلال إقامته بمتحف الأرميتاج في مدينة سانت بطرسبورغ منذ موعد افتتاحه في بداية شهر يوليو الماضي بحضور صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المفدى، حيث تشير إحصائيات المتحف إلى أن عدد الزوار قد بلغ نصف مليون زائر وسائح من مختلف أنحاء العالم. يقدّم معرض “تايلوس” اختزالاً متحفيًا وتراثيًا إلى فكرة الانتقال إلى الحياة ما بعد الموت، وتحاكي السلوك الإنساني في الحقبة الواقعة ما بين القرن الثاني قبل الميلاد وحتى الثالث بعد الميلاد من خلال أربعة متوازيات مختلفة، تلامس في أحدها “تايلوس الجزيرة في تقاطع المعتقدات الهلنستية”، فيما تنتقل في تقديمها الثاني إلى “آثار الدفن”، ومن ثم المبحث البصري والتاريخي الثالث القائم على فكرة “الموت في تايلوس: رحلة معدّة للحياة اللاحقة” حيث تشارك الزائرين طقوس الدفن والتعامل البشري الفريد مع معتقداته، وأخيرًا “التواصل مع الآلهة” الذي يكشف جزءاً مثيراً من العلاقة ما بين الإنسان وفكرة الرب في رحلة ما بعد الحياة. وتبحث هذه السلسلة التاريخية بفصولها الأربعة فكرة البعث كمعتقد ديني واجتماعي، حيث تركت هذه المعتقدات كنوزاً أثرية ومقتنيات قديمة تقدّم في تفصيلها شروحات بصرية وواقعية لتلك الحيوات، وتستدرج سلوك إنسان تلك الفترة. ويهدف هذا المعرض إلى استكمال الفصول الحكائية لتاريخ تايلوس من خلال تضمينه ما يقارب 250 قطعة أثرية نفيسة من مقتنيات متحف البحرين الوطني، والتي تعالج أهم الملامح التاريخية والتفاصيل الدقيقة للشعائر الدينية للإنسان القديم، وتستعرض عادات الدفن ومرحلة الاستعداد للانتقال للحياة الأخرى بتوثيق دقيق يعتمد على المادة الأثرية وتُركات الشعوب الإنسانية القديمة من قطع الأواني، المجوهرات، أدوات الزينة، العملات والقطع الأثرية، المنحوتات والتحف، رفات الموتى وغيرها. وليس غريباً أن يتم توارث هذا المعتقد الديني إلى حضارة “تايلوس” إذ سبقتها في ذلك حضارة “دلمون” التي آمن السومريون فيها بأرض دلمون كجنة مقدسة تمنح ساكنيها الخلود. وقد شكّلت المفاهيم التايلوسية فرادة وتميزًا في التعاطي، إذ تظهر في التنقيبات الأثرية والأعمال المتحفية فكرة الاستمرارية والتعميم لمفهوم الآخرة وحياة ما بعد البعث بصورة قوية. وثمة اعتقاد يتزامن مع هذه المرحلة، تشير فيه الأبحاث العلمية التراثية إلى أن تايلوس كانت مرفأ لأسطول الجيش اليوناني في منطقة الخليج العربي، الأمر الذي أدى إلى تلاقح فكري ومعرفي ما بين اليونانيين وأهل تايلوس، ولكن لندرة المستوطنات آنذاك فإن الدلائل كلها تشير إلى أن الفكرة السائدة آنذاك هي تلك القائمة على المجاذبات ما بين فكرة الوجود والممارسات الجنائزية. تجدر الإشارة إلى أن المعرض انطلق في وقت سابق بمملكة البحرين خلال شهر “المتاحف” الذي يوافق شهر “مايو”.. عاصمة الثقافة العربية للعام 2012م”، ثم انتقل في شهر يوليو إلى متحف الأرميتاج” بمدينة سانت بطر سبورغ الذي يفرض مواصفات واشتراطات عالمية ودقيقة للمعارض المشاركة فيه.