أحسنتم صنيعاً وبوركت أيديكم نعم فلما لا وأنتم من صنعتم بأرواحكم وقلوبكم الصادقة قبل أجسادكم لوحة إيمانية تمازجت فيها روحانية الموقف بنسب الديار والوطن، لوحةً تشكلت هناك وشكلتموها بنسق تميزتم به فكان الاستحقاق هذه المرة معبراً، حتى باتت عادةً وبدعة حسنة أهنئكم عليها وأرفع القبعة احتراماً وثناءً لكم عليها، فكانت زيارتكم للديار المقدسة في إجازة التاسع والعاشر من محرم الحرام رائعة بمعنى الكلمة، رفعتم الأكف متوجهين لربكم ملبين مهللين حامدين داعين بالرحمة والمغفرة، مثلتم وطنكم مملكة البحرين خير تمثيل، حتى نسبت تلك العمرة باسم البحرينيين من أصحاب الديار المقدسة أنفسهم، فالدولة الوحيدة في العالم التي تمنح لمواطنيها إجازة يومين بمناسبة ذكرى عاشوراء، ضاربة المثل في التسامح والحريات الدينية بما يتناسب مع جميع مواطني مملكة البحرين، حيث يمارس المسلمون شعائرهم الدينية دون تضييق.
تواجد أكثر 15 ألف بحريني في مكة المكرمة خلال الإجازة الماضية مستفيدين من اتصال أيامها مع إجازة نهاية الأسبوع لأداء العمرة، بعد أن اكتظت مكاتب حملات الحج والعمرة بالحجوزات التي تسابق الجميع ليحظى بفرصته فيها، حيث أصبح أصحاب الحظ السعيد هم من حصلوا على تأكيد لرحلتهم لزيارة مكة المكرمة، وانطلقت القوافل الكبيرة التي ملأت جسر الملك فهد على مد البصر، يدفع من زار هذه الديار منهم الشوق لأداء تلك المناسك والتجوال في المحلات التجارية، ويتمنى من لم ير الكعبة المشرفة أن يقترب منها بعد أن كان يشاهدها في التلفاز، لا يتمالك الشخص عبراته الخاشعة حين يراها رؤيا العين، وتمر عليه لحظات يحب فيها أن يجلس متأملاً كيف كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يمشي بين ربوعها، وكيف أنه عذب وقاسى من أجل أن يجتمع الناس على دين الإسلام. في كل فرض تراهم يسيرون متوجهين للحرم المكي بحركة دائمة حتى بين كل صلاة لا يثنيهم عمل آخر عن استغلال هذه اللحظات التي تمضي سريعاً، لتنقضي تلك الليالي في الطاعة والعبادة دون أن يلتهي الإنسان في ملذات وملاهي الحياة، تلتفت يمنه ويسرى وتستمع للهجة أهل البحرين ولا تشعر إلا وكأنك في وطنك، بل لا تجد صعوبة في تميز البحرينيين عن إخوانهم من الدول الأخرى، والجميل في الموضوع أنك قد تشاهد أشخاصاً لم ترهم منذ فترة في مملكة البحرين، وربما لم ترهم منذ سنوات طوال إلا أنك قد تسامره في جلسة تحفها الذكريات والمواقف، وتلتقون في أطهر بقعة على وجه الأرض، نعم فهي الأرض المباركة وما حولها منذ أن بدأت الخليقة، وترى الناس في الأسواق يبحثون عن التمر وماء زمزم، كما وأنواع البخور والأكسسوارات والهدايا لأسرهم وأصدقائهم، ليرجعوا بها ويحكوا تفاصيل تلك الأيام التي لا تنسى. انتهى فصل من صفحات ذلك الكتاب لأيام يتمنى الإنسان أن لا تنتهي لكنه حتماً سيعود لها بين فترة وأخرى بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وكله أمل بأن تعود هذه الأيام على كل من شارك ومن لم يشارك فيها وأن يمد الله بأعمارهم، وهنا لابد من تذكير الشباب والشابات دائماً على ضرورة المحافظة على روحانية المكان وأن لا تكون هذه الزيارة مجرد رحلة استجمام، ليكونوا بقدر الثقة التي منحهم إياها آبائهم ودينهم كسفراء يتشرف بهم ديننا الإسلامي الحنيف، فإنهم مسؤولون عن أعمالهم فتضاعف فيها الحسنات كما السيئات وكل عمل مكتوب في صحيفة الأعمال، وليعرفوا بأن بما يفعلونه من عمل صالح قد يكونون سبباً في إنارة قلب أحدهم ودخوله إلى الإسلام، فكثير من المهتدين قد دخلوا الإسلام بالمعاملة والأخلاق الحسنة ولنفتخر بأنها عمرة بحرينية.
عبدالله الشاووش