قال أخصائي التخاطب بمركز العناية بمتلازمة داون التابع للجمعية البحرينية لمتلازمة داون أمير علي محمود السيد إن «طفل متلازمة داون بحاجة إلى تنبيه خارجي من البيئة لكي يثير قدرته اللغوية لتتطور وتنضج»، مشيراً الى أن «المتلازمة من أكثر الظواهر انتشاراً في العالم، وهي عبارة عن زيادة عدد المورثات الصبغية عند من لديهم متلازمة داون، بحيث يكون إجمالي الموثات الصبغية لديهم 47 مورثاً، بينما يكون العدد الطبيعي للشخص العادي هو 46 مورثاً. ما يترتب عنه تغييرات كبيرة أو صغيرة في بنية الجسم متمثلة غالباً في ضعف العقل والنمو البدني، وهذه التغيرات تتسبب حتمياً في تأخر نمو اللغة لديهم».
وأضاف أمير علي أن «اللغة تعتبر أحد وأهم الأوجه التي ابتدعها الإنسان للتخاطب، والتعبير عن الذات وبدون اللغة لا يستطيع الفرد تلبية احتياجاته أو إشباع رغباته».
ولفت الى ان «القدرة على اكتساب اللغة شيء جدير بالملاحظة لعدة أسباب هي كون اللغة منتظمة في كل الجنس البشرى، وخاصة بالنوع البشري، كما إنها تتسم بالسرعة النسبية والكمال فبالرغم من تعقد النظام اللغوي إلا أن الشخص ينجح في التمكن من اللغة خلال السنوات القليلة الأولى من عمره».
وأوضح أمير علي أنه «قد تم تقديم عدة نظريات تفسر كيفية اكتساب الطفل اللغة وقد قامت هذه النظريات على 3 اتجاهات تتعلق بإكتساب اللغة وتتضمن هذه الاتجاهات الآتي:
^ الاتجاه الأول: نظريات العلم أو النظريات التجريبية وهذه النظريات تؤكد أن اللغة يتم اكتسابها عن طريق اقتران السلوك اللفظي بالمواقف التي يتم فيها مكافأة الطفل بطريقة مناسبة بحيث يتم تأكيد الاستخدام المستمر لهذا السلوك اللفظي. وتتبنى هذه النظريات وجهة النظر التجريبية التي تعتقد أنه ليس لدينا قدرة فطرية خاصة لاكتساب اللغة ونحن نكتسب اللغة وقواعدها من خلال التدريب الذي نتلقاه ونحن أطفال، وطبقاً لوجهة النظر التجريبية فإننا نبدأ كألواح بيضاء والنظام اللغوي الذي يكتسب في النهاية على هذه الألواح يبنى بطريقة ما من النقش الذي يتحدد تركيب بالتجربة وحدها ونحصل على التجربة من البيئة المحيطة، هذا ويمكن عرض أمثلة لنظريات هذا الاتجاه في الآتي ومن أبرزها نظرية التشريط الأدائي لسكينر 1957، والتي ترى أن اكتساب اللغة يتم من خلال قوانين التشريط الأدائي التي تؤكد أن قوة الفعل تزيد كلما تلا منبه معزز وتقل كلما اختفى هذا المعزز، وهكذا يفترض أن اكتساب اللغة ينتج عن المكافأة المادية أو اللفظية للطفل لقوله كلمات جديدة أو حتى أصوات تشبه كلمات.
وتطرق امير علي للحديث عن مساوئ نظريات التعلم مشيرا الى انها لا تشرح كيف يكتشف الطفل معاني وقواعد تركيب الجمل حيث أن الطفل لا يكتسب فقط القدرة على إخراج نطق لغوي تبعاً لعمليات المنبه والاستجابة ولكنه أيضاً يكتسب قاعدة جهاز داخلي معقد يجعله قادر على إنتاج جمل نحوية لم يتعرض لها من قبل وأيضاً فهم الجديد مما يقال، ومن ثم فإن نظريات التعلم قد أخفقت في شرح عملية اكتساب اللغة.
^ الاتجاه الثاني: النظرية الفطرية: وتعلق النظرية الفطرية اكتساب اللغة على حقيقة مؤداها أن الجنس البشرى مهيأ فطرياً لاكتساب اللغة ووجهة النظر التي يتبناها هذا الاتجاه تسمى «التبرير» بمعنى أن النضج اللغوي يكن تفسيره في ضوء خصائص فطرية معينة للكائن البشرى وليس على أساس التجربة والتعلم حيث أن الجنس البشرى مهيأ للكلام واكتساب اللغة تماماً مثل السمك المهيأ للعوم حيث تفترض النظرية الفطرية وجود نظام فطرى قادر على برمجة اللغة ويعمل تعرض الطفل في بيئته للغة على تنشيط وليس تشكيل قدرته اللغوية.
وهناك نقاط تؤيد الفطرية منها أن التمكن من اللغة قاصر على النوع البشرى فقط، وأن لبدء وتطور اللغة لدى الطفل نظامها الثابت والمنتظم، كما إن جميع لغات العالم تخضع لمجموعة من الخواص الصوتية اللفظية والسياقية والدلالية، إضافة إلى أن الإنسان له ارتباط تشريحي ووظيفي بالنشاطات اللغوية «السيادة الدماغية».
ويعيب على النظرية الفطرية أن نقطة الضعف فيها هي الفشل في تفسير دور التعزيز في التعلم والذي لا يمكن أن ينكره أحد.
^ الاتجاه الثالث: النظريات الممزوجة: ويمثل هذا الاتجاه الامتزاج بين الاتجاهين لسد الفجوة بين النظرية الفطرية ونظريات التعلم حيث إنه بالرغم من أن جهاز اكتساب اللغة ضروري لاكتساب اللغة إلا أنه لا يمكن إعطاء الطفل الفضل في اكتساب جميع القواعد الممكنة لاستخدام اللغة ويفترض أن بعض الخواص التركيبية للغة تحدد فطرياً ولكن البعض الآخر يتم اكتسابه للطفل نتيجة للتعرض لعينات لغوية من البيئة حيث إن الملامح الدلالية التي يتعلمها الطفل تستطيع إنماء وتطوير الفئات النحوية التي يدل عليها جهاز اكتساب اللغة ولذلك فإنه لا يهمل التعلم من البيئة المحيطة.
وخلص أمير علي إلى أن «النظريات الممزوجة تعطي تفسيراً منطقياً أكثر وضوحاً حيث إن تماثل عملية اكتساب اللغة يمكن إيضاحه بوجود العمليات الفطرية وفي نفس الوقت لا يمكن إهمال دور عمليات المنبه والاستجابة بأنواعها المختلفة في التعلم ومن ثم فطفل متلازمة داون في حاجة إلى تنبيه خارجي من البيئة لكي يثير قدرته اللغوية لتتطور وتنضج».