تحتفل مملكة البحرين في 16 ديسمبر من كل عام بالعيد الوطني للبلاد، فما مغزى مثل هذه المناسبة الوطنية؟ وما هي دلالاتها؟
عادة ما تحدد دول العالم أياماً وتعتبرها مناسبات وطنية، يتم الاحتفال بها بشكل سنوي، وتكون لها دلالات رمزية على المستوى الوطني بحيث ترمز إلى ذكرى وطنية مرّت بها الدولة في مرحلة تاريخية معينة. وعادة ما ترتبط مثل هذه المناسبات باستقلال الدولة، أو تأسيسها، أو حتى تولي حاكم معين مقاليد الحكم فيها، أو يمكن أن ترتبط بانتصار ثورة شعبية قامت فيها.
الأعياد الوطنية تمثل مناسبة سنوية مهمة للدولة للاحتفال فيها بسيادتها وتتم فيها مراجعة منجزاتها الحضارية في مختلف المجالات. وتختلف دول العالم في الاحتفال بهذه المناسبة، فعلى سبيل المثال، تحتفل باكستان سنوياً بثلاثة أعياد وطنية تحمل المسمى نفسه. ويمكن أن تختلف دول العالم في تسمية العيد الوطني الخاص بها، فمثلاً تطلق أسبانيا على عيدها الوطني بيوم كولومبوس الذي تحتفل به في 12 أكتوبر من كل عام بذكرى وصول كريستوفر كولومبوس للقارة الأمريكية. أما فرنسا فتحتفل سنوياً بعيدها الوطني في 14 يوليو ويطلق عليه يوم الباستيل الذي كان بداية للثورة الفرنسية. وفي الولايات المتحدة التي تحتفل بعيدها الوطني في 4 يوليو يعد يوم الاستقلال الوطني للبلاد.
معظم بلدان العالم لها أيام محددة سنوياً للاحتفال بالعيد الوطني، ولكن بعض الدول ليس لها يوم محدد للاحتفال بهذه المناسبة، حيث يكون التاريخ متغيّراً كل عام، كما هو الحال بالنسبة لجاميكا التي كانت حتى العام 1997 تحتفل بالعيد الوطني في أول يوم أثنين من كل شهر أغسطس سنوياً بسبب استقلالها عن المملكة المتحدة في يوم الأثنين الموافق 6 أغسطس 1962. أيضاً تايلند ليس لها يوم ثابت للاحتفال بالعيد الوطني لأنه مرتبط بعيد ميلاد الملك الذي يصادف الخامس من ديسمبر، وبالتالي فإن العيد الوطني مرتبط بالملك الذي يعتلي عرش المملكة دائماً. وهناك عدد نادر من دول العالم لا يحتفل بالعيد الوطني مثل الدنمارك، والمملكة المتحدة التي طرحت فيها خلال الأعوام الأخيرة عدة مشاريع لتحديد عيد وطني خاص بها. العيد الوطني لمملكة البحرين كان موجوداً قبل تحوّل البلاد إلى مملكة دستورية في 14 فبراير 2002، حيث كان يحتفل بهذه المناسبة منذ استقلال البلاد عام 1971 ولا تزال المناسبة قائمة، رغم إضافة مناسبة أخرى لها وهو 17 ديسمبر ليكون يوماً للاحتفال بعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى.
العيد الوطني للبلاد هو يوم تم اختياره للاحتفال سنوياً بالمنجزات الوطنية التي تحققت في الدولة، وفي الوقت نفسه هو فرصة لتعزيز انتماء المواطنين لوطنهم، وتأكيداً لهويتهم المتنوعة في ظل مفهوم المواطنة.
العيد الوطني لا يعتبر فقط مناسبة احتفالية تشهد فيها الدولة إجازة رسمية، بالإضافة إلى إقامة سلسلة من الاحتفالات الجماهيرية في مختلف أنحاء البلاد، وإنما له من المغزى والدلالات الكثير. فهو يعد فرصة لمراجعة مسارات التنمية في الدولة، وفرصة أخرى لمراجعة الخطط نحو المستقبل، والأهم من ذلك أنه فرصة حقيقية لتعزيز علاقة المواطنين بالدولة، وهي علاقة قد تتأثر بمعطيات كثيرة من أبرزها وجود العديد من الانتماءات والهويات الفرعية داخل الدولة الواحدة وهي انتماءات واقعية وطبيعية في أي مجتمع.
من النتائج التي تترتب على الاحتفال بالعيد الوطني عادة ظهور مجموعة كبيرة من الأنشطة والفعاليات التي تعكس رموز الدولة وهويتها الوطنية، فلذلك يلاحظ ارتباط الاحتفال بهذه المناسبة برفع أعلام البحرين باللونين الأبيض والأحمر، بالإضافة إلى رفع صور القيادة الحكيمة. مثل هذا السلوك يؤكد ارتباط المواطن خلال احتفاله بالدولة وقيادتها وهويتها الوطنية، ومنجزاتها الحضارية. وبالتالي تكون الاحتفالية بمثابة تجديد للانتماء والمواطنة، وتجديد الولاء للدولة وقيادتها، والأهم من ذلك تأكيد استمرار شرعيتها، وحرص المواطنين على دعمها لتحقيق المزيد من تطلعاتهم باستمرار رغم ما يمكن أن تواجه من تحديات سواءً كانت داخلية أو خارجية، أو حتى وإن ارتبطت بالموارد. لذلك فإن العيد الوطني لا يمكن اختزاله كمفهوم بأيام معينة في العام، بل هو سلوك ينبغي أن يمارسه المواطن في الدولة على مدار العام التزاماً منه بأسس ومبادئ المواطنة الحقيقية التي تفرض عليه مجموعة من الواجبات وتعطيه بالمقابل مجموعة من الحقوق.