قال رئيس مجلس إدارة جمعية الإصلاح الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، إن: “ جمعية الإصلاح تبذل قصارى جهدها للتصدي لمشروعات الفتنة والطأفنة، من خلال التركيز على الوحدة الوطنية ومفهوم المواطنة ونبذ الطائفية، وتكوين علاقة جيدة مع الفعاليات السياسية والاجتماعية من كل مكونات المجتمع البحريني، مؤكداً أن الجمعية تسعى إلى طمأنة السلطة السياسية والشعب البحريني بأنها – مع غيرها من القوى المخلصة للوطن، عامل أمن وصمام أمان، ودعا الأطياف كافة إلى التعاون في القضايا السياسية تحت قبّة البرلمان وخارجه، لما فيه مصلحة الدين والوطن”.
ورأى الشيخ عيسى بن محمد، في حوار، أن الأغلبية العظمى من الإسلاميين تتبنى الرأي القائل بجواز الأخذ بآليات الديمقراطية، مع تأكيد تأطيرها بإطار إسلامي يضمن عدم الوقوع في مخالفات شرعية، موضحاً أن أصحاب هذا الرأي يعدّون الديمقراطية من مسائل السياسة الشرعية التي تعتمد الموازنة بين المصالح والمفاسد، وأن ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب، وأن الديمقراطية أضحت وسيلة لتحقيق الرقابة على السلطة وصيانة الحقوق والحريات العامة، كما إنها الطريق إلى الاستقرار السياسي، ومنع حركات التمرد والخروج المسلح، إضافة إلى بشاعة البديل المتمثل باستبداد السلطة، وما ترتب على ذلك عبر التاريخ من مآس وأخطاء.
وأضاف، أن” جمعية الإصلاح لا تحتاج إلى تعريف بدورها الدعوي والخيري والسياسي في المجتمع البحريني، نظراً لأن الحركة الإسلامية تمارس نشاطها من خلال هذه المؤسسة صاحبة تاريخ عريق في البحرين يتجاوز سبعة عقود، وأعمال دعوية وخيرية وسياسية متميزة أكسبتها تقدير واحترام شرائح كبيرة داخل المجتمع البحريني وخارجه”. وفيما يلي نص الحوار:
^ في البداية نحتاج تعريف بالجمعية والمدرسة الفكرية التي تنتمي إليها؟
- لجمعية الإصلاح تاريخ عريق في خدمة الدين والوطن يمتد إلى قرابة 71 عاماً، فهي جمعية إسلامية تلتزم بالمنهج الإسلامي المستمد من الكتاب والسنة، والقائم على الشمول والوسطية، وتسعى إلى التوجه مع المجتمع، أفراداً ومؤسسات ونظماً، نحو الالتزام بالإسلام بوصفه مرجعية عليا ومنهاجاً شاملاً للحياة وتتعاون مع كافة الجهات الرسمية والأهلية على تنمية الوطن وازدهاره، وتعزيز وحدته الوطنية. كما تعلن بوضوح انتماءها الفكري إلى مدرسة الإخوان المسلمين التي نتبنى نهجها بوجه عام.
كما إن جذور الجمعية هي الإسلام ذاته بما فيه من الخصال العظيمة كالشمولية والوسطية والاعتدال والربانية والإنسانية والتسامح والقيام بواجب الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعون من بعده.
^ كيف تنظرون للحركات الإسلامية التي سبقت وجود حركة الإخوان؟
- لا شك أن الجمعية تستفيد من خبرات الحركات الإسلامية الإصلاحية التي سبقتها، وتستمد من تجارب أعلام الدعوة والإصلاح وتدعو لهم بالخير استناداً لقول الله عز وجل: “والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم” (الحشر: 10).
وكدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، وعاملين من أجل رفعة الدين والوطن، وخير المجتمع ورفعته، فنحن نستفيد من تجارب من سبقنا من الدعاة الصالحين والأئمة العاملين، من أمثال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومحمد رشيد رضا، ومحمد عبده، وعبدالرحمن الكواكبي، وعبد الحميد بن باديس، وعز الدين القسام، وحسن البنا رحمهم الله جميعاً، وكل هؤلاء يؤخذ عنهم ويردّ إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم. وقد اختارت جمعية الإصلاح مدرسة الإخوان المسلمين في الدعوة والتربية كما شرحها ووضح معالمها الإمام حسن البنا رحمه الله، القائمة على مبادئ الشمول والتوازن والاعتدال والوسطية، والمؤمنة بالتسامح والرابطة الوطنية والوحدة العربية والأخوة الإسلامية.
كما إن الجمعية تسلك في دعوتها وحركتها سبيل العمل الإسلامي العلني في إطار القانون، وترفض العمل السري أو البعيد عن القانون ورقابة المجتمع، وترى أن من أكبر إنجازاتها ممارسة العمل الدعوي والسياسي والخيري، وخدمة الدين والوطن والمجتمع من خلال مؤسسات أهلية رسمية كجمعيتي الإصلاح والمنبر الوطني الإسلامي.
^ هل من الممكن أن ترصد لنا في نقاط واضحة أهم ملامح الخطاب الفكري للجمعية؟
- من الضرورة بمكان وضوح المرجعية الإسلامية، فالإسلام بمصادره ومقاصده قوة جمع وتوحيد وضبط لتوجهات الأمة وتطلعاتها، ومصدر إلهام وتجديد، ومادة تفاعل للشعب ورعاية لمصالحه، كذلك وضوح المرجعية الفكرية، ويتمثل في تبني مدرسة “الإخوان المسلمين” الإسلامية العريقة المعروفة باعتدالها ووسطيتها. وكذلك الانفتاح والتفاعل، فالدعوة الإسلامية ليست بنية مغلقة ومعزولة، بل هي كائن حي ينمو ويتعلم ويتكيف في وسط حي. وأيضاً تنوع لغة الخطاب، بحيث يكون قادراً على تغطية واجتذاب قطاعات واسعة من المجتمع، فيراعي بساطة الأكثرية، ويشبع تطلعات النخب المثقفة في آن واحد، وهذا لن يتحقق إلا من خلال البرامج والأنشطة التي تراعي كل المستويات. ومن الملامح الواضحة في خطاب جمعيتنا العلاقة الحكيمة بالسلطة السياسية، إذ لاتزال هذه العلاقة قضية تواجه الحركة الإسلامية منذ عقود، وتتجلى أبعاد هذه المعضلة في الجمع بين أمرين: واجب مواجهة حالات الفساد الإداري والمالي والأخلاقي، لتخليص المجتمع من شرورها، قياماً بالقسط بين الناس. وضرورة التعاون مع هذه السلطة السياسية، أخذاً بدواعي مصلحة الأمة، وللمحافظة على السلم الاجتماعي الضروري للدعوة والتنمية، ومراعاة للوضع الطائفي المعقد والخطير في البلاد. ونتبنى في الجمعية المشاركة الواعية والمسؤولة، إلى جانب المعارضة الدستورية الحضارية ويمثل هذا بالنسبة لنا المنهج الوسط بين المقاطعة السلبية والمغالبة المهلكة، مع التأكيد أن هذه المعارضة الدستورية الحضارية هي الوجه الآخر للمشاركة الإيجابية الحقيقية، وأنها لا تعني مشاركة التبعية والذوبان. ولا ننسى السياسة الحكيمة في المسألة الطائفية، فخطاب الحركة موجه في الأساس إلى كل أبناء الوطن، حرصاً على الوحدة الوطنية والتعايش السلمي والوئام المدني، كما إن كل مواطن أيّاً كان انتماؤه هو مناط دعوة الحركة، مع الوعي في ذات الوقت على ضرورة التصدي للمشاريع الطائفية المدعومة من الخارج، وتقوية الصف الوطني وتوحيده. كما إن لنا مواقف واضحة فيما يتعلق بالقضايا المهمة مثل: الديمقراطية والتعددية، والحقوق والحريات، ودور المرأة، والفساد المالي والإداري، وسوء توزيع الثروة... إلخ. ونهتم بالجانب التنموي، من حيث الاهتمام بالاقتصاد، والبحث العلمي والتكنولوجيا، والتعليم والتنمية البشرية، والبيئة، وأزمة البطالة وغيرها. ونبذل جهدنا في استيعاب خصائص الإسلام، من خلال خطاب معتدل ومتوازن، دون إفراط أو تفريط.
^ كيف يمكننا أن ندرك الفرق بينكم وبين العديد من الحركات الإسلامية في الساحة؟
- لا شك أن الصحوة الإسلامية أفرزت عدة تيارات ومدارس واتجاهات إسلامية، يوجد بينها الكثير من التفاوت المنهجي، الذي يمتدّ ويتّسع أحياناً، ويقل ويضيق أحياناً أخرى. فهناك حركات تبنت – وللأسف الشديد – منهجية تكفير الحكومات والمجتمعات وجماهير الناس بالجملة. وهناك جماعات تسلك مسلك العنف واستخدام القوة، وهناك حركات التشدد والجمود: الجمود في الفكر، والحَرْفية في الفقه، والتعسير في الفتوى، والتنفير في الدعوة، والخشونة في التعامل. وهناك الحركات السياسية البحتة التي تمارس السياسة في معزل عن شمولية الإسلام وما علم من الدين بالضرورة من أحكام الحلال والحرام. وهناك جماعات تقتصر على الجانب العبادي والانقطاع عن الدنيا والاقتصار على الآخرة.
وهناك - ولله الفضل والمنّة - حركات الوسطية والاعتدال، وهي الأوسع قاعدة، والأكثر أتباعاً، والأرسخ قدماً، والأطول عمراً، والتي منها حركة الإخوان المسلمين.
^ كيف تنظرون في الجمعية للمشروعات الطائفية الموجودة في المنطقة؟
- للجمعية موقف ثابت في هذا الإطار، فهناك عوامل إقليمية أدت إلى تقوية المشروعات الطائفية في البحرين والمنطقة اليوم على رأسها حالة التمزق والاختلاف بين دول المنطقة وعدم تفعيل مجلس التعاون الخليجي، ووجود دولة جارة قوية هي إيران، ذات أطماع توسعية واضحة المعالم. وهناك تلاق بينها وبين السياسات الأمريكية في المنطقة. ونحن نرى أن الوضع في البحرين له خصوصية، من حيث وجود تعددية مذهبية، ومحاولة بعض القوى السياسية والدينية في مجتمعنا استغلال التركيبة المذهبية لخدمة أجندة طائفية مدعومة بأطماع خارجية.
ومع ذلك فإن سياستنا هي أن لا ننجر إلى مواجهة طائفية بغض النظر عن الجهة المسؤولة عن إثارة هذه المواجهة. فالوضع الطائفي معقّد وهو غاية في الخطورة.
وفي الوقت ذاته نحن – بوصفنا حركة إسلامية – مسؤولون أمام الله تعالى ثم أمام الشعب أن نقوم بدورنا في حماية الوطن من أية مشاريع طائفية تهدد وحدة الوطن ومكتسبات الشعب، ولنا في ما يجري في العراق اليوم خير درس.
^ هل لديكم برنامج عملي لمواجهة هذه المشروعات الطائفية؟
- نحن في جمعية الإصلاح سنبذل بعون الله تعالى قصارى جهدنا للتصدي لمشروعات الفتنة والطأفنة وذلك من خلال التركيز على الوحدة الوطنية ومفهوم المواطنة ونبذ الطائفية، وتكوين علاقة جيدة مع الفعاليات السياسية والاجتماعية من كل مكونات المجتمع البحريني. كما نسعى إلى طمأنة السلطة السياسية والشعب البحريني بأننا – مع غيرنا من القوى المخلصة للوطن - عامل أمن وصمام أمان. وندعو إلى التعاون مع كافة الأطياف في القضايا السياسية تحت قبّة البرلمان وخارجه، لما فيه مصلحة الدين والوطن.
ويكون حراكنا السياسي ضمن الثوابت الثلاثة للوطن: الهوية الإسلامية، الانتماء العربي، والاعتراف بالشرعية السياسية القائمة. ونعمل على بث الروح الوحدوية في الشعب الخليجي وتحويلها إلى واقع ملموس. ونعمل كذلك على إيجاد كيان قوي متماسك يمثل كل أصحاب التوجه الوطني.
^ كثيرون يرون في حب الوطن نوعاً من العصبية الجاهلية، فما هو موقفكم من هذه القضية؟
- نحن نرى أن حب الأوطان فطرة أصيلة في النفوس، والمسلم الحقيقي لا يكون إلا مخلصاً وفياً لوطنه، مستعداً للتضحية في سبيله. وحين هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة دعا ربه فقال: “اللهم حبّب إلينا المدينة كما حبّبت مكة أو أشدّ” متفق عليه. وكان عليه الصلاة والسلام قد خاطب موطنه مكة عند هجرته منها قائلاً: “ والله إنك لأحبّ بلاد الله إلى الله، وأحبّ بلاد الله إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت” رواه الترمذي. وللوطنية وحب الوطن مكان مرموق وحيز ظاهر في أفكار وِأدبيات الإخوان المسلمين منذ البدايات الأولى لنشأتهم.
أما الإمام حسن البنا رحمه الله فيقول في رسالته “دعوتنا” موضحاً موقف الإخوان من فكرة الوطنية:
«إن كان دعاة الوطنية يريدون بها حب هذه الأرض وألفتها والحنين إليها والانعطاف نحوها، فذلك أمر مركز في فطر النفوس من جهة، مأمور به في الإسلام من جهة أخرى. وإن كانوا يريدون أن من الواجب العمل بكل جهد في تحرير البلد من الغاصبين وتوفير استقلاله وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه فنحن معهم في ذلك أيضاً. وإن كانوا يريدون بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد وإرشادهم إلى طريق استخدام هذه التقوية في مصالحهم فذلك نوافقهم عليه أيضاً”.
^ لايزال موقف الإسلاميين من الديمقراطية غامضاً فما هو موقفكم من هذه القضية؟
- نريد أن نؤكد هنا أن الأغلبية العظمى من الإسلاميين – ونحن منهم - تتبنى الرأي القائل بجواز الأخذ بآليات الديمقراطية، مع تأكيد تأطيرها بإطار إسلامي يضمن عدم الوقوع في مخالفات شرعية. وأصحاب هذا الرأي يعدّون الديمقراطية من مسائل السياسة الشرعية التي تعتمد الموازنة بين المصالح والمفاسد، وأن ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب، وأن الديمقراطية أضحت وسيلة لتحقيق الرقابة على السلطة وصيانة الحقوق والحريات العامة، كما إنها الطريق إلى الاستقرار السياسي، ومنع حركات التمرد والخروج المسلح، إضافةً إلى بشاعة البديل وهو الاستبداد بالسلطة، وما ترتب على ذلك عبر التاريخ من مآس وأخطاء.