قال شيوخ وعلماء إن «خشية المؤمن من الله عز وجل تحول بينه وبين معصية خالقه»، مشيرين إلى «أهمية الخشية من الله في حياة المؤمن»، فيما لفتوا إلى أن «مشكلة المسلمين في الوقت الحالي في كثرة الاستماع أكثر من التطبيق، فلن تؤثر المواعظ إلا في قلوب مستعدة للخشوع والخشية، وعندما يتدبر المرء سلوكه اليومي لابد أن يسال نفسه: هل يخشى الله حقاً؟ أم أن الحياء مفقود، والعزائم ضعيفة، والإرادة واهية، والسنن تندثر، وكما يقول أحد العارفين بالله: «اعلموا ما شئتم أن تعلموا، فلن تؤجروا حتى تعملوا بما تعلموا».
الخوف أم الخشية؟
وأوضح العلماء أن «الفارق جلي بين الخوف والخشية، فالخوف هو الجذع والهروب من الله، أما الخشية فهو خوف مغلف بحب وتعظيم وهيبة ووقار لله تعالى، ويقول العلماء إن الخشية هي التي تحول بينك وبين معصية الله عز وجل، فالعالم من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما سخط فيه، فكل مَنْ كان بالله أعلم، كان أكثر له خشية، وأوجبت له البعد عن المعاصي، والاستعداد للقاء مَنْ يخشاه، وهذا دليل على فضل العلم، فإنه داعٍ إلى خشية الخالق، وأهل خشيته هم أهل كرامته، كما قال تعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)، فليس العلم عن كثرة الحديث، ولكن العلم عن كثرة الخشية».
أهل الخشية من العلماء
وتابع العلماء «في تفسير قوله تعالى: (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ)، فالفاعل هنا: «العلماءُ» فهم أهل الخشية والخوف من الله، واسم الجلالة «الله»: مفعول مقدم. وفائدة تقديم المفعول هنا: حصر الفاعلية، أي أن الله تعالى لا يخشاه إلا العلماءُ». وفي هذا قال الأمام ابن تيمية رحمه الله عن الآية: «وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ خَشِيَ اللَّهَ فَهُوَ عَالِمٌ. وَهُوَ حَقٌّ، وَلا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ عَالِمٍ يَخْشَاهُ»، وتفيد الآية الكريمة أيضاً أن العلماء هم أهل الخشية، وأن من لم يخف من ربه فليس بعالم، ويقول ابن كثير رحمه الله: «إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير أتم والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر».
ويقول سفيان الثوري: «العلماء ثلاثة: عالم بالله عالم بأمر الله فهو يخشى الله تعالى ويعلم الحدود والفرائض، وعالم بالله ليس بعالم بأمر الله فهو يخشى الله ولا يعلم الحدود ولا الفرائض، وعالم بأمر الله ليس بعالم فهو يعلم الحدود والفرائض ولا يخشى الله عز وجل».
وأضاف العلماء «نرى في الأسلوب القراني المتميز لربط الخشية من الله تعالى باسمه الأعظم «الرحمن»، يقول تعالى: (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد، هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ، من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب)، فأسماء الله وصفاته كثيرة ولا حصر لها، ولكن خشية عباده من خالقهم اقترنت برحمته.
الخشية من يوم القيامة
ومن الآثار العظيمة للخشية من الله أنها تقود المرء لمحاسبة نفسه، وهذا من موجبات التربية الروحية، وتقويمها حتى تلتزم بالصراط المستقيم. وأمر الله عز وجل عباده المؤمنين الخشية من مخالفته، وتقويم ما قدموه من أعمال قبل الوقوف بين يديه، وفى هذا المقام، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عَمِل به»، ويصور الرسول صلى الله عليه وسلم حال الناس يوم المحاسبة أمام الله فيقول: «يكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقوتيه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه».
والتزم الصحابة رضوان الله عليهم بهذه التربية الروحية، فكانوا أشد الناس محاسبة لأنفسهم. والنموذج المتميز لذلك هو عمر بن الخطاب القوى في الحق الذي قال: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتهيئوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية»، فليتذكر المسلم أن له وقفة مع الله يوم القيامة، ليحاسبه عن البيعة التي في عنقه، عندما حمل الإسلام ونطق بالشهادتين، ثم عاهد الله على الالتزام بفرائض الإسلام وأركان الإيمان.
وقال الحسن البصري: «المؤمن قَوَّام على نفسه يحاسبها قبل محاسبة الله لها، وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا من خشيتهم لله، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة، ولم يتذكروا خشية ربهم».
كيف يتحلى المرء بفضيلة الخشية؟
ذكر العلماء أن «فضيلة الخشية من الله تتدرج وتزيد عند المؤمن بالإقلال من المعاصي، فالقلب كلما قل من المعاصي كلما أشرق وزاد من حب وتوقير لخالقه، وتذكر المرء ليوم القيامة والجنة والنار ومحاسبة نفسه على تقصيرها في حق بارئها، إضافة إلى حسن الخلق في معاملة الناس، فكلما عامل المرء الناس برفق ورحمة، كلما ازدادت الخشية من الله تعالى في قلبه.