دعا صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى جميع الأطراف في البحرين إلى بدء حوار يكون من خلال اجتماع يؤمن الاتصال وجهاً لوجه بين المتحاورين بما يفضي إلى تقدم حقيقي، معرباً عن أمله “أن نرى قريباً اجتماعاً بين جميع الأطراف”.
وقال سمو ولي العهد، في كلمته خلال افتتاح منتدى المنامة أمس الأول، إن “عقد الاجتماعات يمنع الانزلاق في هاوية من شأنها أن تهدد جميع مصالحنا الوطنية”، مشيراً إلى أن “هناك الكثير من العقبات والتحديات ولكن بالتزامنا بالكرامة الإنسانية والأمن الإنساني والعدالة قبل كل شيء سوف ننتصر، ولكن إن وقعنا في خانة الطائفية الخطرة، و الانتماءات القومية الخاطئة، والانعزالية فإن التاريخ يعلمنا بأن الفشل لن يكون بعيداً”.
وأضاف سموه: “من غير العدل لن يكون هناك حرية، و دون الحرية لا يمكن أن يكون هناك أمن حقيقي”، داعياً “الشخصيات السياسية التي تختلف مع الهيكل الدستوري أو الأداء الحكومي إلى إدانة العنف”.
وتابع ولي العهد: الصمت ليس خياراً، أدعو جميع القيادات العليا لأولئك الذين يختلفون، بما في ذلك آيات الله، لإدانة العنف في الشوارع بوضوح تام، بل و منعه أيضاً”.
وفي الشأن الدولي، أكد سموه أن “بروز متطرفين مقترناً باحتمال استخدام الأسلحة الكيميائية و البيولوجية من قبل دول معرضة للانهيار في الوقت الحاضر و إمكانية الإرهاب الناتج عن هذه الخطوة المريعة يستدعي اهتماماً جاداً”، مشيراً إلى أن “صعود الحقوق الديمقراطية متزامناً مع تهديد الحريات الآن(..) ومردودات التغيير الهائل الذي نراه عبر المنطقة هو أمر لا يمكن التحديد بعد فيما إذا كان حميداً، أو خبيثاً، لذا يجب أن نبقى مراقبين بوعي”.
واعتبر سمو ولي العهد أن “قوة المعلومات في عصر المعلومات، سواء عبر القنوات الفضائية العديدة، أو الظاهرة الحديثة للشبكات الاجتماعية، كانت المغير الحقيقي للمعادلة في المشهد المعلوماتي”، مضيفاً “إننا نتعامل مع شرق أوسط جديد ويجب أن لا نخطئ في ذلك، وسيكون من الحمق و التضليل رفض هذا الواقع الجديد”.
وأشار سموه إلى أن “الأدوات المجربة و الحقيقية في فن قيادة الدول ستتيح لنا أن نخرج من هذا الوقت الحرج بأقل ضرر ممكن في الجانب الإنساني”.
وفيما يلي نص الكلمة الكامل:
إنه لسرور كبير أن نراكم هنا جميعاً و أود أن أعرب عن خالص شكري لوقتكم و طاقتكم و جهدكم للتواجد هنا في ظروف تتطلب منا التفكر و التأمل ملياً و الوعي لدى التعامل مع الشؤون الواردة في المشهد.
و أود أن أشكرك، سيدي، و المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية للعمل الرائع الذي قمتم به حول العالم، و ما قمتم به من مجهود متميز في اجتماعات الشيربا في العام الماضي، و خاصة لاستئناف إقامة حوار المنامة في هذا الوقت الحساس.
أعتقد أنني سأبدأ بتناول بعض التحديات الإقليمية و المواضيع الهامة التي تعنى بها الكثير من الحكومات حول العالم: و قد يكون منع الانتشار النووي من أولى الشؤون التي ترد في أذهانكم؛ و بروز المتطرفين مقترناً باحتمال- لا قدر الله- استخدام الأسلحة الكيميائية و البيولوجية من قبل دول معرضة للانهيار في الوقت الحاضر و إمكانية الإرهاب الناتج عن هذه الخطوة المريعة- مما يستدعي اهتماماً جاداً؛ و ثالثاً: أمن النفط، و هو شأن قلما يتطرق الحديث إليه و لكنه ما زال محورياً لتعافي العديد من الاقتصادات حول العالم، خاصة في الولايات المتحدة و لعلها إلى حد أكبر في أوروبا؛ رابعاً: تعزيز الديمقراطية و سيادة القانون كهدف راسخ للعديد من الحكومات، و خاصة في الغرب، و لا أرى ذلك قابلاً للتغيير في المدى القريب؛ و بالنسبة للولايات المتحدة نخص بالذكر إدارتها لعلاقتها مع دولة إسرائيل و عملية السلام المتعثرة، مما يهمنا جميعاً.
كانت تلك خمس مواضع اهتمام أمنية ذات وزن ثقيل، أنا متأكد أن العديد منكم يدركها. و هنا ألفت انتباه الحضور إلى حقيقة أن جميعها كانت حاضرة قبل ما يسمى بالربيع العربي، فهي ليست جديدة و لكن التعامل معها خلال هذه المرحلة المضطربة صار أكثر صعوبة مع تزايد حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
لنأخذ التالي في عين الاعتبار: لم يسبق أبداً أن يكون هناك صعود للحقوق الديمقراطية متزامناً مع تهديد الحريات مثل ما هو الحال الآن. إن مردودات مثل هذا التغيير الهائل الذي نراه عبر المنطقة هو أمر لا يمكن التحديد بعد فيما إذا كان حميداً، أو إذا جاز القول، خبيثاً، لذا يجب أن نبقى مراقبين بوعي إلى أين نحن متجهون.
اختلفت ردة فعل المجتمع الدولي، فبعض الحكومات الغربية قوبلت بالنقد لفعلها أكثر مما ينبغي ولكن أًنتقدت أيضاً في نفس الوقت لفعلها أقل من اللازم، الشيء الذي يؤكد أهمية تركيز جهودنا و جهود تلك الحكومات لتكون أكثر فعالية بما يتماشى مع السياسة العامة الدولية.
في حين كانت حكومات الشرق تسعى بطرق جديدة للتعامل مع منطقتنا، منطقتنا العربية، منطقتنا الإسلامية، كان لهذه الحكومات التأثير المتزايد للاستفادة من الوضع العالمي المتغير. وهذه حقيقة يجب أن توضع في عين الاعتبار.
و يضاف إلى ذلك قوة المعلومات في عصر المعلومات، سواء عبر القنوات الفضائية العديدة، التي من وجهة نظري كانت المغير الحقيقي للمعادلة في المشهد المعلوماتي، أو الظاهرة الحديثة للشبكات الاجتماعية، و لدينا التحدي المضاف في المدى و السرعة التي تظهر الأحداث بها و هو مضاعفٌ بعاملٍ لم يتنبأ به التاريخ البشري.
انها مهام صعبة، و أنا واثق بأن هذه المواضيع سيتم مناقشتها خلال فعاليات نهاية الأسبوع هذه كما هو مطلوب. يجب أن نعي، سيداتي سادتي، اننا نتعامل مع شرق أوسط جديد و أن لا نخطئ في ذلك. و سيكون من الحمق و التضليل رفض هذا الواقع الجديد. إن الفرضية التي أعتمدها هي أن الأدوات المجربة و الحقيقية في فن قيادة الدول ستتيح لنا أن نخرج من هذا الوقت الحرج بأقل ضرر ممكن في الجانب الانساني ،و دعوني أشرح ذلك من تجربة شخصية.
كما تعرفون، كانت لدينا تجربتنا من ما يسمى بالربيع العربي في العام الماضي، مما أخّر انعقاد حوار المنامة و ألحق الأذى بالمجتمع في مملكتنا الحبيبة. في حالتنا، قسّم ذلك المجتمع، و حتى مع استعادة مستوى من الهدوء ما زال هناك الكثير من الجراح للتعافي منها لدى جميع الأطراف.
و لا بد من اقتناص هذه الفرصة لتقديم الشكر لمن أسهموا في إيصالنا لهذه المرحلة من الهدوء النسبي. في مقدمة هؤلاء، دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، خاصة المملكة العربية السعودية و دولة الإمارات العربية المتحدة، فمن غير أفعالهم و خطابهم لكنا في وضع مختلف تماماً. إنهم لم يضعوا شبابهم في وجه الخطر و لا أموالهم في المشاريع التنموية للإضرار بأهل البحرين، بل للتصدي لأي اعتداء خارجي يستغل، ما كان في حينها، وقتاً صعباً جداً و مبهماً و صعب القراءة. لن ننسى للمملكة العربية السعودية و دولة الإمارات العربية المتحدة أبداً وقفتهما أبداً خلال تلك أوقاتنا الصعبة.
و أقدم شكري شخصياً للعديدين في الغرب ممن كانوا بمنتهى التعاون مع ما كنت أنشد أن أحققه عبر عقد الحوار بين مختلف الأطراف هنا في مملكة البحرين. لقد كان دعمكم لي قيماً و ثميناً في الشهور الثمان عشرة الصعبة التي مررنا بها. أعبر و بشكل خاص عن شكري للدبلوماسيين و القيادة و حكومة جلالة الملكة إليزابيث الثانية، ملكة المملكة المتحدة، فلقد تقدموا بأشواط على الكثيرين فيما قدموه بالتواصل مع جميع المعنيين و فتح الأبواب للجميع في وقت صعب جداً و ظرف غير واضح. إن ما قدمتموه من دعم و مساندة في إصلاح السلك الأمني و القضائي و تواصلكم المباشر مع القيادة في مملكة البحرين و أعضاء المعارضة، أنقذ أرواحاً. سأكون ممتناً للأبد لكل ذلك. شكراً.
كما أود أن أقدم شكري لدول الشرق التي استقبلتنا بأيادٍ مفتوحة: حكومات سنغافورة، كوريا و اليابان، أنتم تستحقون شكرنا و احترامنا. شكرً جزيلاً.
و انتقالاً من الدول، أود شكر أعضاء اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، اللجنة الدولية التي قامت بالتحقيق في المخالفات وواقع أحداث العام المنصرم، و هي خطوة غير مسبوقة من قبل أية حكومة في القيام بدعوة محامين و حقوقيين متخصصين في مجال حقوق الانسان الى المملكة من أجل توثيق الحقائق كما هي. لقد رسم هذا العمل الدؤوب صورة واقعية عما حصل في العام الماضي، بل و أشدد على أنه أحدث تغيراً جذرياً على الساحة السياسية في المملكة. لقد ساعد هذا الجهد في تهدئة الأوضاع كما أوجد خطاباً ووثيقة موحدة فصلت ما قد حدث، فضلاً عن أنها قطعت الطريق على أي محاولة للمبالغة والتضخيم في سرد الأحداث و صياغتها-إن أردنا-بطريقة قد تخدم بعض المصالح لذلك أود أن أشكر أعضاء اللجنة البحرينية المستقلة.
أود أن أشكر على الصعيد المحلي وزارة الداخلية التي اتجهت بإقدام قوي نحو الإصلاح عن طريق تدريب الشرطة وتحديث التكتيكات والأساليب المتبعة ميدانياً رغم الظروف الصعبة ، ولاسيما وجود أكثر من 1700 رجل أمن مصاب، و بعضهم ممن فقدوا أرواحهم .
ومع ذلك فقد حافظوا على الانضباط الضروري لخلق المناخ اللازم لتوحيد وتقريب الناس ،ولكن سيداتي سادتي، الأمن ليس هو الضامن الوحيد للاستقرار، من غير العدل لن يكون هناك حرية، و من دون الحرية لا يمكن أن يكون هناك أمن حقيقي.
في اعتقادي أن الطريق قدماً لمملكة البحرين هو كالآتي : لقد أقدمت الحكومة على اتخاذ خطوات جادة و بارزة، لكن لا يزال هناك الحاجة للمزيد من العمل، خاصة في مجال الإصلاح و تطوير القدرات في السلطة القضائية . أؤمن وبلا شك بأنه لا غنى عن التطبيق الحقيقي لنظام قضائي عادل ومنصف و شامل كي يشعر الناس بحماية حقوقهم ومستقبلهم . يجب علينا عمل المزيد لتطوير تدريب و تطوير قدرة قضاتنا و علينا عمل المزيد لتعديل قوانيننا التي لا زالت في رأيي قادرة على أن تفضي إلى أحكام تتعارض والضمانات التي كفلها دستورنا، علينا عمل المزيد للحد من التطبيق الانتقائي للقانون .هذا أمر جوهري و هو ما سيبني الثقة في كل أرجاء المجتمع هنا في مملكة البحرين .
ولكن لا تقع المسؤولية على أولئك الذين هم في موقع السلطة. و حسب، فكذلك يجب على الشخصيات السياسية التي تختلف مع الهيكل الدستوري أو الأداء الحكومي أن تدين العنف. الصمت ليس خياراً. أدعو جميع القيادات العليا لأولئك الذين يختلفون، بما في ذلك آيات الله ،لإدانة العنف في الشوارع بوضوح تام، بل و منعه أيضاً.
أيها السيدات والسادة، إطلاق العنان لقوة الشعب يعني أننا يجب أن نحترم آراء الناس، فهناك أغلبية صامتة هنا في مملكة البحرين يشعرون بأن صوتهم غير مسموع.
هم الذين يذهبون للنوم في الليل بدون وجود حراسة على أبوابهم، وهم الذين يعيشون في مجتمعات مختلطة، التي تمثل مختلف الطوائف والإثنيات والمعتقدات السياسية. إنهم هم الذين يجب عليهم أن يعيشوا بشكل يومي مع الخوف من اندلاع نزاع طائفي قد يضر بهم، وبمصالحهم ومستقبلهم أو مستقبل أبنائهم في أي وقت ولا يمكن أن نسمح بحدوث ذلك.
نحن ندعو إلى قيادة مسؤولة، وذلك لأن الغالبية العظمى من شعب البحرين ترغب في حل تضع به أحداث السنة الفائتة في الماضي وأعتقد أن الحوار هو السبيل الوحيد للمضي قدماً.
جيوسياسياً، وديموغرافياً وتاريخياً، يجب التوفيق بين وجهات النظر السياسية المختلفة الممثلة في الجماعات السياسية المختلفة ولكن ذلك لن يتم إلا من خلال جلوسهم معاً والاتفاق على إطار عمل يكون فيه سقف المقبول، هو الحد لما هو غير مقبول لدى الأطراف الأخرى ، مع وضع التوصل إلى اتفاق كهدف أسمى.
لذلك، لدينا عملنا الذي يجب أن نقوم به، ولكن على المجتمع الدولي أن يقوم بدوره كذلك، أمنيات السلام لا تحقق شيئاً ولكن العمل من أجله هو ما يحققه.
أدعو أصدقاءنا في الغرب للمشاركة مثل ما تفعل المملكة المتحدة في إشراك جميع أصحاب الشأن، وتدريب كافة المجموعات، والعمل معنا لجعل بيئتنا وقدراتنا أكبر وأقوى، ووقف النقد الحصري على عمل الحكومة وحدها، فهناك مسؤولية أخلاقية على جميع الأطراف لتوحيد الجسد السياسي البحرينية.
يجب علينا أن نشفي هذه الجروح. يجب علينا وقف العنف. يجب أن نزيل الخوف ويجب علينا وقف التعصب. إنني أدعوكم لإدانة العنف صراحةً إن وقع. سوف نستمر في القيام بدورنا، ولكن سوف يساعدنا أكثر إن قمتم بدوركم كذلك.
أيها السيدات والسادة، أنا لست أميراً للسنة فقط أو للشيعة فقط في البحرين ، و إنما للبحرينيين جميعاً في هذه المملكة والكل له قيمته الكبيرة لدي شخصياً، وآمل أن نرى قريباً اجتماعاً بين جميع الأطراف. إنني أدعو لعقد اجتماع بين الجميع وأعتقد أنه فقط من خلال الاتصال وجهاً لوجه سوف يتم تحقيق تقدم حقيقي.
وليس من الضروري أن يتم التناقش في موضوع متقدم الأهمية بدايةً، ولكن يجب أن يبدأ عقد الاجتماعات لمنع الانزلاق في هاوية من شأنها أن تهدد جميع مصالحنا الوطنية. ونحن هنا في مملكة البحرين، وإن كانت صغيرة في الحجم إلا أنها كبيرة في رمزيتها وما نمثله، وما حققناه. لقد كان جلالة ملك البحرين رائداً في عملية الإصلاح في الشرق الأوسط. و لقد بدأنا قبل الحادي عشر من سبتمبر، ونستمر في الالتزام بالمضي قدماً للمستقبل. لذلك، كل ما يمكنني قوله هو إنه قد علمنا التاريخ بأن الطريق إلى التقدم ليس دائماً بشكل مستقيم تصاعدياً، فهناك الكثير من العقبات والتحديات ولكن بالتزامنا بالكرامة الإنسانية والأمن الإنساني والعدالة قبل كل شيء سوف ننتصر.
ولكن إن وقعنا في خانة الطائفية الخطرة، و الانتماءات القومية الخاطئة، والانعزالية فإن التاريخ يعلمنا بأن الفشل لن يكون بعيداً.
لذلك، فإنني أحثكم بأن تتمنوا لنا التوفيق في التعامل مع القضايا التي تعنيكم بشكل أكبر والتي جئتم هنا لمناقشتها.
وشكرًا جزيلاً.