حذر وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة من أن قرار إيران مواصلة البرنامج النووي في ظل غياب الشفافية، يقود المنطقة نحو مسار تصادمي خطير، إذ إنه يمثل تهديداً حقيقياً للمجتمع الدولي، ويعتبر مسألة وجود لدول مجلس التعاون ، مشيراً إلى أنه “منذ حرب عام 2003 في العراق، شهدنا توسعا دولياً سريعاً لعمليات الحرس الثوري الخارجية”.
وقال وزير الخارجية في كلمة في ثاني أيام “حوار المنامة” أمس إن خطورة تهديد البرنامج النووي الإيراني للأمن الإقليمي يتضاعف مع إصرار الحكومة الإيرانية على تهديد طرق الملاحة الدولية الحيوية وسيادة دول مجلس التعاون الخليجي، مشيراً إلى أن الطريق الذي تسلكه إيران سيؤدي حتماً لسباق تسلح إقليمي في المنطقة، وتصعيد في الصراع الطائفي، وزيادة ملحوظة في أعمال العنف، والأنشطة الإرهابية.
وأضاف أن “البحرين ليست فقط صاحبة مصلحة مع حلفائها لكنها أيضاً شريكاً في الأمن”، مشدداً على أن “من مصلحة جميع الحلفاء في أمريكا والاتحاد الأوروبي وشمال الأطلسي والهند وباكستان والآسيان وغيرهم، أن تبقى دول التعاون قوية”.
وتابع: “لا توجد دولة أو مجموعة من الدول يمكنها السيطرة على المنطقة بأسرها نتيجة لتوازن الضعف”.
وفي الشأن الداخلي أكد وزير الخارجية مضي البحرين في المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، مؤكداً “إننا نمتلك كافة المقومات التي نحتاجها لحل مشاكلنا، ولا نرحب بالتدخل الخارجي الذي يؤدي إلى استقطاب المواطنين لاتخاذ مواقف متطرفة، ما يعقد إيجاد الحلول لمشاكلنا”.
وتطرق وزير الخارجية إلى مبادرة عاهل البلاد المفدى لتأسيس المحكمة العربية لحقوق الإنسان من أجل تحقيق الأمن الإنساني الإقليمي، مؤكداً أنه علينا أن نبذل قصارى جهدنا لضمان تطوير المؤسسات المحلية والمتعددة الأطراف التي تحترم مبدأ سيادة القانون.
وفي الشأن السوري، حذر وزير الخارجية من أن الوضع مثير للقلق في سوريا، واحتمال امتداد الصراع الدموي لسنوات قادمة أمر واقع، مضيفاً أن انعكاسات الوضع السوري الإقليمية تلمس في لبنان، وتؤثر في الأردن ولها تداعيات مباشرة على أمن دول مجلس التعاون.
وأعرب عن تطلع البحرين للمشاركة في ملتقى أصدقاء سوريا في مراكش، المقرر انعقاده خلال الأيام القليلة المقبلة لإسناد الائتلاف الوطني السوري.
وأضاف أن “هناك دولاً إقليمية تنظر للدول التي تمر في مرحلة تحول كهدف لتوسيع مجال نفوذها”، مؤكداً أن “هذه القوى الإقليمية المتطرفة تجر المنطقة إلى مسار متطرف”.
وفيما يلي نص الكلمة الكامل
أصحاب المعالي والسعادة،،،
الضيوف الكرام،،،
يسعدني مشاركة أخي خالد العطية، في جلسة أولويات الأمن الإقليمي، كما يسعدني أن أكون بين هذه النخبة المميزة والتعلم من خبراتكم. أود أن أنتهز هذه الفرصة لأتقدم بالشكر للسيد/ جون شبمان، المدير العام والرئيس التنفيذي، والسيد/ فرانسوا هيسبيرج، وبقية فريق العاملين بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية على جهدهم في الإعداد والتحضير لحوار المنامة في دورته هذه والتي تمثل نجاحا يضاف إلى نجاحاتهم السابقة.
الأصدقاء الأعزاء،،،
إن حوار المنامة منذ انطلاقته في 2004، ظل منبراً حياً لمناقشة مواضيع تتعلق بالأمن الدولي، خاصة تلك المتعلقة بالشرق الأوسط. ويكتسب حوار المنامة أهمية خاصة هذه السنة، حيث تمر المنطقة بفترة حرجة مليئة بالتعقيدات والتحديات لم تشهد مثلها خلال عدة عقود، وأود أن أنتهز فرصة حوار المنامة هذا لعرض ومناقشة بعض المواضيع الأكثر إلحاحاً أمامنا اليوم.
لقد ظلت المنطقة تعج بالأزمات والتحديات التي استرعت اهتمام العالم، والتي غالباً ما تكون متزامنة مع بعضها البعض مثل: الكوارث الإنسانية، النزاعات الحدودية، التغير العنيف للأنظمة، وعدد من الحروب والأزمات الدولية. ومعظم هذه المشاكل هي انعكاس لسياسيات الحرب الباردة على فضاء المنطقة، ولكن مع تحول العالم نحو القطب الأوحد، أصبحت السمة الغالبة على الشرق الأوسط هي الاضطراب وعدم الاستقرار. وقد يجادل المرء بالقول إن ذلك هو عبارة عن توازن الضعف، حيث لا توجد دولة أو مجموعة دول تمتلك القوة والنفوذ على المنطقة بأكملها، إلى جانب ضعف المؤسسات الإقليمية عن لعب دور فعال في تخفيف الأزمات خارج إطار القنوات الدبلوماسية.
لقد تأسس مجلس التعاون الخليجي في مناخ عدم الاستقرار هذا، وسط خبوت جذوة القومية العربية تدرجياً، واندلاع الثورة الإيرانية، والحرب الإيرانية العراقية، والحرب السوفيتية في أفغانستان. وكان طموحنا عند تأسيسه، حيث كان القادة المؤسسون يطمحون في قيام نظام إقليمي مترابط مع جيش قوي، واقتصاد متكامل. ونظرا لعدم قدرة المجلس على إطلاق السوق المشتركة الا في عام 2008 أي بعد 31 عاماً منذ إنشائه، فإن البعض يرى أنه لم يحقق الكثير من الطموحات.
ولكن، أستطيع القول إن الخطوات البطيئة والمتأنية في معالجة الأمور، هي التي مكنت المجلس من النمو والتطور، وبناء الثقة بين أعضائه، وجعلته يعبر عن مشاكل وأهداف كل أعضائه، بدلاً من خدمة أهداف القلة منهم. وكانت هذه أهم عناصر نجاحه ومصدر قوته.
إن المنطقة بطبيعتها لا تنقصها المشاكل والتحديات، وبالتالي أصبحت دول المجلس أكثر قرباً، وتفهماً لضرورة إدراك النجاح لابد لها من التعاون الوثيق وبرؤية استراتيجية مستقبلية تعتمد على مبدأ ضرورة تحقيق التكامل.
الأصدقاء الأعزاء،،،
إننا نواجه اليوم العديد من التحديات، وكل منها تحمل في طياتها عناصر تحدد مسار المنطقة بأسرها، ولها آثار دولية خارج نطاق الدول التي تحدث فيها تلك التحديات. وبالأساس فإن آثار الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال السنتين الماضيتين، أسهمت كثيراً في تغيير الديناميكية الإقليمية على المدى الطويل؛ والتي تمثل أكبر تحدي على المدى القصير.
بينما بدأت الدول التي تشهد اضطرابات وحراكاً شعبياً أكبر في تحديد العلاقة بين الحكومات والشعوب، فنحن كدبلوماسيين في المنطقة، علينا منحهم فرصة لتحديد مصيرهم بأنفسهم، وإيجاد الحلول لمشاكلهم الداخلية. كما يتوجب علينا استيعاب الحكومات الجديدة كشركاء ذو مصلحة في الاستقرار، تحترم الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها بلدانها.
وفي هذا الصدد، يتوجب الإقرار بأن بعض الدول الإقليمية تنظر لتلك الدول في مرحلة تحولها هذه كهدف لتوسيع مجال نفوذها. وعلينا الموازنة الدقيقة بين احترام الحراك الداخلي لهذه الدول والحد من عدم التساهل أو التجاهل حول ما تقوم به بعض القوى الإقليمية المتطرفة في جر المنطقة إلى مسار متطرف، ليس داخل المؤسسات السياسية فقط، بل على مستوى الدولة. في حين أن الدول التي دخلت في حروب أهلية لمدة طويلة، بحاجة لحلول فورية لتخفيف المعاناة وأولوية خلق إجماع بين جميع الأطراف.
وفيما يخص الشأن السوري، تطورت الأحداث بصورة مقلقة. وأعتقد أن الجميع يدرك العروض الكثيرة التي قدمت للحكومة السورية للقيام بالإصلاحات أو المغادرة. لقد تم ذلك ليس من أجل حماية القادة - الذين يتجاوزون الحدود - ولكن لتجنب الوضع الذي وصلنا إليه اليوم، حيث تم تجاوز كافة الخطوط الحمراء، وأصبح المجتمع الدولي محدود القدرة في التفاعل.
إن احتمال اندلاع صراع دموي يستمر لعدة سنوات في المستقبل أمر لا مفر منه. ولكننا اليوم قد تجاوزنا تلك الخطوط، وأصبحنا نشهد الآثار الإقليمية المتفاقمة للأزمة السورية بشكل يومي، أدت إلى توترات في لبنان، وأزمة لاجئين متفاقمة في الدول المجاورة وبالأخص في الأردن. وهذا وضع له آثاره المباشرة على أمن دول مجلس التعاون الخليجي نظراً للعلاقات المتداخلة التي تربطها بهذه الدول.
وبتحول الوضع السوري بسرعة نحو الاستقطاب الطائفي في المنطقة، فسيترتب عليها مخاطر عدة على المدى الطويل، مما يحتم معالجتها بكثير من الحكمة. وبالرغم من الصعوبات في الوقت الراهن، فهناك مجال للتفاؤل، وإننا نتطلع للاجتماع القادم لأصدقاء سوريا الذي سينعقد بمراكش، وذلك في غضون الأيام القليلة القادمة لمساعدة الائتلاف الوطني السوري.
وفيما يخص تلك الدول التي أخذت على عاتقها مبادرة البدء في عملية الإصلاحات، يتوجب على جميع الأطراف المعنية أن تسهم في ضمان عملية إصلاحات شاملة، واستنفاد كافة طرق الحوار، وأن تعكس طموحات كافة شرائح المجتمع.
وفي البحرين، وبتوجيهات من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله ورعاه، فقد انتهجت حكومتنا نهجاً إصلاحياً في أواخر القرن الماضي يقوم على التعددية والمساواة. واليوم، بعد عقد من الزمان، فإننا لازلنا ملتزمين بهذا النهج الإصلاحي قولاً وعملاً، وبدأنا مرحلة جديدة من الإصلاح، تستند إلى رؤية كافة مكونات المجتمع البحريني وتقارير الخبراء الدوليين التي تتسم بالشفافية. وأؤكد لكم، على الرغم من عدم اكتمال تنفيذ كافة التوصيات، إلا أننا عازمون من حيث المبدأ أن تستمر عملية الإصلاح. وبكل صراحة، لا أعلم أن هناك حكومة قامت في مدة وجيزة بما قامت به حكومتنا التي عملت بإدخال تعديلات مؤسساتية شملت المؤسسات القانونية، وتعديلات دستورية تؤدي إلى تطور أساسي في نسيج العقد الاجتماعي، في منطقة مثل منطقتنا المليئة بمثل هذه التحديات.
ومما لاشك فيه أن عملية الإصلاح تحتاج لوقت كافي لإتمامها، ولا جدال في أننا ملتزمون بمسيرة الإصلاح، فإننا حققنا الكثير وسوف نستمر.
ويجب أن أؤكد على ضرورة احترام الإجراءات الداخلية ومنحها الفرصة للنجاح. فقد تمكنت البحرين من إيجاد الحلول لمشاكلها الداخلية. وخير شاهد على ذلك، ظلت البحرين رائدة في مجال الإصلاح بالمنطقة خلال العقود الماضية، بما لا يقتصر ذلك على معالجة المواضيع المحلية فقط، بل بقدرتنا على كيفية الخروج منها. إننا نمتلك كافة المقومات التي نحتاجها لحل مشاكلنا، ولا نرحب بالتدخل الخارجي الذي يؤدي إلى استقطاب المواطنين لاتخاذ مواقف متطرفة، مما يعقد إيجاد الحلول لمشاكلنا.
وفيما يخص إيران وقرارها على الإصرار في مواصلة برنامجها النووي الذي يفتقد للشفافية الكافية، والذي سيقود المنطقة لصدام خطير، مما يمثل تهديدا حقيقيا للأمن الإقليمي. وهذه التهديدات مضاعفة وعلى عدة مستويات، حيث أن الحكومة الإيرانية تضر بنفسها بإطلاق التصريحات والبيانات التي تهدد فيها طرق الملاحة الدولية الحيوية وسيادة دول مجلس التعاون الخليجي.
ومع أنه لا يمكن التقليل أو التهوين من خطورة هذه المخاطر، ومع احترامنا لحق إيران في مواصلة برنامجها النووي السلمي وفقاً لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، إلا أن برنامج إيران السري لتطوير أسلحة الدمار الشامل كجزء رئيس من أهداف برنامج الصواريخ البلاستية وبرنامج تخصيب اليورانيوم، كلها تمثل تهديداً حقيقياً للمجتمع الدولي، وهذه تعتبر مسألة وجود لدول مجلس التعاون.
فمنذ حرب العراق عام 2003، فقد شهدنا توسعا في عمليات الحرس الجمهوري الإيراني الخارجية. كما أن الطريق الذي تسلكه إيران سيؤدي حتما لسباق تسلح إقليمي في المنطقة، وتصعيد في الصراع الطائفي، وزيادة ملحوظة في أعمال العنف، والأنشطة الإرهابية. كما أن شبح الحرب في تصاعد مستمر مع تهديدات السلطات الإسرائيلية بهذا الخصوص. ولا زلنا نؤكد أن الحل الناجع والفعال لابد أن يكون حلا دبلوماسيا. وفي هذا الصدد، ومع تقديرنا لجهود الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي في تشديد العقوبات على إيران؛ لابد من بذل المزيد من الجهد حتى تدرك كل الدول أن التهديد على المدى الطويل أكثر خطورة من الخسائر الاقتصادية على المدى القصير.
وفي ضوء ذلك، فإن أهمية الدور الذي تلعبه دول مجلس التعاون الخليجي في الحفاظ على تدفق التجارة والطاقة عبر مضيق هرمز تعتبر أولوية ذات أهمية، خاصة في ضوء التهديدات الإيرانية بإغلاقه. إن ذلك لا يمثل خرقا للقانون الدولي، ولكنه يسبب أضراراً اقتصادية في كل أنحاء العالم. ولتخفيف آثار الخطر المحتمل هذا، وغيره، فنحن في البحرين خاصة، وقعنا اتفاقيات طويلة الأجل مع شركاء دوليين على قواعد بحرية، مثل قوة المهام المشتركة، والتحالف الدولي متعدد الجنسيات، والأسطول الخامس الأمريكي. ومن جانبها، فإن البحرين لا تعتبر نفسها صاحب مصلحة فقط ولكنها شريك أمني؛ بجانب مشاركتنا في الجهود المبذولة لتأمين خليج عدن، والمشاركة في التدريب بأفغانستان، فإننا نلعب دوراً في عمليات المشتركة CTF 151 and 152 وتسلمت قيادة CTF-152 مرتين منذ 2008.
والتحدي الكبير الآخر، والذي يمثل قلقاً بالنسبة لنا، الوضع في اليمن الشقيق. وعلينا ألا ننسى أن اليمن ليس جاراً فحسب، بل إن مواطنيه ظلوا لعقود يعيشون ويعملون في كل دول الخليج. وفي هذا الخصوص، فإن دول الخليج استثمرت الكثير من أجل ضمان مستقبل أفضل لليمن؛ طالما ظل اليمنيون يعملون على معالجة مشاكلهم.
لقد عملنا بالتنسيق مع شركائنا الإقليميين والدوليين من أجل تطبيق المرحلة الانتقالية بنجاح، ولتفادي تفتيت اليمن وتقويض سلطته لتعم الفوضى والاضطرابات لكي لا يقع لقمة سائقة في أيدي المتطرفين، ولتوفير طرق للتنمية المستدامة من خلال إقامة المشاريع والمساعدات.
وبينما نحن نتطلع للمستقبل، فإننا نؤكد على التزاماتنا التي قطعناها منذ العام 2009، وكما جاء في موضوع الأمن، ينبغي النظر للبعد الأمني على أنه لا يقتصر على الأمن العسكري وأمن الدولة فقط، ولكن علينا توسيع نطاق رؤيتنا للمسائل الأمنية. وطالما أن البحرين قد حددت رؤيتها للعام 2030، والتي تشتمل على الأمن البشري كأولوية محلية، فدول الخليج الأخرى لها برامجها المماثلة، لذا يجب على كافة دول الخليج أن تجعل الأمن البشري أولوية استراتيجية على المستوى الإقليمي. على أن يكون أساس هذه الأهداف متمثلاً في جهد موحد يعالج بصورة شاملة وكلية التحديات التي تنفرد وتتميز بها المنطقة، سواءً تعلق ذلك بمعالجة التدهور البيئي المتسارع، أو خلق اقتصاد معرفي متنوع وذلك لتفادي الاعتماد الكلى على البترول. لذا علينا أن ندرك أن التنمية المستدامة ليست مسألة ضرورة، ولكنها عنصر مهم في الكرامة.
ومع استمرار تنامي عدد السكان، قد تتفاقم قضايا الغذاء والمياه والطاقة ذات الصلة، وتقلبات أسعار الطاقة. ومن المنظور أن ينمو عدد السكان في دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 2.6 في المائة سنوياً حتى عام 2020، حيث إنه من المتوقع أن يتراوح عدد السكان 53 مليون نسمة في دول مجلس التعاون الخليجي وحدها، وتشكل واردات الغذاء نحو 8 في المائة من الواردات الكلية. والأسوأ من ذلك، قد تستحوذ دول مجلس التعاون الخليجي على أدنى مستويات المياه للشخص الواحد في العالم. وبينما اتخذت العديد من الدول الأعضاء زمام المبادرة لعقد اتفاقات ثنائية مع الدول لمعالجة هذه القضايا، فإن المخاطر الأمنية المترابطة في جميع دول المجلس تحتم مواصلة البحث من أجل إيجاد حل للتخفيف مما يمكن أن يتحول إلى أزمات إقليمية. إن تعاون المجلس مع منظومة دول الآسيان، على سبيل المثال، يعود بفائدة كبيرة لكلا الجانبين، ويمكن لأعضاء التكتلين أن يستفيدا بشكل كبير من اتفاقات التعاون نحو التنمية والازدهار لسد احتياجاتهم المتبادلة. وفي وضع مماثل، توفر أفريقيا فرصا واسعة لتطوير البنية التحتية والدعم. ولكنها تبقى إصلاحات فورية، لا تتصدى بشكل فعال للاحتياجات الطويلة الأجل. لا يوجد أي سبب يمنعنا من بناء القدرات الإقليمية للبحث ووضع الحلول الخاصة بنا المرتبطة بمسائل الغذاء والمياه وحدود الطاقة. لدينا كل الأسباب، وجميع الموارد اليوم لحث الجيل القادم على التفكير فيما يتعدى الذات، ووضع الحلول المحلية الرائدة لمثل هذه المشاكل.
وعلاوة على ذلك، وفي الوقت الذي يشهد تغيرات إقليمية كبرى، حيث تزداد آليات المشاركة في كثير من البلدان، يتعين علينا وبشكل جماعي بذل قصارى جهدنا لضمان وضع أسس أكثر ثباتاً للمؤسسات المحلية والمتعددة الأطراف التي تحترم سيادة القانون وتوفر حصنا ضد انحسار الحقوق حيثما وجدت. لقد التزمت البحرين بهذه العملية طوال العقد الماضي وبدأت برنامجاً للاستفادة السريعة من تلك الإنجازات من خلال وضع الضوابط الأكثر حزماً على الهيئات الحكومية. كما أخذنا المبادرة في تقديم توصية لإنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان عن طريق جامعة الدول العربية، كحق أساسي من أجل تحقيق الأمن الإنساني في المنطقة.
أصحاب المعالي والسعادة،
أيها الحضور الكرام،
تمثل طبيعة هذه التحديات المترابطة لدول مجلس التعاون الخليجي، وحقيقة تأثيرها على نحو مماثل على جميع دول المجلس إشارة إلى أن الحلول الوحيدة الفعالة هي التي يمكن العثور عليها في أي عمل مصمم استراتيجياً من البداية لهدف تحقيق التعاون العميق.
كما تعلمون جميعاً، فإن دول مجلس التعاون الخليجي لديها مصلحة في ضمان أمن واستقرار منطقة الخليج العربي والمنطقة على نطاق أوسع، واستمرت في العمل مع شركائها الإقليميين والدوليين من أجل ضمان هذا الهدف. وكشركاء، تحملنا عبء هذه المسؤولية سوية. واليوم، تقف قوة المهام المشتركة شاهداً ملموساً على هذا التفاهم المشترك والاعتماد المتبادل. وبالتوازي مع هذا، نضع ثقة كبيرة في الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لرفع مستوى شراكاتها الأمنية الثنائية إلى مستوى المسؤولية الإقليمية. من مصلحة جميع حلفائنا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والهند وباكستان ودول الآسيان وغيرهم، أن تبقى دول التعاون قوية وأساساً صلباً للأمن القومي في السنوات المقبلة.