مهند أبو زيتون


المشهد 1:
في التفاصيل يكمن الشيطان، شيطان الشعر وشيطان العيش، منها يبدأ جمال الحياة وعندها ينتهي. التفاصيل الصغيرة، كم شغلت كتاباً وشعراء! كيف صار فنجان القهوة وجداناً، وكيف صارت قصص الجيران ذاكرة! وكيف صار أنشودةً تردد ابريل، رائحة الخبز في الفجر، تعويذة امرأة للرجال، وخبز أمي، وقهوة أمي. التفاصيل ملح الحياة بل اكسجينها.
المشهد 2:
الهواتف الذكية تستبد بحياتنا، تلاحقنا بالمزعج والمثير، تصنعنا متابعين إجباريين للحب والحرب، يغلب الموت على شاشاتنا، صرنا نصنع أخبارنا وما درينا أنها تصنعنا، تحيلنا ساسةً فاشلين. هل جربتَ أن ترمي هاتفك قبل النوم لتصرخ: ما أحوجني أن أتنفس!
المشهد 3:
هل حقاً نسينا كيف نتنفس؟! ميكانيكياً، نحن نفعل ببراعة. إنسانياً، نحن متهمون بأننا شعوب لا تتقن الفرح. الموسيقى تحزننا، والذكريات تبكينا، والشعر مناسبة وطنية، همومنا عامة، وأحزاننا عامة، فرحنا الشخصي يكبته ألف خبر يومي من العيار الدموي، ومع ذلك نتنفس.
المشهد 4:
تزدهر النكتة حيث يخفق الواقع، ولو عدّوا نكاتنا الواقعية والافتراضية لعرفوا كم نحن شعوب تتقن الهزل، وتتنفس ما يفوق حاجتها من الأكسجين بما يهدد التوازن الحيوي لكوكب لا تزيده المنتجات المدمرة للحضارة الغربية إلا بيئة خضراء تنشر مزيداً من الأكسجين.
المشهد 5:
في الصومال يعيشون، وفي سويسرا يعيشون، يتنفسون الهواء نفسه، الوحيد المشترك، الوحيد الحقيقي، أياً يكن الاختلاف في التفاصيل. فهل يمكننا تعريف الإنسان بأنه حيوان يتنفس بالمعنى المجازي للتنفس؟! لو فعلنا لما عاد نصف سكان الكرة الأرضية بشراً!
المشهد الأخير:
فوضى تحاول أن تكون خلاقة، وتفاصيل تنشد العمق، تنفُّس يصرخ أحياناً، يحتفي بالمشترك الإنساني، ناقداً من دون دم، هذا هو باختصار 2O.