إنه مساء يوم الجمعة قبل الماضي في ميدان التحرير. رائحة الغاز المسيل للدموع تعبئ الجو. لقد قمنا بثلاث مسيرات معارضة في أسبوع، وكثيرون قرروا قضاء الليل في الميدان. سألت نفسي «بعد 23 شهراً من الكفاح من أجل جلب الديمقراطية لمصر، هل هذا أفضل ما يمكننا فعله؟ رئيس يتمتع بسلطات ديكتاتورية. برلمان مكون أغلبه من إسلاميين. ومسودة دستور مكتوب على عجالة من دون وجود بنود أساسية لحماية النساء والمسيحيين وكل المصريين؟».
ما الخطأ الذي حدث؟ الجيش، الحريص على حماية مزاياه المادية وتجنب الملاحقة القضائية، أفشل مرحلة الانتقال ما بعد الثورة. وهذا جعل الإخوان المسلمين، الذي يتوقون للاستفادة من تنظيمهم الميداني الذي يبلغ عمره 80 عاماً، يهرولون نحو انتخابات برلمانية أسفرت عن انتصار ساحق للإسلاميين، انتصار أكبر من حجم قاعدتهم السياسية. وقررت المحكمة الدستورية حل هذا البرلمان الذي لم يمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً.
وتلا ذلك صراع سياسي، تقاتل فيه الرئيس الجديد محمد مرسي والمجلس العسكري لامتلاك السلطة المطلقة. وقد وجه الرئيس الضربة القاضية بإجراء انقلاب ناعم على الجنرالات وإضافة سلطات تشريعية إلى دوره التنفيذي. وإعلانه الدستوري الأخير حيد القضاء وحرم من إجراء أي مساءلة لقراراته. سلطات محمد مرسي الآن تفوق سلطات حسني مبارك وهو في أوج ديكتاتوريته.
في الوقت الراهن الإخوان والإسلاميون يهيمنون على الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع دستور جديد، واعتراضا على ذلك انسحب ممثلو الأحزاب الليبرالية والأقليات وفصائل أخرى تمثل المجتمع المدني. ومنذ ذلك الحين أنتجت الجمعية وثيقة تنتهك حرية العقيدة وحرية التعبير وفشلت في محاسبة السلطة التنفيذية. وتضغط الجمعية أيضا من أجل تمكين المؤسسات الدينية من تحدي السلطة القضائية.
وها نحن نعود إلى ميدان التحرير. الوضع متفجر: مصر منقسمة بشدة بين الإسلاميين وبقية البلد، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات، مثل التدخل العسكري، ثورة جياع، أو حتى حرب أهلية.
الخوف يسيطر على معظم المصريين الذين يريدون ديمقراطية حقيقية وليست دولة دينية. القضاة قاموا بإضراب. الشباب، الذين قادوا الثورة مصممون، فهم لم يخاطروا بحياتهم ويضحوا بأرواحهم ليستبدلوا بديكتاتورية علمانية استبدادا دينيا. نضالهم كان ومازال من أجل جلب الحرية والكرامة للشعب المصري.
البلد مهددة بأربع قنابل موقوتة ظهرت في ظل الحكم العسكري والآن تحت حكم الإخوان. اقتصادنا يتهاوى، وبالوتيرة الحالية سنفلس في غضون 6 أشهر، وخصوصاً إذا سبب التوتر الأخير في إلغاء قرض من صندوق النقد الدولي. القانون والنظام مازالا بعيدي المنال، وأثر ذلك على السياحة والاستثمار الأجنبي قوي جداً. شمال سيناء تتحول إلى ساحة معركة حيث أصبحت المنطقة مهددة من قبل جماعات جهادية تأتي من أفغانستان وأماكن أخرى. والآن الاهتياج الواقع بسبب مسودة الدستور جعل البلد منقسمة بشكل خطير.
تقريبا، كل الأحزاب السياسية غير الإسلامية اتحدت تحت شعار «جبهة الإنقاذ الوطني» والتي أشارك فيها كمنسق. ومن المثير للسخرية أن الثوار الذين أطاحوا بالسيد مبارك يتلقون الآن الدعم من أعضاء حزبه القديم، إذ اتحدوا من أجل مواجهة «مشروع إسلامي» غامض يسعى لتنفيذه السيد مرسي ومؤيدوه.
نحن نضغط على السيد مرسي لإلغاء إعلانه الدستوري القاسي الذي يصب في مصلحته الشخصية، وهو الإعلان الذي نددت به الأمم المتحدة وحكومات كثيرة ومنظمات دولية معنية بالحقوق المدنية.
نحن نرفض مسودة الدستور لأنها غير شرعية ونطالب الرئيس بعدم طرحها للاستفتاء. نحن ندعو الإخوان المسلمين للبدء في حوار مع جميع الأحزاب بشأن كيفية مواجهة التحديات التي تواجهها مصر، ونحن نتفق على تشكيل جمعية تأسيسية جديدة لصياغة دستور يصب في مصلحة الديمقراطية، وإلا غرقنا في المجهول.
مضت سنتان تقريبا منذ شهدت مصر صحوة. وبشكل لا يصدق فإن الرئيس مرسي والإخوان المسلمين يعتقدون أنه بجرة قلم يمكنهم أن يعيدونا إلى حالة الغيبوبة مرة أخرى. هذا لن يحدث، وإذا استمروا في المحاولة فسيتسببون في اندلاع حالة من العنف والفوضى ستدمر نسيج المجتمع المصري.
(فايننشيال تايمز)