كتب - حسين التتان:حين التقيته على ساحل فرضة المحرق، حاول أن يوصل لنا صورة قاتمة لوضع البحار البحريني، حدثنا عن بدايات الصيد في البحرين، وما وصلت إليه الحال اليوم، كان بحق ذاكرة ثريّة لبحر لا تحده الحدود.لباسه المتواضع لا ينبئك بخبرته، عادل الكويتي صاحب صولات وجولات تشي بالكثير من الوعي بمستقبل البحر والمصائد، وله دراسات أعدها بمفرده، يضعها تحت تصرف الجهات المسؤولة ولا ينتظر مقابلاً.بدا عادياً كأي بحريني يجلس عصراً على ساحل البحر يطالع الغروب، دنوت منه، وجدته يملك من المعلومات الكثير، خاصة في ما يتعلق بالمصطلحات والأدوات البحرية، ولديه من الأرقام الشيء الخطير حول انخفاض المخزن السمكي بمياه المملكة.يقول الكويتي «بحرنا مفرخة لأنواع كثيرة من الأسماك، تأتي لتضع بيوضها هنا، مستفيدة من كثرة المراعي والمياه الضحلة والتيارات الهادئة». كانت العلاقة بين البحار ومصدر رزقه سيد الموقف، وخلقت نوعاً من التوازن البيئي عبر الأجيال، ويضيف الكويتي «البحار وهو يزاول مهنته بالطرق التقليدية باستخدام الحضور والقراقير والحداق واللفاح لا يخلخل التوازن الحيوي المائي، كان النواخذة قنوعين والأسواق عامرة بأنواع الأسماك والروبيان».أسس الصيادون لعلاقتهم مع البحر قبل تأسيس الهيئة العامة للثروة السمكية «منذ تأسيسها وتوزيعها الرخص وجلب آلاف البحارة الآسيويين ما يقارب 12 ألفاً وأكثر، واستحداث مصطلح جديد للبحار -المحترف- تغير الحال، وبدأنا نشهد تراجع الحياة بمياه البحرين».ويصف صيادي هذه الأيام «بعيدون كل البعد عن الحرفية، لأن المحترف يزاول المهنة بنفسه بمهارة وإتقان، ولا يكون خارج المهنة ويجني الأموال وهو يدير عملاً آخر».يرى الكويتي أن الإدارة حولت الصيد من مصدر كسب للرزق إلى تجارة واستثمار «دخول أصحاب رؤوس الأموال وتجهيز أدوات الصيد للبحار الآسيوي، دمّر المخزون السمكي، باستخدام بوانيش صيد الربيان -الكراف- الآلة المدمرة لقاع البحر والقضاء على أطنان من الأسماك الصغيرة، وجرف (الزي) وهو شريان الحياة البحرية وعشرات آلاف القراقير».ويسرد الكويتي حال البحر بحسرة وألم «هل تعلمون أن كل بانوش يرمي أكثر من 3 آلاف قرقور، وآلاف قراقير القباقب في المياه الضحلة والعميقة فتقضي على كثير من أسماك البالول، وترمى يومياً آلاف الشباك في أنحاء البحر من أسياف وأعماق وشباك الهيال لصيد أسماك الكنعد وشباك العراض لأسماك الشعري بمواسم تفقيس البيوض».خطر تدمير الثروة السمكية يقض مضجع الكويتي «الأخطر على البيئة الحيوية لمياه البحرين ما يسمى (بالخيه)، إذ يرمى شهرياً أكثر من 5 ملايين خطاف -ميدار- مزود بالطُّعم، والأخطر ما يسمى (بالقفِّيه) حديثة الاستعمال، ويرمي الصياد الآسيوي أكثر من مليوني (قفيه) مزودة بالطُّعم شهرياً» ويضيف «هذان النوعان من أخطر أنواع الصيد على الإطلاق وممنوعة في دول الخليج العربي، وبسببهما أصبحت أسماك الهامور وأنواع أخرى كثيرة شبه منقرضة».يتمنى الكويتي أن يمنع الصيد الجائر، بعد أن أصبح الوضع لا يحتمل التأخير، واستمراره خسارة لكل الأطراف ما عدا البحار الآسيوي «هو لا يكترث لمسح الأقواع والقضاء على الأسماك المفترسة، ما يعني القضاء على الثروة السمكية بأكملها، وإذا لم ينقطع الصيد الجائر فالسلام على ما تبقى من الثروة السمكية».