معهد التنمية السياسية:
شهدت مملكة البحرين خلال العام 2012 تطورات مهمة على المستوى السياسي ومستوى حقوق الإنسان، وهي تطورات تشكل جزءاً أساسياً من مراحل التحول الديمقراطي الذي تشهده منذ بدء المشروع الإصلاحي في فبراير 2001.
ومما زاد من أهمية هذه التطورات الأوضاع المحلية التي شهدتها البلاد مطلع العام 2011، وتعقيد الأوضاع الإقليمية والدولية بشكل يؤثر في الأمن والاستقرار، وبما ينعكس على الأوضاع السياسية والحقوقية. من هنا يناقش هذا التقرير الصادر عن معهد البحرين للتنمية السياسية أبرز المنجزات التي تحققت طوال نحو عام من الزمن، ويشمل أبرز القضايا السياسية والحقوقية التي شهدتها البلاد.
التعديلات الدستورية
شهد العام 2012 تصديق حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى على التعديلات الدستورية، وهي التعديلات التي جاءت في ضوء ما تم التوافق عليه في حوار التوافق الوطني خلال يوليو 2011، وتمت أيضاً بناءً على الرغبة الملكية السامية بتقديم جلالته الطلب بإجراء تعديلات دستورية تفعيلاً لصلاحياته المنصوص عليها في الدستور في المادة (35 ـ أ).
التعديلات الدستورية ساهمت في زيادة مظاهر النظام البرلماني في نظام الحكم، بالإضافة إلى إعادة تنظيم العلاقة بين السلطتين التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (البرلمان بغرفتيه) بما يضمن مزيداً من التوازن فيما بينهما، وإعادة تنظيم كل من مجلسي الشورى والنواب بما يعطي دوراً أكبر للمجلس النيابي ويضمن الاختيار الأنسب لأعضاء المجلسين.
وتمثلت أهداف التعديلات الدستورية الجديدة في؛ زيادة مظاهر النظام البرلماني في نظام الحكم، وإعادة تنظيم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بما يضمن مزيداً من التوازن فيما بينهما، وكان الهدف الثالث: إعادة تنظيم كل من مجلسي الشورى والنواب بما يعطي دوراً أكبر للمجلس النيابي ويضمن الاختيار الأنسب لأعضاء المجلسين.
واللافت في التعديلات التي أجريت أنها منحت مجلس النواب الانفراد في صلاحية تقرير عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، وحق توجيه الأسئلة إلى الوزراء، وحق مناقشة البرنامج الذي تقدمه الحكومة لمجلس النواب عقب أدائها اليمين الدستورية وإقرار هذا البرنامج أو عدم إقراره، وفي حالة إقراره تكون الحكومة قد حازت على ثقة المجلس، وحق طرح موضوع عام للمناقشة، وهو ما يتوافق مع الاتجاهات الدستورية الحديثة التي تقتصر ممارسة وسائل الرقابة على السلطة التنفيذية على المجلس المنتخب.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التعديلات الدستورية تشمل شرطين جديدين لعضوية البرلمان، وتتضمن مضي 10 سنوات على اكتساب الجنسية البحرينية لمن يرغب في الترشح لعضوية المجلس النيابي أو التعيين في مجلس الشورى، وأن يكون غير حامل لجنسية دولة أخرى باستثناء مزدوجي الجنسية مع جنسيات دول مجلس التعاون الخليجي على أن تكون جنسيته الأصلية بحرينية. كما تشمل التعديلات الجديدة تغييراً في طريقة اختيار أعضاء مجلس الشورى، بحيث يصدر العاهل أمراً ملكياً سابقاً على أمر تعيين الأعضاء تحدد فيه الإجراءات والضوابط والطريقة التي تحكم عملية الاختيار بما يضمن شفافيتها ولضمان تمثيل واسع لمختلف مكونات المجتمع.
تعديل اللائحة الداخلية لمجلسي النواب والشورى
أصدر عاهل البلاد مرسومين بقانون بشأن تعديل اللائحة الداخلية لمجلس النواب، وأيضاً تعديل اللائحة الداخلية لمجلس الشورى.
وجاء التعديل في ضوء تنظيم الدستور طبيعة العلاقات بين مجلس النواب ومجلس الشورى، وحدد الصلاحيات التي يتمتع بها كل مجلس، وذلك بشكل يكفل التوازن بين المجلسين وفق مبدأ الفصل بين السلطات. فالتوازن هنا توازن سياسي يضمن وجود رقابة ذاتية متبادلة وقرارات رشيدة أكثر. هذا على مستوى الدستور، وكما هو الحال بالنسبة لكافة القطاعات التي ينظمها الدستور، فإن الحاجة تتطلب إصدار لوائح تنظم عمل المجلسين بأدق التفاصيل، بدءاً من آلية الحضور والانصراف، إلى كيفية السماح لعضو البرلمان بالحديث أثناء الجلسة وغيرها من التفاصيل التي يتطلبها العمل البرلماني، وهي كثيرة جداً.
إقرار التعديلات الدستورية أدى إلى تغيير طبيعة العلاقات بين مجلسي النواب والشورى، وهو ما يمكن ملاحظته على سبيل المثال في إسناد رئاسة المجلس الوطني إلى رئيس مجلس النواب بعد أن كان في السابق رئيس مجلس الشورى. وبالتالي التعديلات الدستورية الجديدة تتطلب أن تكون اللوائح الداخلية مطابقة لها، وتضمن أن يتم تطبيق النصوص الجديدة للدستور التي جاءت بناءً على مخرجات حوار التوافق الوطني.
ومن التعديلات المهمة التي أجريت على اللوائح الداخلية لغرفتي السلطة التشريعية أن تكون مناقشة الاستجواب في الجلسة العامة ما لم يقرر أغلبية أعضاء مجلس النواب مناقشته في اللجنة المختصة. كما يحق للمجلس النيابي إبداء الرغبات المكتوبة للحكومة في المسائل العامة، وعلى الحكومة الرد على المجلس كتابياً خلال ستة شهور، وكذلك عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء من خلال طلب مسبب يتقدم به 10 أعضاء.
أما التعديل الأهم الذي أجري على اللائحتين الداخليتين لكلا المجلسين هو صلاحية إقرار برنامج الحكومة، حيث تم تعديلهما بما يضمن تقديم رئيس مجلس الوزراء برنامج الحكومة خلال 30 يوماً من أداء اليمين الدستورية إلى مجلس النواب لدراسته، على أن يقوم النواب بإقراره أو رفضه بأغلبية الأعضاء.
إن المراسيم بقوانين التي أصدرها العاهل مؤخراً مهمة للغاية في سياق التطور الدستوري والسياسي بمملكة البحرين، وهي تؤكد التزام الدولة بمخرجات حوار التوا فق الوطني التي طرحت من أجل الدفع قدماً نحو تطوير تجربة التحول الديمقراطي التي تشهدها البحرين منذ عقد من الزمن.
ومن المتوقع خلال الفترة المقبلة أن يتغيّر أداء السلطة التشريعية، لأنه تم تغيير صلاحيات كل منهما لصالح المجلس النيابي، وذلك إيماناً بتطوير التجربة. فأساس التحول الديمقراطي الذي تم التوافق عليه في ميثاق العمل الوطني، وضع ليتطور باستمرار حسب مقتضيات الحاجة والظروف التي يمكن أن تمر على الدولة، والأهم من ذلك طبقاً لتطور الثقافة السياسية وما يترتب عليها من وعي سياسي لدى عموم الأفراد في المجتمع البحريني، فالتطور السياسي لا يمكن أن يتم دون تطور الثقافة السياسية نفسها.
المراجعة الدورية لحقوق الإنسان
شهد العام 2012 مناقشات واسعة حول التقرير الوطني الثاني للمملكة أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف، وتعتبر هذه الخطوة المرة الثانية التي تقدم فيها المملكة تقريرها أمام المجلس، كون هذه الخطوة تمثل آلية تعاونية استحدثتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة التزام الدول بتعهداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، بحيث تكون هذه المراجعة دورية وتكون أيضاً شاملة في مختلف المجالات الحقوقية.
متابعة توصيات اللجنة المستقلة
كانت للمملكة تجربة فريدة إثر الأحداث المؤسفة التي شهدتها مطلع العام 2011، حيث تم تشكيل اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق للنظر في أية انتهاكات حقوقية وقعت خلال فترة الأزمة التي مرّت بها البلاد، الأمر الذي ترتب عليه إعلان عاهل البلاد التزام الدولة بكافة التوصيات التي قدمتها اللجنة في تقريرها، وتشمل التوصيات إصلاح وتطوير العديد من الإجراءات والأنظمة في بعض مؤسسات الدولة، الأمر الذي دفع إلى إنشاء اللجنة الوطنية المعنية بتوصيات تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، وهو ما تم في تقرير أصدرته لجنة المتابعة خلال الربع الأول من العام الحالي. ويجري العمل حالياً على تعديل مجموعة من التشريعات وسن تشريعات جديدة لضمان توافقها مع توصيات اللجنة والمعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان. كما شكلت المملكة الصندوق الوطني لتعويض المتضررين من الأحداث التي شهدتها المملكة في فبراير ومارس 2011. ونظراً للاهتمام الرسمي والأهلي المتزايد بكيفية الالتزام بالتعهدات الحقوقية الدولية، فقد صدر مرسوم ملكي خلال العام الماضي بتشكيل وزارة لحقوق الإنسان بالدمج مع وزارة التنمية الاجتماعية نظراً لارتباطهما الوثيق. وخلال العام الحالي أصدر العاهل أمراً ملكياً بتعيين وزير دولة لشؤون حقوق الإنسان، وهو ما يعكس أولوية هذا الملف المهم.
صدور قانون الطفل
صدر خلال العام الحالي قانون الطفل بعد أن صدّق عليه عاهل البلاد، ويعد هذا القانون أول قانون خاص للطفل في مملكة البحرين واستغرقت عملية تشريعه عدة سنوات منذ الفصل التشريعي الثاني. ويتضمن هذا القانون (69) مادة تقوم على تحديد حقوق الطفل البحريني وحمايته مع الأمومة، وضرورة توفير الظروف المناسبة لتنشئة الأطفال، وإعطاء الأطفال الأولوية في جميع القرارات والإجراءات التي تصدر. وحدد القانون نفسه آليات لتنفيذ القانون وضمان حماية حقوق الأطفال من خلال تشكيل اللجنة الوطنية للطفولة التي تختص باقتراح الاستراتيجية الوطنية للطفولة، وتختص أيضاً بدراسة ورصد المشاكل والتحديات والاحتياجات الأساسية للطفولة، واقتراح الحلول المناسبة لها.
اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان
في منتصف شهر أغسطس الماضي، أصدر صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء قراراً بإنشاء اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان.
وهذا القرار يعكس اهتمام مملكة البحرين بمبادئ حقوق الإنسان، ويؤكد حرصها على تنفيذ التزاماتها وتعهداتها الدولية في المجال الحقوقي، وهي التزامات وتعهدات كثيرة، توليها الدولة اهتماماً خاصاً من خلال التشريعات التي تصدر عبر السلطة التشريعية، أو من خلال الأنظمة والإجراءات واللوائح التي تحددها السلطة التنفيذية، أو حتى بحرص السلطة القضائية على التأكد من تطابق أنظمة القضاء مع معايير حقوق الإنسان التي يجب احترامها، خاصة وأن دستور المملكة، وميثاق العمل الوطني يكفلان مبادئ حقوق الإنسان.
وباستعراض الدور الأساسي للجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان وأهم الصلاحيات التي تتولاها، يلاحظ أنها تمثل جهة مركزية في الحكومة لإدارة كافة الأنشطة المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن أهمها توليها مسؤولية وضع آلية للتنسيق بين الجهات الحكومية في المجال الحقوقي، وكذلك إعداد الخطة الوطنية لحقوق الإنسان على المستوى الحكومي. كما إن اللجنة نفسها تعد قناة الاتصال الرئيسة بين حكومة البحرين، والمنظمات الحقوقية الدولية، ومن أهم المهام في هذا السياق تولي إدارة العلاقة مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والذي يناقش الأوضاع الحقوقية في كافة دول العالم، ومن بينها البحرين التي تقدم تقارير المراجعة الدورية.
وبما أن دور اللجنة تنسيقي، فإنه يلاحظ أيضاً الشمولية والتنوع في عضوية اللجنة، فهي برئاسة وزير الدولة لشؤون حقوق الإنسان، ووكيل الوزارة لشؤون حقوق الإنسان نائباً للرئيس، و13 عضواً، ومنهم الوكيل المساعد.
استقلالية السلطة القضائية
شهد العام 2012 تطوراً مهماً يتعلق باستقلالية السلطة القضائية في مملكة البحرين، فقد كفلت مبادئ ميثاق العمل الوطني هذه الاستقلالية التي تحققت لاحقاً عندما أجري التعديل الدستوري الأول في 2002، وكذلك في التعديل الدستوري الثاني خلال العام 2012. أما على مستوى القوانين الوطنية، فقد صدر في العام 2002 قانون السلطة القضائية لينظم عملها في المملكة.
وخلال حوار التوافق الوطني الذي تم في صيف العام 2011، قدمت مجموعة من المرئيات المتعلقة بتعزيز استقلالية السلطة القضائية، وهو ما أدى إلى إجراء تعديلات على بعض أحكام قانون السلطة القضائية الذي أصدره جلالة الملك مؤخراً في مرسوم بقانون رقم (44) لسنة 2012.
واللافت أن التعديلات الأخيرة على قانون السلطة القضائية ركزت بشكل كبير على الاستقلالية المالية للسلطة القضائية، حيث نصت على أن تكون للمجلس الأعلى للقضاء (الجهاز الأعلى الذي يشرف على القضاء في المملكة) موازنة سنوية مستقلة تبدأ ببداية السنة المالية للدولة، وتنتهي بنهايتها.
ويقوم رئيس محكمة التمييز بإعداد مشروع الموازنة قبل بدء السنة المالية بوقت كاف، على أن يقوم بمناقشتها مع وزير المالية، على أن يراعى فيها إدراج كل من الإيرادات والمصروفات رقماً واحداً. بعد اعتماد الموازنة العامة للدولة، يقوم رئيس محكمة التمييز أيضاً بالتنسيق مع وزير المالية بشأن توزيع الاعتمادات الإجمالية لموازنة المجلس الأعلى للقضاء على أساس التبويب الوارد في الموازنة العامة للدولة.