عادت المؤسسة العسكرية القوية في مصر في الأيام الأخيرة إلى الواجهة التي غادرتها منذ تولي الاسلامي محمد مرسي الرئاسة كاول رئيس للجمهورية من خارج الجيش، لتكلف بالمساعدة في حفظ الأمن والنظام، وسط انقسام سياسي عميق في البلاد قد يضطرها للتدخل.
وتولى الجيش المصري، الذي خرج من صفوفه كافة الرؤساء الاربعة السابقين لمحمد مرسي بين 1952 و2012، إثر الإطاحة بحسني مبارك في فبراير 2011، قيادة المرحلة الانتقالية والسلطتين التنفيذية والتشريعية من خلال مجلس عسكري قاده المشير حسين طنطاوي.
وبدا وكأن المؤسسة العسكرية غادرت المسرح السياسي وخفت صوتها تماما منذ 12 أغسطس الماضي مع تخلي المجلس العسكري عن سلطة التشريع للرئيس المنتخب محمد مرسي وإحالة رئيس المجلس المشير طنطاوي إلى التقاعد في الشهر ذاته.
وقال المحلل والباحث في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية عمرو هاشم ربيع «بعد انتخاب مرسي سعى إلى إعادة الجيش الى دوره كجيش محترف لا يتدخل في السياسة».
غير ان تكليف مرسي الجيش بالمساعدة في حفظ الامن حتى ظهور نتائج الاستفتاء ومنح ضباطه حق توقيف المدنيين وكذلك البيان الصادر عن المؤسسة العسكرية أكدا مجدداً أن الجيش لا يزال قوة لا يمكن تجاهلها في الحياة السياسية المصرية.
واكد قائد الجيش ووزير الدفاع والانتاج الحربي الفريق اول عبد الفتاح السيسي ان «القوات المسلحة هي ملك للشعب وجزء من الدولة المصرية وتؤدي مهامها الوطنية بكل نزاهة وحيادية».
وتشهد مصر منذ أكثر من أسبوعين ازمة سياسية حادة بين أنصار مرسي الإسلاميين الساعين الى المسارعة الى الاستفتاء على مشروع الدستور الذي أعدته لجنة تأسيسية هيمنوا عليها، وقوى المعارضة الليبرالية واليسارية الساعية إلى تأجيل الاستفتاء لحين التوافق على مشروع الدستور. ومن المقرر أن يتم الاستفتاء على مشروع الدستور السبت المقبل.
ومع تاكيد ربيع ان «العسكريين بدوا حذرين جدا» في البيان الذي وصفه بـ «المثير»، فان السؤال الذي يبقى مطروحا هو في حالة خروج المواجهات في الشارع عن السيطرة، هل سيتدخل الجيش بامر الرئيس ام ضد الرئيس؟، وهو سؤال ترتبط الإجابة عليه بمعرفة مدى ولاء الجيش لأول رئيس غير عسكري للجمهورية.
من جهته أشار المحلل السياسي عماد جاد إلى أن منح الجيش سلطة الضبطية العدلية هو محاولة من الرئيس لحشد الأمن والجيش «ليتعاونوا في حفظ النظام» للسيطرة على الوضع الناجم عن حالة احتقان سياسي وانقسام عميق حول مشروع أول دستور بعد مبارك.
وقال إن المؤسسة العسكرية «تقف اليوم في مستوى الوضع ذاته قبل سقوط حسني مبارك، أي على الحياد» غير أنه أضاف «لو حدثت أعمال عنف وسالت دماء فإن الجيش سيتدخل حتماً للسيطرة على الوضع ولن يلتفت كثيراً لكون الرئيس مرسي منتخباً». وأكد أنه «إذا خرجت الأمور عن السيطرة فسيتدخل الجيش لفرض الأمن وبعد ذلك سيتولى على الأرجح إعادة بناء مرحلة انتقالية جديدة بقواعد جديدة». ولم يمر إعطاء الجيش سلطة الضبطية القضائية والحق في توقيف مدنيين دون اعتراضات من قوى المعارضة وانتقادات شديدة من منظمات حقوق الإنسان.
ونددت المعارضة بإصدار مرسي هذا القانون الذي يرتبط عادة بحالة الطوارىء التي شهدتها مصر لأكثر من 30 عاماً في مصر في عهد مبارك. وذكرت أن حزب «الحرية والعدالة» المنبثق عن الأخوان المسلمين وكان يرأسه مرسي، كان شارك في الحملة ضد قرار الضبطية العدلية الذي أصدره المجلس العسكري التي انتهت بابطاله من القضاء الإداري.
واعتبرت منظمة العفو الدولية أن قرار منح ضباط القوات المسلحة وضباط الصف المشاركين في الإشراف على الاستفتاء على الدستور سلطة توقيف المدنيين حتى إعلان نتائج الاستفتاء «سابقة خطيرة» يمكن أن تؤدي إلى عودة المحاكمات العسكرية للمدنيين. ويبلغ عديد الجيش المصري 470 ألف جندي إضافة إلى 480 ألفاً من جنود الاحتياط، بحسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن.
«فرانس برس»