قال الرئيس بالمحكمة الكبرى الشرعية السنية القاضي الدكتور عبدالرحمن بن ضرار الشاعر إن للمسلم حقوق على أخيه المسلم، منها عدم سبابه أو ذكره في غيابه بما يكره، وعدم قتاله، وعدم المساس بالعرض، وردُّ السلام، وعيادته في مرضه، واتباع جنازته، وإجابته لدعوته، وتشميت العاطس»، مشيراً إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر». وأضاف د. الشاعر أن صون حقوق المسلم لأخيه تورث المحبة، وتنشر الألفة، وتغرس المحبة بين المسلم وأخيه، وتبعد الفتنة والنزاع والشقاق بين الناس. وقال إن «وصايا الرسول في حق المسلم على أخيه تؤدي إلى تقوية أمر من أمور الدين المهمة، ودرء بعض المفاسد التي تحطم الأخلاق وتهدد كيان الأمة».
حفظ اللسان
وذكر د. الشاعر بقول الله تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً)، مضيفاً أنه «يجب على المسلم أن يكون عفيف اللسان، طيب الكلام، طلق الوجه، لا يتورط بما يلام أو يعاقب عليه، أو يؤدي إلى فتنة أو شر، وليعلم أنه سيسأل عن جميع حواسه من سمع وبصر وقلب، قال تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)، وقال تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، وتوضح السنة النبوية إيثار الصمت على الكلام، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت)، فلا يتكلم إلا بخير، وبما فيه مصلحة، وإلا فلا يتكلم، ويؤكد ذلك حديث أبي موسى الأشعري قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: (من سلم المسلمون من لسانه ويده)، وهو دليل على تحريم إيذاء الناس بأي وسيلة قولية كانت أو فعلية، ومنها الترويع والتخويف والإرهاب».
وتابع أن «الكلمة الطيبة تورث المحبة، وتنشر الألفة، وتغرس المحبة بين الناس، وأما الكلمة الخبيثة أو الشريرة، فإنها كفيلة بتدمير المجتمع الآمن، ونشر بذور الفتنة والنزاع والشقاق بين الناس، وزرع الأحقاد فيهم».
المساس بالعرض
وأوضح د. الشاعر أن «الإسلام حرص على استقرار المجتمع، وسلامته من المنازعات والمشاحنات، وحمايته من أسباب الفرقة والتمزق، وما أتعس الأمة التي تسمح لفتح ثغرات الضعف في صفوفها، وما أسعد الأمة التي تشيع فيها الأخلاق الفاضلة فيما بينها، ومن أخطر الأمراض التي تزرع الحقد والضغينة، والتقاطع والتدابر بين أفرادها، الطعن في الأعراض والكرامات، والغيبة والنميمة، اللتان هما من الكبائر، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم)، فالغيبة والبهتان، والطعن في الأعراض والحرمات، من أخطر آفات اللسان، وحماية العرض كحرمة الاعتداء على الأموال والدماء تماماً، لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟) وهذا فيه دلالة صريحة على تحريم التعرض لدم المسلم أو ماله أو عرضه، بما لم يسمح به الإسلام، فتجب صيانة الدماء والأعراض والأموال، والحفظ على كرامات الناس كلهم مسلمين وغير مسلمين، دون إيذاء أو خدش أو تعرض لها، حتى ولو كان بإشارة البصر أو الغمز أو الهمز واللمز، قال تعالى: (ويل لكل همزة لمزة).
التحريض
وذكر د. الشاعر أن «نقل الكلام بين الناس بغرض التحريض والإفساد، من الكبائر، لأنها تؤدي إلى إثارة الفتنة، وإحداث البلبلة والنزاع والاقتتال، وشحن القلوب بالعداوة والبغضاء، وتبييت المكائد، وتخريب العلاقات، وسوء الظن بين الناس، وغير ذلك من الأخطار التي تهدد المجتمع، وقد ذم الله تعالى هذا الفعل بقوله: (هماز مشاء بنميم)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمام»، وذم الشرع الحنيف ذا الوجهين: وهو الذي يأتي أحد الفريقين بوجه، والفريق الآخر بوجه آخر، وذلك في قوله تعالى عن المتآمرين: (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً)».
قبائح الكذب
وفيما يتعلق بالكذب، قال د. الشاعر إن «الكذب خصلة رذيلة شائنة، وهو أحد خصال المنافقين، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه، كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»، والكذب يشمل كل الأخبار الخاصة أو العامة، الشخصية أو المتعلقة بالآخرين».
التثبت في نقل الأخبار
وتطرق د. الشاعر للحديث عن التثبت في نقل الأخبار مضيفاً «قال تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، على المسلم أن يكون واعياً لما يطلع عليه، دقيقاً في نقل الأخبار، بعيداً عن الإشاعات والأقوال المترددة بين الناس، حريصاً على الصدق فيما يقول، وفيما ينقله إلى غيره، ويشدد القرآن على قضية التثبت في نقل الأخبار، وعدم التسرع في تصديق كل ما يسمع ويقال، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع»».
السب بغير حق
وقال د. الشاعر إن «الإسلام يحرم سب الناس بغير حق، لقوله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً)، وأكدت السنة النبوية تحريم السباب، أي مبادلة المسبات والشتائم في أحاديث كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر»، فسباب المسلم وتعييبه فسق، أي خروج عن طاعة الله، وقتاله كالكفر في الإثم، وفي ذلك خروج عن دائرة الأخوة الإيمانية».
تحريم الإيذاء
وأكد د. الشاعر أن «الإسلام حرم إيذاء الآخرين»، مشيراً إلى أن «إيذاء الآخرين تخلف وانتكاس، وبدائية وهمجية، لأن الإيذاء يؤدي إلى ردود فعل كثيرة سيئة، منها الثأر والانتقام، وزرع الأحقاد وإثارة المنازعات، وتصدع بنيان المجتمع، وتفرقة الأمة، وكيد الناس بعضهم لبعض، وغير ذلك من السيئات، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)، إن هذه الأخلاق أو العيوب من تباغض وتحاسد وتقاطع وتدابر أمراض قلبية خطيرة، يجب على المسلم الابتعاد عنها، وتصفية نفسه منها، لإشاعة المودة والمحبة والتآخي فيما بين الناس، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وهو الهادي إلى سواء السبيل».