سبق أن عرفنا جريمة الرشوة بأنها إحدى الجرائم ذات الصلة بالوظيفة العامة وتدور في جوهرها حول الإخلال ببعض الواجبات التي يلتزم بها من يشغل هذه الوظيفة ولهذا فإن صفة الموظف العام تعد المرتكز الأساس والشرط المفترض في جريمة الرشوة ومن ثم فإن الأمر يقتضى أن نوضح مدلول الموظف العام من الناحية الإدارية والجنائية.
الموظف العام في القانون الإداري هو الشخص الذي يعهد إليه على وجه قانوني أداء عمل في صورة من الاعتياد والانتظام في مرفق عام تديره الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة إدارة مباشرة، وهذا يعني أن الموظف العام له وضع قانوني داخل المنظومة الإدارية للدولة ويخضع لقوانينها وما تلزمه هذه القوانين به من قواعد، وبما لها من سلطة تأديبية إذا أخل الموظف بواجبات هذه الوظيفة، أما المفهوم الجنائي للموظف العام فينطلق أساساً من أهمية حماية الوظيفة العامة وضمان نزاهتها بما يؤدي إلى بعث ثقة جمهور الناس في عدالة الدولة وحيادها وشرعية أعمالها، فالموظف العام حين يؤدي أعمال وظيفته يعمل باسم الدولة ولحسابها ويمارس بعض اختصاصاتها، فإذا أخل بهذه الأعمال أوانحرف في ممارستها اهتزت ثقة الناس في الوظيفة العامة ومصداقيتها الأمر الذي يقتضي تجريم تصرفات الموظف العام التي تؤدي إلى الاجتراء على الثقة المتبادلة بين الدولة ممثلة في موظفيها وجمهور الناس الذين يتعاملون مع الموظف العام.
ومن ناحية أخرى فإن قانون العقوبات البحريني في تجريمه للرشوة هدف الى حماية جمهور الناس من الموظف العام حين يستغل وظيفته وإذا كان لم يحدد حصرياً من هو الموظف العام غير أنه يمكن تحديد الموظف العام خلال الاسترشاد بأحكام القانون الإداري. فما ورد في المادة (186) من قانون العقوبات البحريني أن الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة كما جاء في نهاية المادة (189) أنه تقوم جريمة الرشوة لدى الموظف العام حتى لو كان العمل العام لا يدخل في اختصاص الموظف ولكنه زعم ذلك كذباً أو اعتقد خطأ. وعليه يمكننا أن نحدد المقصود بالموظف العام والمكلف بخدمة عامة وهم على سبيل المثال المستخدمون في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها، أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية سواء كانوا منتخبين أو معينين، المحكمين أو الخبراء والحراس القضائيين، وفي العامة كل شخص مكلف بخدمة عامة. ولا يعني قانون العقوبات بالدرجة الوظيفية للموظف العام أياً كانت ورتبته الوظيفية، فتقوم جريمة الرشوة طالما كان منخرطاً في العمل الحكومي معيناً من قبل الدولة أو مكلفا بأداء خدمة وظيفية عامة للدولة ، فجريمة الرشوة تطال أي موظف فاسد ومتى أخل بواجبات الوظيفة وحصل على منافع مادية أو معنوية من الأشخاص لقاء أداء مهام وظيفته على خلاف القانون عن عمد، ولا يتغير من الأمر شيء حتى لو لم يدخل هذا العمل في مهام وظيفته ولكنه زعم ذلك أو اعتقده خطأ.
هذا وسوف نكمل في الحلقات القادمة، سلسلة مقالات مكافحة الفساد.