كتب - حسين التتان:
تناول أحد الصحافيين في تقرير نشرته صحيفة محلية مؤخراً مسألة خرق الملكية الفكرية في البحرين، مُرجعاً السبب إلى أمرين، الأول يتمثل في غياب الوعي المجتمعي فيما يتعلق بثقافة حماية أنظمة الملكية الفكرية، فيم يعود الثاني إلى ترهل الإجراءات الرسمية والقانونية.
واستشهد كاتب التقرير بالقوانين والتشريعات المقررة بهذا الخصوص منذ عام 1995 وحتى اليوم، وعجزها عن حماية حقوق الملكية الفكرية من السرقة.
ونسف أحد القرَّاء بتعليقه كل ما كتبه الصحافي، حين طرح حقيقة واقعية مرَّة، وأحرجه بالسؤال «هل يشتري كاتب التقرير كل شيء أصلي؟ هل يشتري الفيلم الواحد بـ10 دنانير؟ وألعاب الحاسوب لابنه بـ30 ديناراً؟ وهل يبتاع برنامج مايكروسوفت وويندوز بـ70 ديناراً؟».
وقال إن السبب ليس في غياب الوعي المجتمعي، بل في طمع أصحاب الملكية الفكرية وجشعهم للإثراء «في الجانب الآخر نلحظ المستوى المعيشي لبعض شرائح المجتمع البحريني، واضطرارهم لسرقة حقوق الملكية».
الفنان والكاتب المسرحي جمال الصقر يقول «جلالة الملك صادق على قانون حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة عام 2006، وهو المعمول به حالياً في البحرين، وتثبيته ضرورة ملحة».
يطلب صقر من كل المنتجين والفنانين والمؤلفين والروائيين والمغنين تسجيل منتجاتهم الفكرية لدى الجهات المختصة «أخص هنا أصحاب الأعمال الدرامية فربما يتداولها أكثر من مخرج أو مؤسسة فنية»، ويضيف «قانون حماية الملكية الفكرية يحمي الإنتاج الفعلي وليس الفكرة الإبداعية للفنان».
المبدع لا يسرق
إن كل أنواع التنزيلات «داون لود» تعتبر سرقات فكرية، وهي مخالفة للقانون والأخلاق وحتى الشرع الحنيف، وسلوك غير لائق، ومن يمارس فعلاً مماثلاً، يجب تطبيق العقوبات القانونية بحقه.
يرى صقر أن الأهم بالنسبة لعامة الناس «الوعي الذاتي والوازع الأخلاقي والديني للفرد، فسرقة المنتجات الفكرية مع انتشار كل أشكال القرصنة الإلكترونية كارثة في عالمنا العربي عامة» وينصح الشباب البحريني المبدع «بحماية إبداعاتهم عبر تسجيلها لدى الجهات المختصة حماية لها من السرقة».
الفنانة التشكيلية زينب عبدالمحسن تتحدث عن أهمية حقوق الملكية الفكرية في البحرين «معاقبة السارق للحقوق الفكرية أمر جيد، لكن سرقة المُنتج الإبداعي ونسبته للسارق يؤدي على المدى الطويل إلى تراجع المستوى الفني والأدبي للمبدعين، وينعكس على مجمل الحراك الثقافي بالمجتمع».
وترى في سرقة حقوق الملكية الفكرية تعطيلاً لحركة الإبداع والفن والأدب، دون أن تغفل عن ضرب الأمثلة «حين كنَّا في مرحلة الدراسة الجامعية، تعلمنا بطريقة علمية مزايا اللوحات العالمية للفن التشكيلي والكاريكاتوري والإعلانات وغيرها من التصاميم، للاستفادة من نقاط القوة منها لنعمل أعمالنا الفنية من وحيها، ثم بعد العمل الفني، كنَّا نفتخر كبحرينيين بنتاجتنا الفنية، لأنها جاءت بعد دراسات دقيقة وبحوث معمّقة».
ماذا لو تم سرقة نتاجك الفني؟ تجيب زينب «مؤكد أن أحزن حين يُسرق عملي، لكن ليس لأجلي، بل لمن سرق العمل، لأنه لا يملك الشجاعة الكافية للإبداع، فالمبدع لا يسرق، ومن يسرق مريض نفسياً، فالذي يسرق نتاج غيره، كيف له أن يرتاح، وهو ينسب لنفسه جهد غيره؟».
بالنسبة للناس العاديين من المستهلكين لكل منتج أدبي أو فني أو فكري «لهم نظرات متفاوتة ومختلفة حول مسألة حقوق الملكية الفكرية، فالضبابية في الرأي هي الغالبة على أقولهم، والبعض الآخر لا يعرف عن الملكية الفكرية شيئاً».
كلنا سواء
يقول إبراهيم جابر السباعي «لا نريد أن نكذب على أنفسنا، فكلنا يشتري ما ينفعه بأبخس الأثمان، ولا أحد اليوم يشتري نسخاً أصلية لأي منتج يخضع لحقوق الملكية الفكرية، تفادياً لدفع التزامات مالية إضافية».
سلوى إبراهيم لم تسمع حتى بـ»الملكية الفكرية»، وتشاطرها الرأي صديقتها سوسن عبدالواحد «لكن نتفق بالمجمل أن حقوق الملكية الفكرية يجب أن تصان».
ويرى المواطن علي عبدالجبار يوسف، ومع تقدم وسائل الاتصال الحديثة من المضحك كتابة العبارة التقليدية «حقوق النشر والتوزيع محفوظة» على المنتج الثقافي «لأن القرصنة الإلكترونية اليوم استشرت، وبات مسألة ضبطها أكبر بكثير من سطوة العبارة وكل الأجهزة الرسمية المختصة».
نوره عبدالحميد ترتاح لحل أن الناس يجب أن يلتزموا أدبياً وأخلاقياً وقانونياً حيال المسألة، وبكل لوائح حماية حقوق الملكية الفكرية «لأن سرقتها جريمة يعاقب عليها القانون، وانتهاك صارخ لجهود المنتج الثقافي مهما كان نوعه، وتعد على أموال الطباعة والنشر»، وتضيف «مجتمعنا مع الأسف، مازال يعتقد أن مفهوم السرقة، لا يتجاوز سرقة الأموال والمحال التجارية».
يبني فيلم «أرملة من سانت بيير» مناخاً ضبابياً حول قائد الحامية العسكرية جان، الذي يبدو أنه يملك زوجته جولييت بينوش كلياً، ومع ذلك يتوق إليها على نحو موجع.
الفيلم دراما تاريخية تدور أحداثها عام 1849 على جزيرة سانت بيير الفرنسية، وهو يكشف حالات الغيرة والتنافس من أجل موقع اجتماعي بين مسؤولين صغار، ضيقي الأفق، ومصالحهم الشخصية تكون جلية أكثر في التباين مع جان، الذي يحكم بشيء من الحنو والشفقة عندما يتولى قضية القاتل إمير كوستوريكا، المحكوم بالإعدام، المسجون لأشهر طويلة في انتظار وصول المقصلة عن طريق البحر.
شخصية جولييت بينوش، على نحو متعذّر تفسيره أو تعليله، تنجذب إلى القاتل، وهي تستخدمه لمساعدتها في الاعتناء بالحديقة والأعمال الروتينية الأخرى، مثيرةً بذلك الدهشة بين سكان القرية، فيما الزوج جان يراقب تفاعلها مع القاتل، فإن استجابته تكون مجرّدة من الغيرة لكن متشرّبة بمزيج من الفضول والتوق، في ما بعد، يقوم بإبعاده عن شيوخ القرية وممثليها.
إذا كان ليكونت في فيلمه التاريخي Ridicule يتحرى سلطة اللغة في السخرية وبذر الانشقاق، فإنه في «الرجل في القطار» و»غرباء حميمون» يستجوب سلطة المحادثة في تشكيل حميمية هي على نحو متناقض ظاهرياً تتخطى سلطة الكلمات.
في «الرجل في القطار» نشهد تنامي صداقة بعيدة الاحتمال بين غريبين يلتقيان في صيدلية القرية ميلان سارق بنوك «يؤدي دوره مغني الروك السابق جوني هاليداي» والذي يصل إلى البلدة ليخطط لسرقة مصرف مع 3 من أفراد عصابته، وأستاذ الأدب المتقاعد جان روشفور الذي يستضيف ميلان في بيته.
رغم إدراكهما أن الأوان قد فات، إلا أن كلاً منهما يتوق إلى عيش جانب من حياة الرجل الآخر، ميلان وهو يخطو نحو منتصف العمر، ينجذب إلى الراحة العادية التي يوفرها البيت للأستاذ، بينما الأستاذ وهو الآن رجل مسن، ينجذب إلى رومانسية وجود ميلان، هذا الوجود المتحرّر من كل قيد.
عندما يرتدي الأستاذ سرّاً سترة ميلان الجلدية، فإنه يتخيّل نفسه ذلك الكاوبوي الأسطوري «وايات إرب»، وعندما يدسّ ميلان قدميه، على نحو متردّد، في خفّ الأستاذ، فإنه يشعر بالصدمة والرضا معاً، معترفاً بأنه أبداً لم يستخدم أخفافاً في حياته، ويقول متأملاً «حياتي كلها باطلة». وعندما يأتي طالب يتلقى دروساً خصوصية، أثناء غياب الأستاذ، فإن ميلان الكتوم، قليل الكلام عادةً، يتظاهر بأنه أستاذ جامعي، ويبدي توقه الشديد إلى الشعر الذي طوال حياته كان يراوغه ويتملّص منه.
الفيلم يأسر عزلة ميلان وعزلة الأستاذ معاً، الأستاذ يقول إنه كان دوماً يحلم بسرقة بنك، هذا التخيّل يبدو بعيداً عنه كما الحال مع رغبة ميلان في التخلي عن خططه والاستقرار مع الأستاذ في المنزل العائلي، وهو الآن شرنقة بالية لم يخرج منها الأستاذ قط، «هذا البيت ملئ بالماضي» يقول ميلان عندما يدخل البيت لأول مرّة لكن الأستاذ يضيف بحزن «وبالضجر».
في مشهد الذروة، المنفّذة مونتاجياً على نحو مدروس ومتقن، تكون مواجهة ميلان للسلطات المحلية، فيما هو يسرق البنك، موازية لمواجهة الأستاذ للجسد الشائخ فيما الأطباء في غرفة العمليات يحاولون إنعاشه وإعادته إلى الحياة.
الفيلم يأسر الدعابة الهادئة، الذكية، والتعبيرات الدقيقة للحميمية الشائعة في أعمال ليكونت.
مثل الأستاذ تماماً، ويليام في فيلم «غرباء حميمون» لم يخرج أبداً من شرنقته ويبلغ سن الرشد، إنه يعمل ويعيش في منزل طفولته، شاغلاً مكتب والده، موظفاً سكرتيرة أبيه، وممارساً قانون الضرائب تماماً مثلما فعل والده، حتى أن ألعاب طفولته لا تزال مصفوفة على الأرفف.
يشعر بانجذاب عاطفي إلى امرأة أنـّا تدخل مكتبه معتقدةً أنه الطبيب النفساني الذي يسكن في المبنى ذاته، ولم تتعرّف عليه من قبل، وهي تستمر في زيارتها له حتى بعد أن تتعرّف على هويته الحقيقية، وتستمر في كشف تفاصيل خاصة وحميمة عن حياتها الزوجية المضطربة، إنها تكتسب شيئاً فشيئاً القوة والاستقلالية للانفصال عن زوجها.
يبدأ هو في الخروج من سلبيته الشاذة، لكن كلما عرف أكثر عن «أنـّا» صار أقل فهماً للأمور، مما يجعله يضطر إلى مراجعة الطبيب النفساني ملتمساً النصيحة ومعبّراً عن عدم قدرته على التعايش معها.
موسيقى الفيلم تذكّرنا بموسيقى برنارد هيرمان، تستحضر إحساساً غامضاً باللغز، ذلك اللغز الذي هو ربما الحميمية النامية بين الإثنين ولا أحد منهما يدرك ذلك بعد.