احتفال مملكة البحرين بعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى والعيد الوطني المجيد احتفال ذات قيمة عالية، تشترك الدولة في الاحتفاء بذكرى السادس عشر والسابع عشر من ديسمبر من كل عام.
هذه المناسبة تعد أهم مناسبة وطنية على الإطلاق تحتفل بها البحرين كل عام، وبالتالي فإن مظاهر الاحتفال فيها ليست مجرد احتفالات عادية، بل هي احتفالات بهوية البحرين والبحرينيين، واحتفالات بمنجزاتها الحضارية التي تحققت في مختلف المجالات.
العيد الوطني فرصة حقيقية لتعزيز الانتماء الوطني، وغرس مفاهيم المواطنة، وتجديد الولاء والبيعة للأرض والدولة التي احتضنت المواطنين بمختلف مكوناتهم، وكذلك المقيمون فيها الذين قدموا إليها للعيش أو العمل والمساهمة في بناء مستقبلها.
جلالة الملك عندما تولى مقاليد الحكم في البلاد أطلق مشروعاً إصلاحياً متقدماً بدأه بسلسلة من الإجراءات التمهيدية مثلت تحركاً تاريخياً مسبوقاً لم تشهده دول المنطقة من قبل، وأعقبه بإعداد مشروع ميثاق العمل الوطني وطرحه في استفتاء شعبي عام لينال تأييداً منقطع النظير.
تلك اللحظات التاريخية لاتزال عالقة في أذهان البحرينيين الذين يستشعرون اليوم حجم هذه المنجزات التي قادت الدولة من وضع إلى آخر متطور، وخلالها أنشأت العديد من المؤسسات الدستورية مثل البرلمان والنيابة العامة والمحكمة الدستورية وديوان الرقابة المالية والإدارية، وتعززت خلالها قيم المواطنة من حقوق وواجبات طبقاً لما جاء في الدستور، وترسخت فيها مبدأ استقلال السلطات وتوازنها.
الإصلاحات التي قادها جلالة الملك لم تكن إصلاحات سياسية فحسب، وإنما إصلاحات شملت جميع القطاعات دون استثناء، وهي إصلاحات كان محورها الأساس المواطن نفسه باعتباره محور أية عملية تنموية يمكن أن تشهدها الدولة. ولذلك كانت رؤية جلالة الملك طموحة لأنها لم تعتمد على إنشاء المؤسسات والقوانين، بل أكدت هذه الرؤية الملكية ضرورة بناء ثقافة سياسية داعمة للمشروع الإصلاحي برمته، بحيث تسود الثقافة السياسية المشاركة في المجتمع المحلي لتساهم في دفع الأفراد نحو المشاركة الإيجابية في الإصلاح نفسه.
الرؤية هنا تقوم على معادلة مهمة، وهي أن الإصلاح السياسي لا يمكن أن يستمر أو يتطور دون وجود ثقافة سياسية وتنمية سياسية مستدامة. ولطالما أن المجتمع المحلي يعيش مرحلة تحول ديمقراطي، فإنه بحاجة ماسة إلى تطوير ثقافته السياسية السائدة عبر رفع مستوى الوعي السياسي، وغرس مجموعة من المفاهيم الوطنية التي تكون لديه الدافعية نحو مشاركة إيجابية في الشأن العام أو الحياة السياسية.
لذلك حملت رؤية العاهل إنشاء مؤسسة وطنية تعنى بنشر الثقافة السياسية التي تقوم عليها عملية التنمية السياسية من خلال مجموعة برامج طموحة وبكوادر وطنية، فكان نتاج هذه الرؤية تأسيس معهد البحرين للتنمية السياسية.
أعوام قصيرة مرت على تأسيس المعهد، ولكن الطموحات والتطلعات التي يحملها المعهد أكبر من هذه الأعوام القصيرة، وهو ما يدفع القائمين على المعهد من مجلس أمناء وإدارة تنفيذية إلى بذل المزيد من الجهود لتحقيق هذا الطموح الكبير.
خلال الأعوام الماضية حدد المعهد رؤيته الإستراتيجية، ووضع أهدافه التي يعمل على تحقيقها، وبدأ عمله عبر مسارين، الأول يعتمد على إقامة مجموعة من الشراكات المحلية مع بعض المؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع العام، وكذلك مع عدد من مؤسسات المجتمع المدني لإيمانه بضرورة خلق تلك الشراكات مع الأطراف ذات الصلة حتى تساهم في دفع برامجه دائماً. وشمل المسار نفسه أيضاً إقامة شراكات مع بعض المنظمات في الخارج التي لديها خبرات دولية في مجال اختصاص المعهد للاستفادة منها في تطوير قدرات المعهد وكفاءته على الإنجاز. أما المسار الثاني فاعتمد على تدشين مجموعة من البرامج التدريبية والتثقيفية التي تستهدف شرائح متنوعة من المجتمع المحلي، سواءً كانت الشباب، أو المرأة أو مؤسسات المجتمع المدني، وغيرها من الشرائح التي تدخل ضمن دائرة اهتمامات المعهد. كما تنوعت البرامج التي قدمها المعهد من برامج تأسيسية تساهم في التوعية بحدها الأدنى، وبين برامج تخصصية في الشأن السياسي كما هو الحال بالنسبة لبرامج حقوق الإنسان، أو تلك البرامج المتعلقة بتمكين المرأة.
يفخر معهد البحرين للتنمية السياسية بمساهمته الفاعلة في تحقيق تطلعات صاحبة السمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد رئيسة المجلس الأعلى للمرأة في مجال تمكين المرأة، حيث ساهمت جهود المرأة في تحقيق أهداف هذا البرنامج الطموح، وشهدت البلاد خلال الأعوام الماضية وصول المرأة إلى قبة البرلمان، وكذلك عضوية المجالس البلدية.
تطوير الثقافة السياسية مهمة صعبة، والمعهد يؤمن بهذا التحدي الكبير الذي لا يمكن تحقيقه بشكل منفرد، وإنما من خلال الشراكات التي يقيمها على المستويين الداخلي والخارجي، وبمزيد من البرامج المبتكرة التي تلبي كافة الاحتياجات المحلية. كما أن هذه الجهود ليست مرحلية، أو مقتصرة على فترة معينة، وإنما هي جهود مستمرة نحو تطوير الثقافة السياسية ونشر الوعي بالشأن العام بما يخدم التحول الديمقراطي الذي تشهده البلاد منذ عقد من الزمن.