بسم الله الرحمن الرحيم «كل نفسٍ ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور». صدق الله العظيم (كل نفس ذائقة الموت) آية في كتاب الله العزيز نقرأها ونؤمن بها ولو قدر لأحد أن يخلد ولا يموت لكان الأنبياء والرسل هم أحق الناس بالخلود ولكن الموت كأس كتب على جميع المخلوقات أن تشربه فتطوى الصور وتدفن الأبدان ولكن الذكرى الطيبة والسمعة الحسنة ومحبة الناس تبقى وتخلد صاحبها. هذا ما كان الوالد رحمه الله يحرص عليه ويعلمنا إياه مع التأكيد على أهمية الطموح والإصرار والإخلاص لهذا الوطن الغالي والعمل على تحقيق الإنجازات والتميز. لاأزال أتذكر كيف كنا نجتمع عند الراديو عندما كنت تذيع برامجك وكيف كنت تطلب منا تقييمك وأنت الأستاذ الكبير وكان أكثر الأوقات متعة عندنا عندما كنت تجمعنا وتمدنا بفيض من عطاء تاريخك الزاهر. كنت كأي طفل يتعلق بوالده ولم أكن أتصور أنه سيأتي اليوم الذي ترحل فيه عنا لكنه قضاء المولى عز وجل وسنته في خلقه، ولا أنسى رفيقة دربك وشريكة حياتك ومن قاسمتك حلاوة الحياة ومرارتها باقية على العهد الذي تعاهدتما عليه منذ أن وضعتما اللبنة الأولى لحياتكما إيذاناً ببدء حياة تتقاسمان حلوها ومرها، وهي في صلاتها وصومها وركوعها وسجودها تدعو لك بأن يسكنك الله فسيح جناته.
أجمع الناس على حبك وتقديرك ابتداء من القيادة الرشيدة وحتى المواطنين البسطاء. لم تكن تدخل البيوت بصوتك فقط وإنما كنت تدخل القلوب، رحلت وتركت قلوب أحبتك من أبناء وأهل وأصدقاء ومعارف وإذاعة وجمهور وغدت الإذاعة ثكلى بفقدك تردد صدى صوتك فأنت جزء من تاريخها، كانت حلماً فصارت حقيقة واقعة بإصرارك ورفقاء دربك فيها وبجهد وإخلاص حققت إنجازات متميزة، كانت عقولنا الطفولية تغار من الإذاعة التي تعدها كأحد أبنائك تفرح بنجاحاتها وتسهر الليالي الطوال في قلق عليها وصوتك يتردد في جميع أرجائها حتى إذا اطمأننت عليها سكت ذلك الصوت الشجي ولم نعد نسمعه يتردد فيها مرة أخرى. وتمضي السنون ولا نشعر بها. أحقاً مضت ثمان سنوات على رحيلك. لم أعد أسمع صوتك أو أرى خيالك، جميع ما في الإذاعة يشهد لك ويذكرك فلك في كل ركن ذكرى ولك في كل زاوية موقف، كنت ولاأزال أفخر بالاسم الذي أحمله فهو جواز سفري في المجالس والتجمعات فيكفي أن أقول أنا ابن أحمد سليمان حتى تفتح لي الأبواب ويذكرك الجميع بالخير، صوتك في كل مكان، اسمك يتردد على كل لسان، تاريخك لا يمكن أن يطويه النسيان، كلما التقيت شخصاً من معارفك فإنه يترحم عليك ويذكر مآثرك فكلما التقيت أحداً من رفاق دربك الذين بقوا أوفياء لك يتذكرون باستمرار اللحظات والساعات والأيام الجميلة التي أمضوها في معيتك ويتحدثون عن الزمن الجميل الذي عاشوه معك، فأنت باقٍ في خيالنا وحياتنا وفي شغاف قلوبنا، نصون وصيتك ولن نحيد عنها أبداً، فنحن على عهدك باقون وفي أحداق عيوننا حفظنا أمانتك ونرعاها ونحث أبناءنا على السير بنفس المنهج الذي اختطته لنا.
أخيراً وليس آخراً، سيظل جميع محبيك يذكرونك باستمرار، فأنت مدرسة للمذيعين ينهلون من معين علمك وفنك وموهبتك وأنت مدرسة في الحياة لأبنائك ومن في حكمهم ممن تتلمذوا على يديك أو على صوتك وأسلوبك الفذ المميز، ولانزال نتذكر حديثك معنا، نتذكر نصائحك لنا، نتذكر أبوتك وحنانك الذي أسديته لنا منذ كنا صغاراً حتى كبرنا، علمتنا معنى الحياة، وتعلمنا منك الكثير، ونقولها صريحة، إن الكلمات لن توفيك حقك، وعزاؤنا ذكراك العطرة. قال تعالى: (من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).. صدق الله العلي العظيم. رحمك الله، وأسكنك فسيح جناته، وألهمنا وأصدقاءك ومحبيك ومعارفك الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون،
ابنك الذي لن ينساك
فواز أحمد سليمان