أحمد جاسم
عندما نغرس الوطن كسلعة مادية في نفوس الأبناء فإننا نعلمهم أول دروس الأنانية، فحب الوطن يعني بمقابل، ولذا يأتي السؤال الأليم!! وماذا أعطانا الوطن؟! والسؤال الأهم: هل الوطن الذي يعطي أم أنت؟
قبل أي شيء فإن غرس حب الوطن سيكون متلازماً معنا لزوم الروح للجسد، ولزوم الخيال والصورة والإحساس للــــذات .. الوطـــن أن أعشـــق بحـــره وسماءه ورطوبته وصخوره وترابه ورائحة جدرانه العتيقة، الوطن قيمة ولغة ومضمون وأساس، فإن لم تتأصل هذه المعاني قبل أي مطلب مادي فلا مكانة لك فيه.. فعندما ننتظر المقابل بلا عطاء تصبح المساومة ظالمة غير عادلة.
بين فترة وأخرى أصطحب أولادي إلى بيوتنا القديمة في المحرق العتيقة لنشتم رائحة حجارتها الصخرية البحرية الأصيلة، لنشكل منها صورة الكفاح القادم من البحر لأجــداد مضـــوا يعشقون هـــذا الوطن، حيث كان الكدح والتعب والنصب من نصيبهم، فهل امتعضوا من وطنهم أو فكروا في تخريبه وتدميره؟!
عندما نتجول في تلك الأحياء ندرك قيمة الماضي ونقدر الحاضر، فالتغير العمراني للبحرين على مدى عقود يلزمنا أن نحترم تطـوره الزمنــي، ونشكــر الخالق على ما وصلنا إليه، ولعلنا نسخط من تقصير هنا أو هناك فهذه حقيقة، لكننا أبداً لا نكره الوطن، وحتى الذي يتكلم عكس ذلك فإنه يرجع ليؤكد قول أمير الشعراء:
بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام
فمهما كان وصار ومهما اختلف وخالف من هوانا، فلا يمكن أن نصدق أحداً يكره وطنه، وقد جربت ذلك بعد أكثر من ثلاثين سنة من معيشتي في أحيائنا القديمة كيف أحــن لها وأتألـــم لما آلـــت إليه من هجران أهلها، وبالرغم من سكني الحالي المريح -ولله الحمد- إلا أن الذكرى تأخذني له والعبرة تحرقني عندما أزوره، فكيف بكم بالوطن كله عندما تهجره.
معنى الوطـــن يجـــب أن يكـون بهذه الروح في نفوسنا ونفوس ذرارينا، وبعدها فلينطلقوا ولن يمسوه بسوء لأنهم إن فعلوا ذلك فإنهم يجرحون ذاتهم ويزعجوا أرواحهم، وهـــذا الــــذي يعطيــــنا حق التحية لقول أمير الشعراء مرة أخرى:
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
فالشغل هو الاشتغال بالوطن وفيه وليس عنه أو ضده! فما دمت قد ولدت وترعرعت فيه فأنت ابن هوائه وسمائه وترابه وأشجاره ومياهه، فلا تتخلى عن أبوتك وأمجادك وعشيرتك يا ابن البلد.