قال شيوخ دين وعلماء إن «استحضار العبد لفضائل الله وحبه لمولاه وتدبر آيات كتابه الكريم أساس العلاقة بين العبد وربه، وسبيل المؤمن لزيادة قربه من خالقه عز وجل»، موضحين أن «من أكثر هذه المعاني كأساس في العلاقة مع الله هي تربية الفطرة الإنسانية على محبة الله والقرب منه، وعدم التصنع لإظهار تلك العلاقة على أحسن ما تكون».وأشاروا إلى أن «أجمل ما في العلاقة ما بين المرء وخالقه هو معرفة المرء لنفسه، لأن الإنسان إذا عرف نفسه وصدق في معرفتها كان ذلك سبيلاً لمعرفة الله، ولذلك نرى القرآن عندما يقدم العقائد للناس يقدمها في التفكر في أنفسهم وفي ذلك يقول عز وجل: (وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم).وتابعوا «لكي يزيد حب المخلوق لخالقه فذلك يستوجب استحضار أثر الخالق في المخلوق، فاليقين في إيمان المرء يجعله يخاطب نفسه: أين كان قبل أن يجيء إلى الدنيا؟ فهذا السؤال مع يسره ذكرنا القرآن به في قوله: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً)، ولنا عند هذا السؤال وقفة تجعلنا نتساءل: متى أصبح الإنسان شيئاً مذكوراً؟ فاستحضار ذلك يجعلنا نوقن بالله يقين من يعرف قدرته وحكمته ويعرف في الوقت نفسه حكمة خلقه وغاية وجوده فلا يضل ولا يضل، ولا يشغل بهواه عن ذكر الله، لأن ذلك يودي به في دنياه، ويحقق الخسران له في أخراه، ومن هنا نادى الله المؤمنين بقوله: (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون).وذكروا أن «أسوأ ما يصيب الإنسان أن ينسيه الله نفسه، لأنه إذا نسي الإنسان نفسه وقع في الخبائث، وهو يحسب أنه يعمل الطيبات، وصدق الله حين قال: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً)، فمن هنا ندرك حكمة الأمر بالمداومة على ذكر الله والإكثار من ذلك بلا انقطاع في قوله: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرةً وأصيلاً)، لأن الذاكر لله تعالى يكون دائماً مستحضراً عظمة الخالق في كل خير يؤديه، وما أجمع ما قالته الآية الكريمة أمراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).والآيات التي تحث على حب العبد لخالقه عديدة، ومنها قوله عز وجل: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله، والذين آمنوا أشد حباً لله) وفي تفسير هذه الآية أوضح العلماء أن «الأصل في حياة المرء ألا يتعارض شيء مع حب الله عز وجل إلا وكانت الأولوية لحب الخالق فلا تكن أهواء الإنسان وحبه لخالقه كل في كفة، وهذا ليس ند شرك ولكنه ند حب، أما المؤمنون فهم أشد حباً لله لتفضيلهم حب الله تعالى فلم يجعلوا في حب الله لهم نداً، فكان إخلاصهم في حب الله تعالى وتفضيلهم له أعظم من حب الأنداد لأندادهم، فلم تسبق أهواؤهم مراد الله تعالى».وفي قوله تعالى: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) يرى العلماء حقيقة ارتباط حب الله تعالى بطاعة رسوله، وهذا يدل على مكانة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء ليخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.أما في قوله تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) فيبين العلماء أن المؤمن لا يكتمل الإيمان لديه إلا بكمال حب الله ورسوله في قلبه عن كل فتن ومتاع الدنيا الفانية، فالله ورسوله في قلب المؤمن دون مشاركة لأي ند في هذه العلاقة الربانية، ويأتي قوله تعالى في الآية الكريمة: (ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) ليؤكد معنى الآية السابقة فيوضح أن أمر الله ورسوله للمؤمن والمؤمنة ليس فيه اختيار، فالطاعة واجبة، لأن اليقين إذا اكتمل، لا يكون للشيطان على المؤمن من سبيل، فيكون الولاء لله ولرسوله سبباً في طاعته ومحبته. وصدق الرسول الكريم حين قال: (أيها الناس.. أحبوا الله من كل قلوبكم.. أيها الناس أحبوا الله لما يغدوكم به من النعم)، فلا يترك المرء مساحة في قلبه إلا وفيها حب الله تعالى، ويكون مقدار الحب والولاء للخالق بقدر ما يغدوكم به ربكم من النعم.وفي هذا الصدد يقول العلماء «الغريب في الأمر أنه إذا قارن العباد ما بين نعم الله عليهم، ومعاصيهم له لرجحت كفة المعاصي مقارنة بنعم الخالق، ولذلك أكد الرسول على ضرورة حب الله تعالى بقدر النعم التي لا تحصى وبالتالي تكون الطاعات لا تحصى بقدر النعم».وأشار العلماء إلى أن «أسوأ مرض يصيب القلب هو أن يتعطل عن أداء الوظيفة التي خلق من أجلها وهي حب الله عز وجل، وقمة المعرفة هي معرفة العبد بخالقه وحبه له، وما أجمل أن يتلذذ المؤمن بحب بارئه ونعيم الدنيا الفانية لا يضارع شيئاً بجانب حب الخالق، وطاعته، والعيش في كنفه».