كتب - علي الشرقاوي:
مذ عرفنا محمد جابر الأنصاري كاتباً في جريدة الأضواء الأسبوعية في عمود «مسامرات جاحظية» مذيلاً تحت اسمه «أول ماجستير في الآداب»، وهو يثير الجدل في أطروحاته الفكرية ويخلق حوله آراء مختلفة التباين، فهناك من يقف مع أطروحاته ويحولها إلى خاصته، وهناك من يختلف معه 180 درجة.
اتجه الأنصاري إلى البحث في التاريخ الأدبي البحريني، وعرفنا نحن على أدراج المدارس منتصف الستينات، شعراء بحرينيين مهمين وشخصيات مؤثرة لم نتعرف عليها من قبل، مثل الشاعر إبراهيم بن محمد آل خليفة، والشيخ محمد بن عيسى وعبدالله الزايد وعبدالرحمن المعاودة والشاعر العامي محمد عطية الجمري في حوارياته حول النفط والغوص والسيجارة والنارجيلة والفأر، وحقيقة الشيخ ميثم البحراني في التاريخ.

اقتربنا من الأنصاري في أسرة الأدباء وكان رئيس إدارتها الأولى، ومن خلاله ومؤسسي الأسرة، وضع الأنصاري النهج الفكري للأسرة ودستورها، وعملوا جميعاً على إشهار الأسرة ككيان أهلي لهذه الحركة الشابة، ولكن بسبب انشغاله في عمل رسمي، كرئيس للإعلام في مجلس الدولة قبل استقلال البحرين عن الحماية البريطانية، ما أدى إلى ابتعاد الأنصاري عن الأسرة كإداري، ولكنه ظل يساهم في دفعها للأمام، وتحقيق شعارها «الكلمة من أجل الإنسان» ومن وجهة نظر شخصية.
كنت أراه دائماً كعراب لأسرة الأدباء والكتاب، فهو الأكبر بين أعضاء الأسرة والأعلى درجة علمية في تلك الفترة، إلا أن الاهتمام بالنقد الأدبي بدا ضيقاً أمام الفضاء الكبير الذي يطرحه الفكر، فانتقل من النقد الأدبي إلى النقد الأكبر، نقد الأفكار والأطروحات القديمة، في قضايا الإنسان والمجتمع، ووجد في الظاهرة الخلدونية مجالات واسعة لطرح مزيد من الأسئلة الاجتماعية التي تؤرق الإنسان العربي أو بالأحرى المثقف العربي، وبالتالي الحاجة إلى تشخيص الأزمة العربية عبر استخدام مشرط الفكر لمعرفة ما تحت جلد الواقع وخلايا السياسة.
من المحرق إلى العالم
الأنصاري من مواليد مدينة المحرق 1939، درس في البحرين حتى أنهى دراسته الثانوية انتقل بعدها للدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت ونال فيها بكالوريوس آداب 1963، ماجستير في الأدب الأندلسي 1966، الدكتوراة في الفلسفة الإسلامية الحديثة والمعاصرة 1979.
وتابع تعليمه وحضوره للدورات الدراسية في عدد من الجامعات المرموقة في العالم مثل جامعة كامبردج عام 1982 وتوجه إلى فرنسا لدراسة الثقافة الفرنسية في جامعة السربون.
حياته المهنية
شغل الأنصاري منصب رئيس الإعلام وعضو مجلس الدولة في البحرين ما بين عامي 1969 و1971، ويعتبر من مؤسسي أسرة الأدباء والكتاب بالبحرين وأول رئيس لها سنة 1969.
حاز جائزة الدولة التقديرية في البحرين، وجائزة سلطان العويس في الدراسات القومية والمستقبلية وجائزة منيف الرزاز للدراسات والفكر.
كتب الأنصاري في شؤون الخليج السياسية والثقافية في الصحف والدوريات العربية منها مجلة صحيفة الدوحة القطرية ومجلة العربي الكويتية.
ومن مؤلفاته: لمحات من الخليج العربي 1970، الخليج -إيران- العرب دار المنار بيروت 1972، إحياء تراث البحرين الأدبي «جمع وتحقيق»، تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي 1930 - 1970 سلسلة عالم المعرفة الكويت 1980، العالم والعرب سنة 2000، هل كانوا عمالقة، لمحات من الخليج العربي، الحساسية المغربية والثقافة المشرقية، التفاعل الثقافي بين المغرب والمشرق، تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها، رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية وشواغل الفكر بين الإسلام والعصر، انتحار المثقفين العرب وقضايا راهنة في الثقافة العربية، الفكر العربي وصراع الأضداد، التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام - لماذا يخشى الإسلاميون علم الاجتماع؟، التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام مكونات الحالة المزمنة، تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية: مدخل إلى إعادة فهم الواقع العربي، العرب والسياسة أين الخلل؟ جذر العطل العميق، مساءلة الهزيمة.. جديد العقل العربي بين صدمة 1967 ومنعطف الألفية، الناصرية بمنظور نقدي أي دروس للمستقبل؟، لقاء التاريخ بالعصر.. دعوة لبذر الخلدونية بأبعادها المعاصرة في وعي الشعب تأسيساً لثقافة العقل.
الأنصاري بعيون متابعيه
تقول عميدة كلية الآداب بجامعة البحرين د.هيا النعيمي، إن المتتبع لأعمال الأنصاري ومؤلفاته يرى أنها ركزت على 3 حقائق مهمة، الأولى حضارته العربية والإسلامية، والثانية انتماؤه البحريني والخليجي، والثالثة اهتمامه بواقع الحياة المعاصرة.
تقديم يليق بمفكر كبير يعد واحداً من المفكرين العرب البارزين، ويضعه كثير من المراقبين في مصاف المفكرين الكبار أصحاب المشروعات الفكرية والثقافية التي تنهض بالبشرية.
وهو أحد المفكرين القلائل الذين يمتازون بالرصانة ومتانة التفكير، وأصالته، وواقعيته وبعده عن الإنشائية والتكلف، ويمتاز الأنصاري بأنه واحد من المفكرين القلائل الذين تعاملوا مع المسألة الدينية من منطلق المسؤولية الفكرية التي حملته على دراسة الإسلام والقرآن وما يحتويانه من مكونات حضارية أصيلة، يمكن الاستفادة منها في بعث النهضة الجديدة، على خلاف قراءات فكرية عربية عديدة تعاملت مع الإسلام إما بمنطق اللامبالاة، وإما بمنطق التصادم والإقصاء.
ويرى د.عبدالحليم عويس وهو يتكلم عن فكر الأنصاري في كتابه «رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية وشواغل الفكر بين الإسلام والعصر.. مع رصد بواكير الهجمة الشرق أوسطية ضد الهوية العربية»، إن القومية ظاهرة اجتماعية ولغوية وثقافية لكنها ليست عقيدة، ولابد لها من عقيدة تستلهمها وتستهدي بها، وعندما تتحول إلى عقيدة تقضي على نفسها كما فعلت النازية.
وإذا كان القارئ يملك وعياً تاريخياً نقدياً، وقدرة على تحرير المصطلحات وفك الاشتباك بينها، يدعو إلى إعادة كتابة التاريخ الإسلامي بموضوعية، وإلى النظر إلى الأحداث الآتية في ضوء جذورها التاريخية.
الأنصاري أول مفكر بحريني اشتغل على الدرس الاجتماعي والسياسي، وتحتاج أطروحاته إلى الكثير من البحث والدراسة، لأنها صدرت عن إنسان مهموم بالإنسان البحريني والخليجي والعربي، مهموم بقضايا الإنسان في العالم، لهذا نرى أن التكريم الحقيقي لأمثاله من كبار المفكرين والمبدعين، هو الغوص في أطروحاته للخروج بالمسكوت عنه بين سطور كتاباته.