كتب - لوركا خيزران:
يبدو أن صمت «عبدالله الحكواتي»، لم يكن كافياً لإقناع بيت صغير بـ»فريج الفاضل» في المنامة بالعدول عن أي من حكاياته، فمنذ أيام ثلاثة، يفجر فيه «الصمت القسري» حكايات وحكايات، مختلفة حد التطابق، لاشيء يجمعها إلا أنها لولا صمت الحكواتي لبقيت سراً.
مع بداية عرض «عندما صمت عبدالله الحكواتي»، للمسرحي البحريني حسين عبدعلي، تشغلك «خشبة الحوش» أكثر من أي شيء آخر، عليك بذل بعض الجهد لتتأقلم مع غرف البيت «كواليسا»، والحوش «خشبة» والزوار «جمهورا» واصحاب الدار «ممثلين» قد يدفعهم ضيق المكان ليقفوا بجانبك وربما خلفك.
سرعان ما يشدك الحكواتي إلى قصة بطلها ذاك الفارس الهمام الذي لايقهر يسردها على مسامع شبان سكنت وجههم ملامح قهر أزلي ينتظرون نصراً من بطلهم بالوكالة، فيما يتعمد الحكواتي التسويف والمماطلة، قبل أن تحل عليه لعنة تجبره على الصمت.
فشل محاولات الشبان اعادة النطق لحكواتيهم، تطلق عقدة العرض، إذ يجبرهم صمت حكايات البطولة والنصر والشجاعة، على سرد حكاياتهم مع الهزيمة والحزن والخوف والغدر والموت، اختصرها عبدعلي وأصدقاؤه، بأربع حكايات مقتبسة من رواية «حكواتي الليل» لرفيق شامي، و»أهل البياض» لمبارك ربيع، وقصص ألف ليلة وليلة.
صمت الحكواتي كان مدوياً مع شاب ساعد،»بوفاء» صديقه على خيانته مع زوجته ثم سامح بـ»محبة»، ورجل قتل زوجته المريضة الوفية بسبب سوء فهم و»تفاحة»، وحلاق كانت غلطة عمره ان روى لزبائنه حكاية «السطان الكذاب»، ومشلول أمضى جل عمره يرى العالم من «دريشة» بعيني صديقه الأعمى.
محاولة حسين عبدعلي خلق التزاوج بين السرد، المبالغ فيه أحياناً، والفعل الدرامي الحركي، نجح في مواقع عدة، إلا أن المجهود الإضافي المطلوب في هذا التوفيق أوقع العرض في أجزاء قليلة بمطب «الثرثرة والإملال»، بينما لعب الفضاء المسرحي المبتكر والسنوغرافيا الناشئة عنه والديكورات والأزياء والإضاءة البسيطة دوراً مهماً في إعطاء العمل شخصية استثنائية.
تقديم العرض على شكل صور بصرية دون تقطيع مشهدي واضح، كان حلاً إخراجياً مبتكراً لتزاوج السرد والتمثيل، وتجاوز ضيق المكان، وأخذ ما يشبه موافقة ضمنية من الجمهور على صنع الممثلين للمؤثرات الصوتية بأنفسهم وعلى مرأى من الحضور، بعد أن تحولوا إلى جزء من الخشبة ومقاعد الجمهور.
حكايات ما بعد صمت الحكواتي شكلت خليطاً فريداً من الكوميديا الساخرة والسريالية والتراجيديا والتغريب، وقامت على محاكاة مدارس فنية مختلفة متعددة فمن بريشت وتغريبه الى سلفادور دالي وسرياليته بممثلين يحملون المأساة بعينها في حوارات طريفة قاتمة.
انتهى العرض ولم يرجع النطق للحكواتي، الحكايات ليست اربع، فهذا «البيت المسرحي» او «المسرح البيتي» تفرج معنا على العرض حتى النهاية، بكل ما عرف عن الجدران من ادب الفرجة والاستماع، الا ان احدا لم يكن بحاجة ليصيخ سمعه حتى يعرف الحكاية الخامسة كاملة، هي ربما حكاية بيت، او حكاية حسين عبدعلي ورفاقه، وربما حكاية وطن.