على مدى 33 عاماً هي عمر مجلس التعاون لدول الخليج العربية لعبت دولة قطر إلى جانب شقيقاتها في المجلس دوراً بارزاً في مسيرته التكاملية لاسيما في ملفات «التعاون» الاقتصادية وهي الملفات التي كانت حاضرة بقوة في جميع قمم وأعمال مجلس التعاون وشكلت مرتكزاً ونقلة نوعية في سيره نحو تحقيق الوحدة والتكامل الاقتصادي المنشود.
ويمكن القول إن ثلاث قمم خليجية من أصل خمس احتضنتها الدوحة في فترات مختلفة من عمر المجلس المديد كانت قمماً اقتصادية بامتياز بل وخرجت اثنتان منها بقرارين تاريخيين، اتخذهما المجلس الأعلى في مدينة الدوحة قضى الأول بقيام الاتحاد الجمركي في يناير 2003 فيما دشن الثاني السوق الخليجية المشتركة اعتباراً من يناير 2008، ما مثل إنجازاً في تطلع الشعوب الخليجية نحو المواطنة الكاملة.
وقد ذيل البيان الختامي للدورة الثالثة والعشرين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في 22 ديسمبر 2002م بـ»إعلان الدوحة» حول قيام الاتحاد الجمركي لمجلس التعاون، كما ذيل البيان الختامي للدورة الثامنة والعشرين للمجلس الأعلى في 4 ديسمبر 2007م بـ»إعلان الدوحة» بشأن قيام السوق الخليجية المشتركة.
وغني عن القول إن أهمية القرارين تنبع من كون الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة هما محور أي تعاون ومرتكزه حيث يضمن الاتحاد توحيد التعرفة الجمركية، وإزالة معوقات التبادل التجاري، وتوحيد إجراءات الاستيراد والتصدير، بينما تكرس السوق مفهوم المواطنة الاقتصادية التي تقوم على مبدأ المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في كافة المجالات الاقتصادية والتجارية.
10 مسارات بالسوق المشتركة
للسوق الخليجية المشتركة أهميتها الخاصة حيث تعلن بداية عهد جديد من التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون يقوم على مبدأ المساواة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في جميع المجالات الاقتصادية.
وتكمن أهميتها أكثر من ذلك في التركيز على المواطنة الخليجية في المجال الاقتصادي وتقوم على مبدأ مهم وهو أن يتمتع مواطنو دول المجلس الطبيعيون والاعتباريون مثل الشركات والمؤسسات الخليجية بالمعاملة الوطنية في أي دولة من الدول الأعضاء وتتوفر لهم جميع المزايا التي تمنح للمواطنين في جميع المجالات الاقتصادية.
وتشمل السوق المشتركة عشرة مسارات حددتها الاتفاقية الاقتصادية هي: التنقل والإقامة والعمل في القطاعات الحكومية والأهلية والتأمين الاجتماعي والتقاعد وممارسة المهن والحرف ومزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية وتملك العقار وتنقل رؤوس الأموال والمعاملة الضريبية وتداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية.
وكانت الدورة السابعة عشرة للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون قررت توحيد التعرفة الجمركية لدول المجلس وإقامة اتحاد جمركي بينها وأقر المجلس الأعلى، عدداً من الإجراءات الهادفة لتحقيق تلك الغاية استمراراً للخطوات المتدرجة والمتواصلة نحو تأسيس اتحاد جمركي بين دول المجلس واستكمالاً للخطوات اللازمة لإقامة السوق الخليجية المشتركة، بما في ذلك استكمال تصنيف السلع للأغراض الجمركية إلى ثلاث فئات «معفاة، سلع أساسية، بقية السلع» كما تبنت الدورة نفسها قراراً آخر يعزز السياسة الزراعية المشتركة. كما أقرت الدورة الثالثة والعشرون للمجلس الأعلى المنعقدة في 21- 22 ديسمبر 2002 بالدوحة وثيقة الاستراتيجية البترولية لدول مجلس التعاون، وتم إقرار خطة الطوارئ الإقليمية للمنتجات البترولية لدول المجلس والتي تهدف إلى تحديد آليات التحرك الجماعي بين الدول الأعضاء للتعامل الأمثل مع حالات الطوارئ التي قد تتعرض لها إحدى الدول الأعضاء نتيجة نقص أو انقطاع كامل إمداداتها المحلية من المنتجات البترولية.
الدوحة.. تطبيق
فاعل للقرارات
وإذا كانت مفردات من قبيل «الاقتصاد» و»التعاون الاقتصادي» و»التكامل» تردد صداها في قمم الدوحة بشكل لافت وشكلت ضمنها المحور الأبرز دون أن تقتصر عليه، فإن التطبيق الفاعل للقرارات التي اتخذها القادة في دورات المجلس الأعلى المختلفة ظل في طليعة اهتمام القيادة العليا لدولة قطر وعلى رأسها حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى.
ويسجل في هذا الجانب صدور الكثير من المراسيم الأميرية التي تصادق على الاتفاقيات الاقتصادية وتعمل على تنفيذها فضلاً عن العديد من مشاريع القوانين التي تسمح لمواطني دول المجلس الأخرى بالتملك أحياناً وبمزاولة الأنشطة الاقتصادية المختلفة أحياناً أخرى وتمنحهم الامتيازات والأولوية في الكثير من المجالات.
وإضافةً إلى المشاركة النشطة والفاعلة لدولة قطر في جميع أعمال مجلس التعاون لدول الخليج العربية، قدمت دولة قطر أمام اللقاء التشاوري الـ11 للمجلس الأعلى الذي استضافته العاصمة السعودية (الرياض) في الخامس من مايو 2009م، رؤيتها لتفعيل دور مجلس التعاون ووجه المجلس الأعلى اللجان الوزارية المعنية بدراستها، ووضع المقترحات والتوصيات في شأنها في إطار برامج زمنية محددة.
وتركز رؤية قطر لتفعيل دور مجلس التعاون علاوة على الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية على تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول المجلس وترسيخه، وخصوصاً في مجال الاستثمار في المشاريع المشتركة، ومعالجة ما تبقى من متطلبات الاتحاد الجمركي، وتفعيل ما اتفق عليه في شأن الاتحاد النقدي، وإيجاد آليات مشتركة لتمويل المشاريع التنموية في دول مجلس التعاون، وللمساعدات الإنمائية والإنسانية التي تقدمها تلك الدول على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
وينبع ما تضمنته رؤية دولة قطر من أفكار ومضامين من إدراكها الأهمية الخاصة لمجلس التعاون وسعيها الدؤوب في كل ما من شأنه أن يعزز ويعمق أواصر الأخوة والتكامل بين شعوب المجلس.. وهي بهذا المعنى استلهام واستكمال لهذا الالتزام القطري وتجسيد لمضامينه ومعانيه.
وتنص الرؤية القطرية التي يمكن تلخيصها في «إزالة أي عقبات تواجه مسيرة العمل الخليجي المشترك»، على ضرورة تأسيس بنك التنمية الخليجي الذي يستهدف تمويل مشروعات البنية التحتية والمشروعات التنموية المشتركة بما يمنح فرصاً استثمارية جديدة للقطاع الخاص للاستفادة منها، ويخدم الأهداف التنموية لدول المجلس، ويفتح آفاقاً عريضة أمامه في المساهمة الحقيقية في صناعة المستقبل الاقتصادي للمنطقة.
كما ترمي إلى إزالة معوقات الاتحاد الجمركي والإسراع في تحقيق الوحدة النقدية، وتفعيل ما جاء في الاتفاقية الاقتصادية لدول مجلس التعاون فيما يتعلق بالبيئة الاستثمارية، والتركيز على العمل والموارد البشرية والبيئة إضافة إلى جوانب مهمة أخرى في الشؤون التعليمية والصحية. وعلى العموم تستهدف تلك الرؤية كما هو واضح في عنوانها تطوير وتفعيل العمل الخليجي المشترك، والارتقاء بالمجلس إلى آفاق أرحب انطلاقا من التجربة القطرية العميقة والواسعة ومن حرصها الأكيد على أن يكون مجلس التعاون الخليجي انعكاساً طبيعياً لآمال الشعب الخليجي، وتعبيراً صادقاً عن رغباته.
والحقيقة أن دولة قطر التي أثبتت طوال مسيرة العمل الخليجي المشترك حرصها على هذه المسيرة وتطويرها، والتزامها بكل ما يفرضه العمل الخليجي من مهام ومسؤوليات، لم تقصر اهتمامها على العمل الخليجي المشترك في شقه الرسمي بل أخذت على عاتقها دعم القطاع الخاص الخليجي باعتباره شريكاً أساسياً في عملية التنمية الشاملة.
ويندرج في هذا الإطار ترحيب حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، خلال الاحتفال بذكرى مرور ثلاثين عاماً على تأسيس اتحاد غرف دول المجلس، بعقد لقاء سنوي بين قادة دول المجلس ورؤساء غرف دول المجلس مما يؤكد دعم سموه المستمر للقطاع الخاص.
وفي الوقت الذي تشير فيه تقارير صندوق النقد الدولي إلى أن القطاع الخاص في دول المجلس لعب دوراً محورياً في نموها الاقتصادي عبر السنوات الماضية وأن ذلك تجلى بوضوح في تناقص مساهمة الإنفاق الحكومي في الناتج المحلي الإجمالي، فإن للسياسات والاستراتيجيات الاقتصادية والتجارية الموحدة، التي التزمت بها دولة قطر إلى جانب دول مجلس التعاون، الأثر البالغ في تزايد وتيرة نمو القطاع الخاص واتساعه.
ولقد شكل احتضان دولة قطر على أراضيها، منظمة الخليج للاستشارات الصناعية (جويك) كواحدة من أهم مؤسسات العمل الخليجي المشترك في مجال الصناعة، دليلا ماديا قويا على التزامها الراسخ بأطر وآليات هذا التعاون التي تجسده واقعاً على الأرض.