كسّر الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند إحدى قواعد البروتوكول القاضية بمخاطبة الرئيس والمسؤولين بصيغة الجمع لا بصيغة المفرد (أنت لا أنتم)، وذهب أبعد من ذلك بقبوله مناداته باسمه الأول فرانسوا، من المسؤولين والمساعدين المقربين منه، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة جان - مارك آرولت. لكن هذه المناداة تقتصر فقط على اللقاءات الثنائية أو التي تضم عدداً محدوداً من المسؤولين والمستشارين وتكون بعيدة عن وسائل الإعلام. أما ألقاب التبجيل المألوفة، مثل فخامة وسيادة، فمكانها فقط المبادلات الديبلوماسية بين الدول حسبما ذكرت جريدة "الحياة".
وفي الواقع فالرئيس أولاند، مثله مثل معظم قادة اليسار الفرنسي، ليس من أصول أرستقراطية أو بورجوازية، ونمط حياته يشبه إلى حد كبير نمط حياة أي مواطن فرنسي عادي، فهو، مثلاً، ارتبط بسيغولين رويال وأدى هذا الارتباط إلى إنجاب أربعة أبناء، من دون أن يعقد الشريكان زواجاً رسمياً. ثم انفصلا ليرتبط برفيقته الحالية فاليري تريفلير، من دون زواج رسمي أيضاً، على رغم ما يثيره هذا الوضع من مشكلات بروتوكولية أحياناً لدوائر قصر الإليزيه.
وتخضع المخاطبة في المجتمع الفرنسي لقواعد صارمة، يوضع أي إخلال بها في خانة "قلة التهذيب"، إلى درجة أن الشرطي، مثلاً، ملزم باستخدام صيغة الجمع في مخاطبة أي مواطن حتى وإن كان الأخير متهماً بانتهاك القانون.
وتدليلاً على أهمية المخاطبة بين الفرنسيين يسجل التاريخ وقائع لا تخلو من غرابة وطرافة، منها أن "الأقدام السود" في الجزائر، وهم من المستعمرين الفرنسيين والأوروبيين، كانوا ينادون الجزائريين بصيغة المفرد، تدليلاً على عدم احترامهم لهم، وفي ذلك تعبير واضح عن عنصريتهم.
ويروى عن الجنرال شارل ديغول أن شخصيته الاستثنائية كانت تحول دون مخاطبته بصيغة المفرد أو باسمه الأول، والشخص الوحيد الذي كان يتجرأ على ذلك هو الماريشال ألفونس جوان زميله من أيام الدراسة في كلية سان سير العسكرية.
ويتندر فرنسيون بطريقة المخاطبة بين الرئيس السابق جاك شيراك وزوجته برناديت دو كورسيل التي ترفض مناداتها بصيغة المفرد أو باسمها الأول، حتى وإن كان المنادي زوجها، لكن شيراك يتعمد أحياناً إغاظتها عن طريق مناداتها بصيغة المفرد، وأحياناً، باسمها الأول برناديت.
"مدام"، "مسيو" "أرجوكم"، إنها تعابير التهذيب واللطافة التي لا تزال صامدة في المجتمع الفرنسي منذ العصور الوسطى، لكن علماء اجتماع يبدون متشائمين حيال مستقبل استخدام هذه التعابير، فهم يتوقعون، مع تقدم ثورة الاتصالات، أن يقتصر استخدام هذه العبارات وغيرها من تعابير الاحترام واللياقة، على قواميس اللغة، فقواعد التهذيب ليست مدرجة، حتى الآن، في قاموس هذه الثورة.