باتريس ليكونت ـ ترجمة أمين صالح:
*لدي شعور بأني أحقق أفلاماً مختلفة جداً عن بعضها البعض، إنها طريقتي الخاصة في أن أكون محباً للاستطلاع بشأن أمور كثيرة، إنها مسألة حرية الاستلهام.
*أعرف أنه، في أحوال كثيرة، يُقال إن المخرجين العظام يحققون الفيلم نفسه طوال حياتهم، أحياناً يتكوّن لدي إحساس بأن أعمالي هي غير متماسكة، غير مترابطة تقريباً، لكن قد تكون هناك أشياء معينة تظهر في عدد من أفلامي، بعض الأفلام تبدو جزءاً من عائلات مختلفة، إذا وجدت في كل أفلامي شيئاً والذي يربطها معاً، فذلك أمر جيد جداً، لكنه غير مقصود.
*رغم من مظهري الذي يوحي بأني تلميذ نجيب جداً، إلا أني لست شخصاً مفكراً، في كل مرّة أحقق فيلماً فإني أفعل ذلك دون التفكير في كيفية تحقيق ذلك بل بمحاولة الإحساس بالأشياء إلى الحد الأقصى، ربما أكون مخطئاً في هذا، لكني أشعر أن الفيلم شأن حسي أكثر منه شأن فكري، من وجهة نظري، يبدو أن من الأيسر أحياناً أن تملك علاقة فيزيائية، بدنية، مع الفيلم من أن تملك علاقة فكرية.
أنا أحب الأفلام التي تخلق لدي حالة من الإثارة، حتى إذا كان الفيلم من النوع الرديء فإني لا أهتم حقاً طالما أنه يجعلني أرتعش.
* أعترف أني متلصص، أسترق النظر، لكن ليس بالمعنى الشرير للكلمة، إذا كنت أسبر هذا النزوع فذلك لأني، أنا نفسي، أحب أن أراقب ما يحدث حولي، لكن هذا، كما يبدو لي، هو المطلب الأدنى للمخرج السينمائي وراء مجرد الرغبة في النظر إلى الأشياء، إن حقيقة أن تكون قادراً على النظر إلى الأشياء، دون أن تكون مرئياً أو ملحوظاً، هي فكرة مرعبة.. لكن هذا هو، إلى حدٍ ما، مجاز السينما.
السينما، وتحديداً الكاميرا، هي هناك لترصد وتلاحظ وتنظر، لكن في الوقت نفسه، تكون بعيدة، نائية، غير مرئية، هذا شيء أشعره أكثر فأكثر لأنني مصوّر أفلامي.
عندما تصور فيلماً، تكون واقفاً وراء الكاميرا بينما الممثل والممثلة أمامك، وهذا أمر يشبه إلى حد بعيد وضع المتلصص، الذي يختلس النظر إلى شيء لا يحق له أن يراه، لكن لا ينبغي أن نتجنب ذلك، بل يتعيّن علينا أن نعترف بهذه الحقيقة ونسلّم بها.
* البعض غالباً ما يتحدث معي عن هتشكوك، بالأخص في الإشارة إلى فيلميْ «مسيو هاير» و»غرباء حميمون»، لا أستطيع حقاً أن أرفض هذه الإشارة، خاصة أن هتشكوك مخرج ذو مكانة كبيرة.
هناك عدد من أفلام هتشكوك التي أحبها حقاً، لكنه لا يمثّل لي المخرج الذي هو موضع إعجاب يقارب العبادة، صحيح أني عندما حققت «غرباء حميمون» كنت أفكر كثيراً في هتشكوك، خاصة الطريقة التي بها كان يقدّم شخصياته النسائية، كنّ يظهرن في جو من الغموض والسريّة، وأنت في الواقع لا تعرف أبداً ما يشبههن أو ما هو السر الكامن فيهن.
كنت أفكر كثيراً في موسيقى برنارد هيرمان المؤلفة لفيلم Vertigo، وفيما يتعلق بشخصية «أنـّا»، كنت أفكر كثيراً في روايات وليام آيريش، ففي كل رواياته، نجد النسوة رائعات، جميلات، مهيبات، حافلات بالحسيّة، ويحملن الكثير من الضغائن.
إنه أمر سيء جداً أن تحاكي عملاً آخر، لكنه أمر طيب أن تستوحي شيئاً من عمل آخر.
* لدي انجذاب شديد إلى موسيقى فيليب جلاس، لأسباب عديدة، عندما تعمل على مونتاج الفيلم فإنك تختار موسيقى جاهزة كنوع من الإسناد أو الدعم الموسيقي من أجل تأسيس الإيقاع، بعدئذ، عندما تعرض الفيلم بعد مونتاجه على المؤلف الموسيقي، فإنك تزيل تلك الموسيقى الأوّلية لأنك لا تريد للمؤلف الموسيقي أن يتأثّر بها.. أثناء عملي في مونتاج فيلم «غرباء حميمون» استخدمت موسيقى فيليب جلاس التي ألّفها لفيلم «الساعات»، وهي موسيقى جميلة جداً، أحد أحلامي أن أعمل يوماً مع فيليب جلاس.
* سواء أكان العمل درامياً أو وثائقياً فإني لا أوثّق نفسي أبداً ضمن الموضوع، لدي دائماً، على المستوى الابتدائي، هذه الحاجة لأن أفتح عيني فحسب، وأجعل الآخرين يفتحون أعينهم على ما أعرضه، بإمكانك أن تفتح عينيك على شخصيات فيلمي «غرباء حميمون»، وبإمكانك أن تفتح عينيك على الأفراد الذين يسيرون في الشارع، الفارق الوحيد هو في الحالة الأولى، أنا من يخترع حيواتهم، وفي الحالة الثانية، هي حياتهم.
* كلمة «السياسة» أو «السياسي» هي كلمة تثير الخوف، لكني أتفق مع من يقول إن تحقيق الأفلام هو بطبيعته فعل سياسي، علاوة على ذلك، الفيلم هو لهْو، لكن سيكون أمراً حسناً لو تعرض شيئاً وراء هذا اللهوْ، هذا الترفيه.
أنت لا تستطيع أبداً أن تحقق فيلماً مقابل لا شيء، فيلماً مدته 90 دقيقة والذي يتم تحقيقه لمجرد أن تقضي 90 دقيقة ممتعة، ذلك أمر يدعو للأسف والرثاء بداخلي، كنت أعرف بالضبط ما أريد أن أقوله في «غرباء حميمون».