عالي - عبدالرحمن صالح الدوسري:
يعتبر محمد صالح الدلال عام 1919 تاريخ ميلاده، ويعتقد أن هذا التاريخ مجرد اجتهادات غير موثقة، في جواز سفره تاريخ ميلاده 1930 لكنه تزوج عام 1942، فهل كان حقاً أصغر زوج في التاريخ؟
يتحدث أبو شوقي عن نسب العائلة «كان لقبنا العائلي آل رقية نسبة إلى رقية بنت الحسين، ثم أصبح الدلال لأن والدي كان يعمل لدى خاله الحاج حسن الدلال، وحمل الوالد لقب الدلال نسبة لخاله، ونسبنا الكامل حتى الجد إبراهيم بن علي بن محسن بن صالح بن أحمد بن ناصر بن حسن آل رقية، وكان جدي ينسب إلى رقية حسب ما هو مبين في وثائق البيع والشراء والمراسلات.
من «فتيل» إلى صالح
كنت المولود الأول بين إخوتي وقدر لوالدي أن أكون أول أبنائه ومن شدة فرحته أسماني فتيل، وعندما ذهب إلى صديقه الحميم الشيخ خلف العصفور ليزف له البشارة، سأله الشيخ العصفور ماذا عساك أسميته؟» قال له والدي «فتيل»، ويبدو أن الوالد كان متأثراً بنذر كان نذره، فقال له الشيخ «هل سميت هذا الولد المبروك والبكر فتيلاً؟ هل غابت عنك الأسماء يا حاج إبراهيم؟ فأجابه والدي أن الأمر راجع لفضيلتكم في تغيير اسمه، وعندها أخذ الشيخ سبحته واستخار وتمتم ثم قال له الخيرة لله وخير الأسماء ما عُبد وحُمد، ولذا اخترت له اسماً هو محمد صالح جعله الله ذرية صالحة إن شاء الله».
ولدت كسيحاً
يتذكر محمد صالح ولادته مصاباً بعدة أمراض «كنت أعاني من انتفاخ بالبطن ونحف بالساقين وشبه كسيح، حتى قيل لي إني كنت أعاني من تضخم في الطحال ولم أستطع المشي إلا بعد 3 سنوات من مولدي، وكان الأهل كل مساء يضعونني في «قفة» كبيرة من الخوص ويطوفون بي في الفريج، وتنثر نساء الجيران قبضات من الرز على رأسي لاعتقادهن أن الرز يطرد الشياطين الداخلة في جسدي».
ويقول «والدي كان له رأي آخر في طريقة علاجي، حيث إنه كان يسقيني من ماء الشيشة «النارجيلة» بعد أن يدخن فيها العشرات من الناس في المأتم ويتحول ماؤها إلى اللون الأصفر، ولديه وصفة ثانية كان استمر على علاجي من خلالها بطريقته الخاصة، بأن يسقيني ماء الخل الأحمر ويطلق عليه «خل السركة» وكذلك ما يسمى «المحو»، وهو عبارة عن ماء يقرأ فيه الشيخ آيات قرآنية، ومن ثم يتف فيه ومع ذلك شفيت».
ويبدو أن جسد الدلال اكتسب مناعة مكنته من التغلب على المرض من كثر ما اعتاد عليه جسمه من جراثيم «الغريب أنه أكسبني مناعة ضد العديد من الأمراض حتى أنني لقحت ضد الجدري، وكان يسمى في ذلك الوقت «توتتين»، ولم أُصب به في حين أن جميع إخوتي أصيبوا به وترك في أجسادهم أثراً، كما إنهم أصيبوا بالحصبة والسعال الديكي بوحمير».
ويتذكر أبو شوقي الأيام الخوالي «عندما تزوجت والدتي من والدي كانت لم تتجاوز من العمر الخامسة عشرة ربيعاً، وكان حينها السن المناسب للزواج».
ويضيف «أنجبت والدتي أخي عبدالحسين وتوفي رضيعاً، بعدها أنجبت أخي علي ومن بعده أختي خاتون وغيرت اسمها بعد الزواج إلى نعيمة، بعدها أختي فاطمة، وكانت أنجبت قبل ولادتي بنتاً اسمتها خاتون وماتت قبل أن أراها».
الدقاقة» نقلونا إلى المنامة
يقول الدلال «قررنا الانتقال من بيتنا في بلاد القديم إلى بيت زوجة والدي الثانية بالمنامة وكانت ورثته من والدها، أما سبب ترك بيتنا إلى بيت زوجة الوالد، ففي إحدى الليالي الصيفية كان والدي وجدي اعتادا النوم في الممر الذي يفصل فناء البيت، فيما كنت ووالدتي وزوجة الوالد ننام في العريش فوق السطح، وتسلق بعض اللصوص «الدقاقة» من على النخيل الذي يسور بيتنا من جهة البساتين، ونزلوا الدرج الملاصق للجدار وصعدوا إلى العريش، فتقدم اثنان واحد إلى زوجة والدي ووضع السكينة على رقبتها وهمس في أذنها مهدداً بنحرها إذا صرخت، وفتش يديها ومعصمها وعنقها بحثاً عن الذهب ولم يجد شيئاً، فيما تقدم الثاني إلى والدتي ووضع السكين على صدرها وهمس في إذنها مهدداً ببقر بطنها إذا تنفست وصرخت، وأخذ يفتش يدها فوجد فيهما الأساور، بعدها نزلا الدرج واختفوا في النخيل، وعندها صرخت والدتي «ألحقونا حرامي» وعندما سمعها والدي أخذ بندقيته وحاول اللحاق بهما وهو يطلق النار بصورة عشوائية، وعندما لم يجد شيئاً عاد ليكتشف أنهم استولوا على الكثير من حاجيات البيت وشحنوها على ظهور الحمير ولاذوا بالفرار.
في صباح اليوم التالي قرر والدي الانتقال إلى بيت زوجته خديجة في المنامة، فجاء بالعمال والحمير ونقل ما تبقى من أثاث البيت في مرحلة كبيرة توضع على ظهر الحمير فيما يوضع في المرحلة الثانية مجموعة من الحجارة كي تحفظ توازن الأثاث على ظهر الحمار، كان عمري في تلك الفترة لم يتجاوز الخمس سنوات.
عامل بالجسر وطالب عند التاجر
يسرد محمد صالح حكايات الطفولة «بعد أن توفى والدي بعد معاناة مع المرض استمرت 3 سنوات، قررت البحث عن عمل وكنت أخرج يومياً من الصباح الباكر وحتى فترة الظهيرة علني أجد عملاً، طرقت الأبواب ومررت على ورشات البناء والحدادة فلم أفلح في الحصول على عمل بسبب صغر سني ونحافة جسمي».
أخيراً قرر محمد صالح الذهاب إلى جسر المحرق «كان لايزال تحت الإنشاء، ووصلت مرحلة الدفان فيه إلى الخور، وبعد أيام من ترددي على مواقع العمل قرر مراقب العمال المهندس هندي الجنسية ويدعى زميل توظيفي، وكانت مهمتي نقل الصخور وتسليمها إلى البنائين ليرصوها فوق بعضها البعض».
كان العمل في فصل الشتاء والبرد شديد «جسمي من النحافة بحيث لا يمكنني تحمل البرودة ما تسبب في إصابتي بالتهاب معوي، مع ذلك لم أنقطع عن العمل حتى لا أخسر وظيفتي، وكانت أجرتي في اليوم نصف روبية، وكنا نعمل دون عطلة أسبوعية لذا كنت أقبض 3 روبيات نهاية كل أسبوع».
بعد شهرين انتقل مع مجموعة من العمال للعمل في الفرضة -باب البحرين حالياً- «كنا نحفر أساسات ليبنى عليها مبنى الجمارك وهو الآن مبنى البريد المركزي، كان موقع العمل أكثر خطراً على الصحة، حيث إن المنطقة كانت كلها مسرحاً لترسبات المجاري القذرة».
وبعد نهاية العمل يغتسل في البحر «هذا العمل ومعاناته دفعني للبحث عن وظيفة أفضل، لكن كيف وأنا لا أجيد القراءة ولا الكتابة لا بالعربية ولا بالإنجليزية، وهما الشرطان الأساسيان توفرهما للباحث عن وظيفة في الشركات».
يقول الدلال «عقدت العزم على التعلم ليخرجني من المشكلة وكان بشارع الشيخ عبدالله قرب البلدية مدرسة مسائية يديرها الأستاذ إبراهيم العريض، ثم سلم إدارتها إلى علي التاجر، وكان الأستاذ التاجر يعرفني بالاسم من بيت الدلال، وعندما التقيت به قلت له إني أريد أن أدرس عربي وإنجليزي لكني لا أملك المال الذي تطلبه وهو روبيتين أجرة شهر مقدم، وليس باستطاعتي شراء كتب ودفاتر، بعدها قرر تعليمي بالمجان وعدت إلى البيت أكاد أطير من الفرح، وكنت أدرس حتى ساعات متأخرة من الليل على ضوء فتيلة «كاز» لأتقن الحديث بالإنجليزية واستطعت أن أتعلم بعضها».
من الزعامة للسجن
عندما قرر صالح الدلال العمل في شركة «بابكو» بحث عن أقصر الطرق وذهب إلى بيت مدير الشركة «إسكينر» في شارع الحكومة مقابل المحكمة سابقاً «دهشت مما رأيته كان الشارع يكتظ بالباحثين عن عمل لدرجة يكاد يغلق، والكل منهم يشمر عن ذراعيه مستعرضاً عضلاته ويصيح أنا أقوى يصاحب».
قرر الانسحاب من عالم البهلوانات وذهب مباشرة إلى مقر الشركة في عوالي «في مكتب الذاتية حيث يستخدمون العمال، قدمت طلبي للشخص المسؤول وهو إنجليزي الجنسية ويدعى كريس وول، وبعد أن كلمته بالإنجليزية قبل طلبي، وطلب أن أكتب اسمي وبعض الأرقام ثم أعطاني رقماً وكان العمال ينادى عليهم بأرقامهم».
يسترسل أبو شوقي «في الثامن والعشرين من نوفمبر 1943 كانت ابنتي فوزية حاملاً في شهرها الثامن، وهو نفس اليوم تم نقلي من عملي في إدارة الضخ إلى محطة الوقود «بنزين وكاز وديزل» إضافة إلى تلال الفحم، وكانت مناوبتي في النهار بشكل دائم، وإذا بهاتف من إدارة الضخ كان على الجانب الآخر عبدالصاحب العلوي وكان وقتها يشغل وظيفة رئيس القياسيين في إدارة الضخ، سألته خير ماذا وراء اتصالك؟ قال وقع عندنا حادث مؤلم ولا يمكننا السكوت عنه لكنا لا ندري كيف نتصرف حياله، اعتدى شخص من جنوب أفريقيا بالضرب على جعفر العريض وأخذ يرفسه بقدمه أكثر من مرة بصورة وحشية وبعيدة كل البعد عن الإنسانية، قلت له عليك أن تسأل الإخوة البحرينيين إن كان بإمكانهم أن يضربوا عن العمل فاتصل بي بعد أن أخذ موافقتهم».
ويردف «بعد أن أجرى اتصالاته برؤساء وحدات التصفية عاود الاتصال بي ليخبرني بأنهم جميعاً بانتظاري، وخلال دقائق كنت عندهم في إدارة الضخ قلت لهم «أيها الإخوة إن وضعنا المعيشي والسكني بائس، وعلينا أن نوصله للمسؤولين في الشركة بطريقة حضارية من خلال شكوتنا على الرجل المعتدي على زميلنا بالضرب، وعلينا أن نقصد مكتب نائب رئيس الشركة رسل براوين ونقدم له مطالبنا بشكل رسمي دون صخب وضجة وبتصوري عليكم أن تعرضوا عليه 3 مطالب مختصرة».
ويسرد قائمة المطالب «أن يعاقب الشخص الذي اعتدى على زميلنا بالضرب، وأن يرفع الرواتب والأجور إلى حد يتناسب مع غلاء المعيشة خاصة أن الأسعار تضاعفت بما يقارب 10 أضعاف، ونحن الآن في عام 1943 والحرب على أشدها والأجور تراوح مكانها، وأخيراً تحسين السكن ليكون مثل زملائكم الأجانب، وكلفني الزملاء التحدث باسمهم أمام نائب المدير وعندما وصلت إلى مكتبه وجدته مجتمعاً مع مجموعة من مدراء الأقسام بالشركة، فقلت له إن العمال طلبوا مني أن أنقل لك مطالبهم».
ويردف «بعد أن أخبرته عن هذه المطالب قال لي «إن استطعت أن تفرق العمال ويعودوا إلى أعمالهم سأكون شاكراً لك وأرقيك إلى الدرجة الثانية «سنيور ستاف» وهي مرتبة لا يحصل عليها إلا الأوروبيين وأزيد لك مرتبك بحيث يكون محترماً وأكمل هل أنت متزوج؟، قلت نعم، قال تسكن وعائلتك في عوالي حيث يسكن الأوروبيون، قلت له إني لا أملك السلطة لتفريقهم وهو ليس بالحل المناسب للقضية وأنا هنا ليس للحديث عن قضيتي إنما هي مشكلة العمال الذين يتجمعون بالخارج، وأما عن العرض المقدم فأنا لست بحاجته، لأني أستطيع الحصول على أفضل منه في المنامة فصرخ في وجهي أخرج من المكتب فأنتم مطرودون من العمل».
عندما سمع العمال بما حدث قاموا برمي أرقامهم على المكتب وقرروا الإضراب عن العمل، وفي المساء ذهبت إلى نادي العروبة وهناك التقيت حسن الجشي وعلي التاجر وأخبرتهم عن الإضراب الذي اتخذناه فقال لي علي التاجر «أنت حقاً مجنون» دع غيرك يتكفل بالموضوع فأنت لاتزال صغيراً على ها السوالف، وأكمل حسن الجشي الموضوع «أنت صرت أباً وعندك زوجة ومسؤول عن أسرة عددها سبعة ماذا سيحدث لهم لو أنك فصلت من عملك لا سمح الله».
يواصل محمد صالح «بينما كنت أنتظر أن تحضر زوجتي الغداء الذي طبخته لي ولعشرة من زملائي المضربين وخلال اجتماعنا في بيتي إذا بالباب يطرق ولما ذهب أخي علي ليسأل من بالباب عاد ليخبرني أن سيارة شرطة يطلبونك فودعت زوجتي وأصدقائي وأمرتهم أن يكملوا غداءهم إلى أن أعود، لكن دام توقيفي وبعض المشاركين في الإضراب استمر 21 يوماً في مركز الشرطة الواقع في أول شارع باب البحرين ومازال موجوداً بنفس المكان».
بلجريف قرر إنهاء حجزنا
قبل أن يتم إطلاق سراحه وبقية وزملائه بيومين «استدعانا تشارلز بلجريف المستشار البريطاني لحكومة البحرين إلى إدارة الشرطة واستجوبنا للمرة الأخيرة، وكان برفقته رئيس العرفاء «حول دار» علي ميرزا، وعندما مثلت أمامه وكنت الأخير سألني عن اسمي وطبيعة عملي في الشركة وأجرتي اليومية، واستوقفه من إجابتي أنني أحصل على 120 روبية، ومع ذلك قررت الإضراب عن العمل قلت له، أنا مثلي مثل المئات من العمال ممن أضربوا ثم أن مرتبي هو 105 روبيات لكن اسأل نفسك كم مرتبك؟ أتصور ألفي روبية في اليوم وأنت أجنبي وأنا بحريني، فغضب من هذا الجواب والتفت إلى علي ميرزا وقال له أطرد هذا الثرثار، وحكم علي بالسجن 30 يوماً قضيتها بالتوقيف، وهكذا انتهت المقابلة وتم الحكم علينا بإطلاق سراحنا وخرجنا وسط احتفالية كبيرة».
التفكير بالهجرة
يواصل الدلال نبش الذاكرة «وصلنا إلى العام 1947 وأصبح عدد أبنائي ثلاثة أطفال وهم فوزية وشوقي وسامي، وزادت ظروفي المالية تعقيداً خاصة أن مرتبي عند عبدالله الحداد لم يتغير عن 200 روبية منذ العام 1944 إلى 1948، لذلك عقدت العزم للبحث عن حياة أفضل بالخارج».
بدأت رحلته مع المجهول لملم حاجياته وفي عام 1950 غادر مع أسرته إلى العراق مصطحباً والدته وزوجته وأخته فاطمة وأبنائه فوزية وشوقي وسامي «قررنا السفر عن طريق البحر إلى العراق على ظهر باخرة شحن، حيث إنه لا توجد في تلك الفترة بواخر خاصة للركاب وكان يطلق على هذه البواخر «سنان» و»المعلي» فالمعلي هي القادمة من الهند إلى أعلى نقطة في الخليج العربي البصرة، أما سنان فهو من البصرة في اتجاه الهند، كان من زوارنا المحببين عند عائلتي شقيق زوجتي المهندس ماجد جواد الجشي الذي مكث في بغداد لفترة تزيد عن الشهرين منتدباً من الجامعة الأمريكية في بيروت للتدريب في مشروع سد المسبب في العراق».
إلى شركة مرسيدس بالكويت
يواصل محمد صالح حديث الذكريات «بالعودة إلى الخمسينات من القرن الماضي، أذكر أنه في ذات يوم من شهر آذار 1958 وفي تلك الفترة كنت ماأزال في بغداد أعمل موزعاً للدعاية في معمل سجائر البلاط، التقيت زيد الكاظمي وكان من الأصدقاء الذين تعرفت عليهم خلال إقامتي والعائلة في بغداد وهو يملك شركة المرسيدس بالكويت مع شريكه الكويتي عبدالرحمن البشر، سألني كم تأخذ راتباً عن هذه الوظيفة؟ قلت 30 ديناراً عراقياً، قال ما رأيك أن تأتي معي إلى الكويت وتعمل محاسباً في شركة المرسيدس وأعطيك مرتب 100 دينار أي ما يعادل 3 أضعاف مرتبي في العراق».
وافق على العرض دون تردد «قلت له سأكون عندكم في الكويت خلال أسبوع واحد، وأعطاني بطاقته وفيها عنوان الشركة وفي هذه الأثناء كان أخي علي في زيارة لنا في العراق وأخبرني أنه ينوي افتتاح مكتبة للقرطاسية وبيع الصحف بالاشتراك مع محمد سيف مسلم، وطلب مني مشاركتهم بالمشروع فقلت له سأساهم معكم في رأس المال إلا أني مسافر إلى الكويت، وهناك بإمكاني أن أجمع مبلغاً من المال أضيفه إلى رأسمال المشروع، وأوصيته على الأهل وبعد أن استأجرنا محلاً في شارع الثورة في بغداد وحضرت افتتاحه بعدها شددت الرحال إلى الكويت».
في الكويت سكن عند أخته وزوجها الأستاذ حسن الجشي المبعد عن البلاد مع مجموعة من المناضلين من هيئة الاتحاد الوطني المنحلة وبعد اعتقال زعمائها ونفيهم إلى الخارج ومنهم عبدالعزيز الشملان وإبراهيم حسن فخرو وإبراهيم الموسى وعبدالرحمن الباكر وعبد علي العليوات وعلي كمال الدين ومجموعة أخرى.
بدأ العمل في شركة المرسيدس مباشرة بعد وصوله إلى الكويت «عملت بوظيفة أمين صندوق وكنت أبدأ العمل الساعة الثامنة صباحاً حتى الواحدة بعد الظهر، ثم أعاود من الثالثة حتى العاشرة ليلاً، وكنت إضافة إلى عملي أوكل لي أن أعمل في مكتب للمناقصات وكنت ألخص فحوى الكتب والمراسلات الواردة من الشركات التي تتضمن العروض الخاصة بالمناقصات والعروض التجارية ورغم تعبي في العمل لم أطلب زيادة في مرتبي رغم أني أعمل لمدة لا تقل عن 12 ساعة يومياً، ويومها كانت الشركة تفكر بفتح فرع للمرسيدس في البحرين وطلبوا مني ترشيح وكيل لهم بمعرفتي، قال لي سيد كاظم من تعرف في البحرين قلت له إني أعرف كل التجار هناك».
ويضيف «سافرت للبحرين ويومها فكرت في الكثير من التجار كان بينهم حسن يتيم وبيت كانو والبسام وأيضاً في الحداد، ومن خلال علاقتي بالحداد قررت أن أبدأ به، عرضت الموضوع على عبدالله الحداد فرحب بالفكرة ورافقني إلى الكويت، وهناك تم الاتفاق على إسناد وكالة المرسيدس في البحرين إليه، ورغم وساطتي وهذه الصفقة الكبيرة إلا أني خرجت من المولد بلا حمص فلا الشركة كافأتني ولا الحداد أعطاني ثمن هذه الصفقة الكبيرة».
المراسلات مع عبدالناصر والسلال وبن بللا
يواصل الدلال «عندما كنت في الكويت كانت هناك مراسلات بيني وبين العديد من زعماء الثورة العرب منهم الرئيس جمال عبدالناصر والجزائري أحمد بن بللا واليمني عبدالله السلال ورئيس الوزراء السوري صلاح الدين البيطار، وهناك العديد من الزعماء والقياديين في الوطن العربي ممن كنت أحرص على التواصل معهم ومناقشة قضايا الوطن وهموم المواطن العربي».
ويتابع «في أحد أيام شهر آب 1962 وخلال وجودي في عملي بوزارة التعليم التي انتقلت إليها من شركة المرسيدس، وبينما كنت منهمكاً في إدارة المستخدمين جاءني نائب رئيس المكتب وهو صديق لي وأخذ يوشوشني في أذني وقال لي «قم معي يا محمد، فتبعته ووجدته يأخذني إلى قسم الحسابات، وقال للمسؤول صف حساب الأخ محمد وأعطه تحويلاً على الصندوق ليقبض حسابه ثم أخذني على جنب وقال لي أنت مطلوب إلى إدارة الأمن، لذا اقترح عليك أن تأخذ حسابك وحاجياتك من البيت وتسافر إلى حيث تشاء، قلت أفضل السفر للعائلة في دمشق، قال وأنا أحجز لك ستجد تذكرتك بالمطار، وبعد أن دفعت له أجور الطائرة وبعد ساعة كنت في المطار، وبعد ساعتين أقلعت الطائرة إلى دمشق وكم كانت فرحتي عندما التقيت عائلتي التي استقرت في دمشق بعد أن نقلتها لعدم وجود جامعات بالكويت وعندها كانت ابنتي فوزية تود دخول الجامعة».
من سوريا إلى البحرين
يختم محمد صالح الجولة في ذاكرته «في دمشق قررت أن استثمر ما كان لدي من مال في إنشاء مزرعة لتربية الدواجن، واشتركت مع شخص يدعى منير حوراني، وكانت المزرعة تقع على سفح جبل في منطقة قدسيا إحدى ضواحي دمشق، وبالقرب من المزرعة كان هناك معسكر للفدائيين الفلسطينيين وكان جرف المزرعة كلها مزروع بأشجار التين واللوز «البيذان» والجوز وهي تعتبر متنزهاً جميلاً، وفيها بيت يقع في آخر الجرف يقال إنه كان مصيفاً للحاكم العثماني».
استورد آلة تفريخ من هولندا وبنى حظائر تتسع لـ5 آلاف فروج «تعرضت المزرعة إلى عدة غارات جوية من الجيش الإسرائيلي لقربها من معسكر الفدائيين الفلسطينيين ما جعلها تدمر بالكامل، وقبل أن أقرر العودة إلى البحرين عشت في سوريا حياة اجتماعية وارتبطت وعائلتي بالكثير من الأدباء والسياسيين وكنا نلتقي في منزلي الذي تحول إلى ناد للمثقفين العرب».
ويضيف «عندما عدت إلى البحرين عام 1980 حاولت العمل بالتجارة من جديد وافتتحت مكتب لكن الأحداث السياسية في المنطقة لم تكن مشجعة للاستيراد والتصدير».
يعتز الدلال بصداقته للكتب «أعشق القراءة للعديد من الأدباء والشعراء العرب منذ أن كنت عاملاً في بابكو، أذكر أني دائماً في طريقي للشركة أربط غترتي في شباك الباص وأقرأ إلى أن أصل إلى مقر عملي وهو أيضاً ما جعلني أكون أحد المؤسسين لنادي العروبة رغم أني لم أكن متعلماً، لكن حبي للأدب والشعر هو ما جعلني أكون بالقرب من هؤلاء المثقفين، وأعتز الآن بالمراكز المرموقة التي يتقلدها أبنائي وأحفادي بمجال عملهم».