روى أهالي من مدينة حلفايا السورية لـ»الوطن» التفاصيل الكاملة لـ»مجزرة الخبز» التي راح ضحيتها 94 سورياً جميعهم من المدنيين وبينهم العديد من الأطفال والنساء، جراء غارة جوية شنتها قوات النظام السوري على مخبز البلدة.
استفاقت حلفايا ذات يوم بلدة صغيرة في ريف حماة، وأمست في اليوم نفسه واسمها على شاشات معظم تلفزات العالم مقترناً بكلمة «مجزرة».
«الوطن» تمكنت من التواصل مع بعض الأهالي، بينهم شاهد عيان شارك في انتشال جثث الضحايا ومن أوائل من وصلوا إلى موقع المجزرة .
قصة بلدة حلفايا، ذات الـ 30 ألف نسمة والتابعة إدارياً لمحافظة حماة، بدأت كما بدأت القصة في كل سوريا، عندما انتفض الشعب على نظام حكمه، فشاركت في المظاهرات السلمية التي قوبلت بعنف من قوات النظام. ومع اتجاه الثورة السورية إلى التسلح تحت وقع القتل الممنهج من قوات النظام السوري لإخماد الثورة، انضمت البلدة إلى الحراك المسلح ايضاً، وتعرضت لمختلف أشكال القصف والعنف. وهجرها جزء كبير من أهلها بعد أن تمركزت بها قوات للنظام السوري، واحتلت المستشفى الوحيد فيها.
التحرير
يروي الأهالي أنه قبل المجزرة بأسبوع، استطاع الجيش السوري الحر تحرير البلدة تماماً وطرد قوات النظام السوري، الأمر الذي قابلته هذه القوات بقصف يومي بالمدفعية والصورايخ من دار عبادة احتلتها وحولتها إلى ثكنة عسكرية في منطقة استراتيجية مطلة على ريف حماة. ويقول الأهالي إن القصف اليومي تزامن مع تشديد سياسة الحصار، إذ منع النظام السوري وصول الطحين، وقطع الكهرباء والماء والوقود عن البلدة. وهي سياسة يتبعها النظام السوري مع كل المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر.
يوم المجزرة
بعد الحصار الخانق، كما يروي الأهالي، تمكنت مؤسسة خيرية تسمى «هيئة شام الإسلامية» من إيصال كمية من الطحين إلى البلدة في يوم الأحد 23 ديسمبر 2012. وتمكن الأهالي من تشغيل واحد من ثلاثة أفران في البلدة، وبدأ إنتاج الخبز حوالي الساعة الثالثة مساء، فتوجه معظم الأهالي المتبقين في البلدة إلى المخبز للحصول على خبز كان مفقوداً نهائياً طيلة أسبوع. وتشكل طابوراً طويلاً من طالبي الرغيف أمام المخبز.
ويقول أحد شهود العيان لـ»الوطن» إنه في هذه الأثناء، حلقت طائرة حربية مقاتلة فوق البلدة وظن الأهالي أنها غادرت بعد اختفاء صوتها، لكنها عادت، وقبل أن يسمع صوتها مجدداً ويعرف الأهالي بعودتها، دوت أربعة انفجارات استهدفت الفرن وتجمع الأهالي أمامه ومعظمهم من النساء والأطفال. فعلا الصراخ والاستغاثات. شاهد وصل إلى مكان المجزرة بعد دقائق على وقوعها، يروي لـ»الوطن» المشهد: لم يكن قد بدأ انتشال الجثث بعد، الدخان ورائحة البارود واللحم المحروق تملآن المكان. جثامين معفرة وأشلاء في كل منطقة الانفجار، والموجودن يصرخون «إسعاف».
يضيف شاهد العيان أنه بدأ ومن معه نقل الشهداء والجرحى من مكان الانفجار، ونظراً للعدد الكبير للجرحى وتخريب قوات النظام مستشفى البلدة قبل انسحابها منه، جرى نقل المصابين إلى مستشفيات في بلدات أخرى قريبة مثل اللطامنة وكفرزيتا والهبيط ومعرة حرمة.
قنابل محرمة دولياً
حصيلة القتلى، حسب الأهالي، بلغت 94، تم التعرف على 43 منهم فقط نظراً للتشوه الكبير في الجثث، وتفتت بعضها إلى أشلاء. إلى جانب 80 جريحاً معظمهم بحال حرجة.
يقول الأهالي إن القنابل التي استخدمها النظام لقصفهم تبين أنها عنقودية محرمة دولياً، كون القنبلة الواحدة تنشطر إلى عشرات القنابل الصغيرة تنتشر على مساحة كبيرة لقتل أكبر عدد من الناس، ويبقى جزء منها غير منفجر، يصبح بمثابة ألغام يمكن أن تنفجر في أي لحظة.
يؤكد الأهالي أن الجيش السوري الحر لم يتواجد أبداً قرب الفرن عند قصفه، لكنه حضر إلى المكان بعد القصف وساعد في إسعاف الجرحى ونقل القتلى.
دفنت بلدة حلفايا ضحاياها في ترابها الأحمر الخصب، بعد أن تغمس رغيفها بالدم بكل ما للكلمة من معنى، إلا أن السلام لم يعرف طريقه إليها بعد، كما يقول الأهالي، إذ تواصل قوات النظام السوري قصف البلدة بالمدفعية والطيران الحربي بشكل متقطع، لكنه يومي.
ومنذ وقوع مجزرة الخبز في حلفايا، شهدت سوريا مجزرتين مشابهتين، إذ قصفت قوات النظام السوري مخبزاً في تلبيسة بمحافظة حمص، وآخر في بلدة البصيرة بديرالزور.