هكذا هو الموت !
يأخذ أحبابنا فجأة دون سابق إنذار!
دون إخبارنا أو إبلاغنا بموعد قدومه أوحتى مهمته!
يأخذ أحبابنا دون انتظارنا لنشبع منهم!
أو على الأقل لنرجع لهم!
حتى لو كنا في غربة! بل حتى لو كانت هذه الغربة هي شهر العسل!!
نعم لقد جاء الموت وأخذ أختي ووحيدتي (سيما)!
سيما ذلك الاسم الذي أصبح يعرفه كل فرد من أفراد أسرتنا البحرينية.
ولعل أحلى أسمائها بات بعد رحيلها ..وهو سيما أم الأيتام!
سيما التي كانت تنهي محاضراتها الجامعية بكل لهفة لتذهب لترعى أطفالها الثمانية عشر، بالرغم من أنها لم تنجبهم!
ثمانية عشر طفلاً وطفلة..
جمعهم اليتم والبؤس ودار رعاية الأيتام
لا أنها بحبها ورعايتها لهم جمعتهم في قلبها فأصبحوا جميعاً عائلة واحدة.
كانت تحبهم.. ترعاهم.. تدرسهم .. تهتم لمصالحهم ..بل وتدافع عنهم.
سيما، التي بعد رحيلها، أبلغتني مديرة دار الأيتام عنها بأن هاتف الدار أصبح لا يصمت!
فالجميع، بعد رحيلها، سمع عن أبنائها!
والجميع أصبح يريد أن يساهم في تربيتهم،
وأن يشارك في مسح دمعة هؤلاء الأطفال الأيتام!
أختي وحبيبتي سيما...
بالرغم من السنوات المعدودة لعمرك القصير،
إلا أنك أصبحت قدوة لكثير من الناس ..قدوة في الطيبة والابتسامة ورعاية الأيتام
فهنيئاً لك هذه المكانة العظيمة.
هكذا كانت سيما مع أطفالها، أو بالأصح مع أيتامها، فكيف كانت معنا نحن أسرتها؟!
كنا .. أنا وأمي وسيما كما الجسد الواحد ..
نعاني
نتألم
ونفرح معاً،
كنا كالصديقات!
عندما نمر في أزمة، أو مشكلة،
نخرج منها ونحن متعاضدين أكثر، ومتحابين أكثر،
فوفاة والدنا رحمه الله ونحن صغار، علمتنا معنى العائلة ومعنى الحب والتماسك والارتباط.
حبيبتي سيما
أذكر وبجلاء أيام الأزمة..
وأذكر تركك لعملك وتطوعك في سلك التدريس كما أي مواطن صالح محب لوطنه وأبناء وطنه.
بل أذكر أيضاً عملك كموظفة في البنك..
وأذكر الامتيازات التي يقدمها البنك لموظفيه،
غير أني أذكر بشدة قيامك بتقديم استقالتك كموظفة بنك ضاربة عرض الحائط بكل امتيازاتك، وتفضيلك أن تتطوعي كمدرسة أطفال بلا راتب!!!
من أجل ذلك، بل من أجل كل ما قدمته لأبناء وطنك ..
لا غرو أن أحبك في حياتك كل أطفال مدرستك .. بل ولا غرابة في أن أحبك وبكاك شعب البحرين
واهتزت قلوبهم وغرقت دموعهم بالدموع وقلوبهم بالآهات واللوعات ..يوم رحيلك!!
حبيبتي سيما
لازال الكل يذكرك .. (سبحان الله) .. حقاً إذا أحب الله عبداً حبب فيه خلقه وهكذا كنت ..سيما.
أختي وحبيبتي سيما ...
أتعلمين أن أمي مازالت تناديني كما كانت دائماً تناديني؟!
لا باسمي بل بكلمة «إنتوا» أي أنا وأنت؟!
نعم
فأنت مازلت بيننا في كل لحظة وكل ثانية نعيشها،
لا تغيبين عن بالنا أبداً..ولن تغيبي بإذن الله.
ولعلمك أختي..
إن ظننت، وأنت في قبرك، بأن رحيلك عنا سينسينا إياك،
أو مشاغل الدنيا ستلهينا عن ذكرك وذكرياتك، فاسمحي لي ..فأنت جداً مخطئة!!
فالله سبحانه وتعالى كان كريماً جداً معنا..
فابنك (مشـعل) يتهافت عليه صغيرنا قبل كبيرنا، وغائبنا قبل حاضرنا ..
وجوده في حياتنا وابتساماته وحركاته خففت علينا الكثير من وجع الفراق.. وجع فراقك.
ويظل دعاؤنا دوماً اللهم لا ترينا فيه بأساً واحفظه لنا واجعله باراً بوالده ويدعو لوالدته في كبره.
وهذا وعد قطعناه على أنفسنا.. يا قطعة من قلوبنا، أن ننافس زوجك الغالي في حبنا لمشعل .. ولآخر يوم في حياتنا وأن يكون ابنك ابننا جميعاً ليكون كما كنت تتمنين أن تريه..وأفضل.
حبيبتي سميا
لا أعلم متى سألقاك.. ولكن حتماً، وبإذن واحد أحد، سنجتمع إن شاء الله في النعيم المقيم الذي لا ينضب ولا يزول في أعلى فراديس الجنان حيث لا ألم ولا فراق آخر
وإلى أن يحين ذلك الموعد،
أتوجه إلى الله سبحانه بدعائي .. فيا الله ارحمها وارزقها الفردوس الأعلى بدون حساب ولا سابقة عذاب.
واجعل اللهم جنينها ونيساً لها في الجنة، وصبر اللهم أمي وزوجها وابنها وجميع أفراد عائلتنا على فراقها.
أختك..وحبيبتك
أفنـان عبدالله البستكي