كتب ـ أحمد الجناحي وياسمين صلاح:
لا يمكن قراءة عرض جوليا دومنا الذي قدمته فرقة «إنانا» السورية على مسرح الصالة الثقافية الجمعة بعيداً عن الظروف السياسية والاجتماعية المحيطة براهن العرض.
حكاية مستلة من التاريخ عن جوليا دومنا الفينيقية الحمصية التي أصبحت زوجة قيصر روما سبتيموس سيفيروس، فيواجهان معاً هجوم قبائل الجيرمان ليس على روما وحسب بل على الحضارة الإنسانية. مقولة رئيسة تبحث عن المشترك الحضاري بين الشرق والغرب، قدمت قبل سنوات عدة في أماكن كثيرة حول العالم، والجمعة كانت ختام فعاليات «المنامة عاصمة الثقافة العربية» في عرض موسيقي راقص حرك شجون الجمهور وأثار تصفيقه الحار في صالة امتلأت عن آخرها. ورغم أن العرض لا يقدم أي إسقاط مباشر على وضع سوريا الحالي، فإن حمص كانت حاضرة، وتلك الفينيقية التي نقلت ثقافة الشرق وفنونه إلى روما وألغت الفنون القائمة على العنف، قابلها في وجدان الجمهور صورة حمص الحالية، المدمرة، التي اغتصبها العنف تحت وطأة القصف والدم.
بلفتات موسيقية رشيقة زاوج العرض بين الشرق والغرب، من أقصى الموسيقى الكلاسيكية إلى أقصى موسيقى الشرق، ومن الرقص التعبيري الكلاسيكي إلى الدبكة الشرقية دون أن يشعر المتلقي بأي قطع.
ملحمية العرض كانت واضحة، ثقافات الشعوب القديمة، الفينيقية والغربية والفرعونية، تلاقت على الخشبة لتصنع أغنية بتفاصيل كثيرة مدعومة بأزياء متقنة ورقصات مصممة لتخدم الحكاية الأصلية، وأضواء جعلت العرض مبهراً.
وفي حين بدا العرض فنياً مقسوماً إلى نصفين، الأول يحكي قصة جوليا دومنا رقصاً، والثاني يمزج بين أغاني التراث في كل إقليم عربي، فإن المقولة الرئيسة يمكن قراءتها بشكل ممتد على النصفين، فلا تزاوج شرقي غربي في الحضارة الإنسانية إلا حين يتحول الحلم العربي بالوحدة إلى الواقع، وحدة تبدعها الثقافة والموسيقى والغناء والرقص قبل أن تصنعها السياسة.
يأتي صوت درويش فاصلاً بين مرحلتي العرض «أيها المارون بين الكلمات العابرة»، يبدو في البداية مقحماً، نقلة مفاجأة بين التاريخ والحاضر، لكن سرعان ما يدخل المتلقي بعدها في أجواء الآني والراهن «إن هلهلتي يا عروبية واحد منا يقابل مية».
أغاني عربية تشكل خلفية للوحات الراقصة التي تأخذ الجمهور إلى موسيقاها، محاولة جادة لصناعة الفرح، غير أن الظروف الجاثمة على سوريا حولتها لشجون وجداني يقارن واقع البلد بماضيه، أصوات الأغاني والفرح برائحة الموت والدمار، ثنائيات صنعها العرض دون أن يدري، لعب فيها التوقيت عاملاً حاسماً، فكان الجمهور شريكاً رئيساً في صناعة التلقي بل وكتابة المقولة الرئيسة بعيداً عما أراد صانعوها. مدير «إنانا» جهاد مفلح عبَر لـ»الوطن» عن اندهاشه بالجمهور البحريني وتفاعله الواضح مع العرض.
وجهاد، ابن المسرح الراقص وخريج فرقة كركلا قبل أن يتزوج زوجته الروسية التي جسدت دور جوليا دومنا رقصاً على المسرح، لم يشأ أن يأخذ العرض أي بعد سياسي، إنه «تركيز على الجانب الإنساني في التاريخ» أولاً وقبل كل شيء.